السيد رئىس التحرير، في تعليقك على تغطية وسائل الاعلام الغربية لمحاكمة روجيه غارودي، في عدد 29 كانون الثاني يناير الماضي، ذكرت بشكل خاطىء اني اشاطر غارودي آراءه المخبولة حول المحرقة النازية. وهو ابعد ما يكون عن الصحة. حقاً، كيف يمكن ان انكر المحرقة؟ فأبي وامي كانا ضمن الناجين من معسكرات الموت في عهد هتلر. واُبيد كل افراد عائلتي، باستثناء امي وابي، على ايدي النازيين. ما ارفضه فعلاً هو حق اسرائيل في ان تستغل المحرقة النازية لتبرر سياساتها المناهضة للعرب. وهذا هو ما يدفع المنظمات اليهودية الى منع انتشار كتابي. ان محاكمة غارودي على آرائه امر يستحق الشجب. لكن تأييد العرب لآرائه - مقابل حقه في التعبير عنها - يستحق الشجب على نحو مماثل. فالتشكيك في هذا الجانب او ذاك من المعلومات عن المحرقة هو بالتأكيد امر مشروع. وأستطيع ان اتفهم بسهولة لماذا يمكن للمرء، ازاء وابل الاكاذيب المستمر من اسرائيل، ان يبدأ حتى بالتشكيك في وقوع المحرقة النازية. لكن الحقيقة الجوهرية التي لا تقبل الجدل هي ان النازيين قتلوا بشكل منظّم ملايين اليهود. وعلمية غارودي الزائفة تذكّر بالكتّاب الصهاينة الذين يعيدون ترتيب الوثائق كي "يبرهنوا" ان فلسطين كانت صحراء قبل ان يأتي اليهود. والادعاء، كما يفعل للأسف الكثير من العرب، بأن المحرقة اليهودية لم تحدث يوحي بأنه لو كانت حدثت فعلاً فإن سياسات اسرائيل ستكون مبررة. لكن لماذا ينبغي ان يكون الامر هكذا؟ ان التعرض الى الاضطهاد لا يبرر اضطهاد الآخرين. تحجّرت افئدة بعض اليهود تحت تأثير ما عانوه في ظل النازية. لكن التجربة جعلت غيرهم حساسين تجاه المعاناة الانسانية. فوالديّ شجبا انكار اسرائيل لحقوق الفلسطينيين. واقترح البروفسور ادوارد سعيد اخيراً ان يكف العرب عن انكار المحرقة النازية. هذا هو الموقف الاخلاقي الذي يليق برجل عظيم. ومن شأن أي موقف آخر ان يسيء الى العرب ويحط من قدرهم. وسيعني بالفعل الانحدار الى المستوى الاخلاقي لليهود الذين ينكرون معاناة الفلسطينيين. رئيس التحرير: أنا لم اكتب عن غارودي بأي شكل في عدد 29 من الشهر الماضي، او أي عدد، وكاتب الرسالة يشير في الواقع الى مقال كتبه صالح عزّ، وهو كاتب وجامعي مصري معروف، ونشر في الصفحة 19 من ذلك العدد. هذا المقال أشار عرضاً الى كتاب من تأليف البروفسور فينكلشتاين بعنوان "أمة متهمة" تعرض لحملة اعلامية، وقال انه "لا يختلف في مضمونه عن كتاب غارودي الذي قدم للمحاكمة بسببه". ويسرنا ان ننشر ايضاح البروفسور فينكلشتاين، وان استنكاره استغلال اسرائيل المحرقة النازية لتبرير سياساتها المعادية للفلسطينيين لا يشبه انكار غارودي حدوث المحرقة او عدد ضحاياها. ولا أزيد هنا سوى تعليق مختصر جداً على قول البروفسور فينكلشتاين ان عرباً كثيرين ينكرون حدوث المحرقة، فالواقع ان الانكار اذا حدث سببه الجهل قبل أي شيء آخر، ثم العداء لاسرائيل الذي يجعل عرباً كثيرين يعتقدون ان اسرائيل بالغت في رقم الضحايا لاستدرار العطف والمساعدات. ولكن سواء كان الرقم مليوناً أو ستة ملايين أو عشرة فالجريمة ضد الانسانية واحدة.