طالعتنا صفحة "تيارات" في الحياة 25/6/2000 بمقالة لزومية للكاتب التونسي العفيف الأخضر. والمقالة مبتورة وتحتوي على نوعين من الهرطقة الأول هو هرطقة علمية يستعمل عبرها الكاتب مصطلحات التحليل النفسي من دون دراية بدلالاتها ومعانيها الحقيقية. أما الثاني فهو على غرار الهرطقات المعروفة من الكاتب لكنه يخص بها سورية هذه المرة. بداية فإن "التماهي بالمعتدي" هي حيلة دفاعية لا شعورية يلجأ اليها والى بقية آليات الدفاع الوعي عندما يعجز عن احتمال الواقع. وهذه الحيلة، وغيرها من الحيل الدفاعية، تعكس نقص القدرة على التعقيل والعجز عن استيعاب الواقع. وهذه وضعيات يسهل وقوع الأفراد فيها. ولكن هل يصح أن ندعو الدول اليها؟ هل يصح ان ندعو دولة ما كي تنتقص من قدرتها على التعقيل وعلى استيعاب الواقع؟ أما عن تماهي اليهود بالعدو النازي فهو مثال جدل. وهو يجد ما ينقضه في تعاون بعض زعماء الصهيونية مع النازي. ولو أننا سلمنا بحدوث هذا التماهي فإن علينا ان نلاحظ أنه يقود الى تقليد المعتدي في ممارسة العدوان، ولقد تم اختيار المنطقة العربية كساحة لهذه الممارسة. وهنا سؤال حول النصيحة التي يقدمها الكاتب لسورية. الا يعتبر ان نصيحته ناقصة؟ فلو حدث ان تماهت سورية باسرائيل فأين عساها تمارس تقليدها للعدوان الاسرائيلي؟ وهكذا فإن عنوان مقالة الأخضر "متى تتماهى سورية مع عدوها؟" يحتاج الى علاج. إذ يبدو واضحاً أن إعجاب الكاتب بأوالية "التماهي بالمعتدي" انما يعود الى وقوعه فيها، حين راح يمارس عدوانيته المستدخلة عبر هذا التماهي على مجتمعه، حتى بدا عداؤه لمجتمعه واضحاً في مقالاته وطروحاته. وان كان يتقمص دور الواعظ اليهودي - العلماني الليبيرالي، وهو دور يدفعه باتجاه عداء أعمق لمجتمعه، واحتقار لذاته. صحيح ان اليهود أطلقوا مصطلح "لاسامية الأنا" و"اليهودي كاره نفسه" على عدد كبير من اليهود. لكن أياً من هؤلاء لم يصل الى حدود دعوة اسرائيل للتماهي بعدوها أو بأعدائها! مع ان هذا التماهي هو الأصح، لأن العرب اثبتوا قدرتهم طوال قرون على التعايش مع اليهود بتسامح. وهذا ما لم تتمكن ديموقراطية اسرائيل وليبيراليتها من اثباته! فهل يمكننا اعتبار الكاتب "عربي يكره نفسه"؟ شخصياً أرفض التفكير خصوصاً أنه ينطوي على نوع من أنواع التماهي بالمعتدي وأفضل عليه مبدأ "الأنا وعلاقتها الموضوعية بالواقع وعبره بالآخر"، ومن هذا المنطلق أود أن أطرح على السيد الأخضر بعض الأسئلة: كم اسرائيلياً يبقى في اسرائيل لو تدنى دخل الفرد فيها الى مثيله في سورية؟ وما هي اقتراحات اسرائيل للتخلي عن المعونات الخارجية؟ وهل تضمنت هذه الاقتراحات تورطها في تجارة المخدرات العالمية وفي صفقات الأسلحة التي تضر بالاستراتيجية الاميركية؟ وهل باعت اسرار القنبلة النوترونية وطائرة الأواكس؟ وهل هي اضطهدت يهود الفالاشا وقبلهم اليهود العرب؟ وهل هي غارقة في تجارة الرقيق الأبيض والروسي خصوصاً؟ ثم ماذا عن ورطات موردخاي ونتانياهو وغيرهم من المسؤولين؟ عزيزي الأخضر لست من القائلين باحتمال نشوب حرب أهلية اسرائيلية مهما كانت الظروف. فالفقر هو المقدمة والشرط لنشوبها واليهود لن يتحملوه، بل هم سيعودون الى البلاد التي أتوا منها. وما زالوا حاملين لجنسيتها، كما أرجو من الكاتب أن يتابع تحليل وضعية التماهي بالمعتدي، حتى تؤدي هذه الوضعية الى استدخال عدوانية المعتدي وحيث لا يمكن للمتماهي ان يشعر بالأمان إلا عبر تأكده من قدرته على العدوان. وغالباً ما يمارس هذا العدوان لمجرد اثبات هذه القدرة أمام نفسه. أخيراً فإن التحليل الانثروبولوجي يدعونا للنظر الى اسرائيل كآخر شخصياً أصر على اعتبارها موضوعاً سيئاً أما ان نتماهى فيها فإن في ذلك بعضاً من وحشية التحليل؟ محمد أحمد النابلسي الأمين العام للاتحاد العربي لعلم النفس