أصبح نشر الكتب الأدبية من الأمور المضحكة المبكية، إذ نشأت في سياق هذا النشر "تقاليد" غريبة تضع الأدباء - وخصوصاً الشباب منهم - في محنة دائمة يتوجب عليهم فيها دفع تكاليف طباعة كتبهم من دون أن تترتب على تلك التكاليف أية حقوق من أي نوع كان. أصحاب دور النشر الخاصة - وهي كثيرة في هذه الأيام - لديهم بدورهم منطقهم الذي يستند دوماً الى حال السوق. إنهم يقولون لك إن الناس لم يعودوا يقرأون إلا في نسب ضئيلة جداً، أما إذا كان الأمر يتعلق بالشعر فالأمر أشد سوءاً، لأنهم يجمعون على كساد سوق الشعر. نحن نخسر تكاليف الطباعة ولا نجد على مدار سنوات من يشترى ديواناً من الشعر. هكذا يقولون كلهم، ومع ذلك فهم يواصلون طباعة دواوين الشعر. والمسألة بسيطة، فصاحب دار النشر الخاصة يرحب دوماً بطباعة أعمال الشعراء النجوم - وهم قلة على أية حال - لأنه يعرف أن هؤلاء الشعراء لهم جمهورهم من القراء، وكتبهم تنفد من الأسواق بسرعة، وتدرّ عليهم أرباحاً لا بأس بها. أما بالنسبة للآخرين - بمن فيهم المعروفين من الشعراء - فإن الطباعة تتحول الى مساومة مريرة بين الناشر والشاعر، حيث يسهب الأول في الحديث عن أزمة الكتاب وانفضاض الناس عن قراءته وخصوصاً إذا كان كتاباً شعرياً، فتنتهي المساومة بأن يقبل الشاعر أن يدفع تكاليف الطباعة كاملة في مقابل أن تقبل دار النشر وضع اسمها وشعارها على غلافه، وربما تقبل بتوزيعه... وهذه ليست مضمونة دوماً، فكثيراً ما تتحول دار النشر الى مجرد دار للطباعة، تقوم بطبع الكتاب وتأخذ أرباحها عن طباعته، ثم تسلّم النسخ كاملة للمؤلف كي يتصرف بها على طريقته. النشر في حال كهذه لا يعود أن يكون تكديساً للكتاب في بيت الشاعر، وما يوزع منه ليس سوى نسخ قليلة يقوم الشاعر بإهدائها الى أصدقائه وزملائه من الشعراء والكتّاب وخصوصاً في المهرجانات والمناسبات الثقافية الكبرى. الشعراء خصوصاً، والأدباء عموماً يفضلون إصدار نتاجاتهم الإبداعية لدى دور النشر الخاصة، ويتحملون في سبيل ذلك معاناة قاسية، لأنهم - كما يقولون - يئسوا من المؤسسات الرسمية مثل اتحادات الكتّاب ووزارات الثقافة، التي لا يصل إليها إلا من لهم حظوة وسند، والتي تطبع في العادة نسخاً لا تتجاوز الألف من الكتاب الواحد، ولا توزع عادة إلا في نطاق ضيق هو حدود البلد الذي صدرت فيه. رحلة الكتاب الإبداعي رحلة مضنية، وهو بوصفه إنتاجاً على نفقة صاحبه، يخرج غالباً في شكل متقشف سواء لجهة نوعية الورق أم حجم الكتاب وإخراجه واقتصار غلافه - غالباً - على اللونين الأبيض والأسود، إذا لم نتحدث كذلك عن الأخطاء الكثيرة في الطباعة والناتجة أساساً عن قلة الاهتمام في الخدمات الطباعية بالنظر الى انخفاض التكلفة والحرص على التوفير. في العقد الماضي وافت المبدعين العرب الشباب فرص نشر نتاجاتهم في صورة معقولة، من خلال المسابقات الأدبية، والتي تنظم في الغالب للأدباء الشباب، والتي تقدم للفائزين منهم جوائز مالية ومعنوية، إضافة الى طباعة الكتب الفائزة بالجوائز الأولى، وأحياناً بعض الكتب التي تليها في الأهمية والتي تنوه لجنة التحكيم بجودتها ومواهب أصحابها. الجوائز في هذه المسابقات، تمنح من يحصلون عليها - فوق النشر - دعاية مهمّة لأسمائهم يمكنها أن تدفعهم خطوات الى الأمام ومن الممكن أن تفتح أمامهم أبواب الانتشار والوصول الى القراء في صور أكبر من الحالات العادية. ومع ذلك تظل هذه المسابقات باباً ضيقاً يصعب أن تعبر منه نتاجات الأدباء، ما يجعل مهمة حل أزمة النشر مهمة عامة، يتوجب ألا تقع على عاتق دور النشر والمؤسسات الأدبية فحسب، بل يتوجب أن يشارك في حلّها أكثر من جهة من الجامعات الى المؤسسات الصحافية الكبرى الى المنظمات الشبابية وغيرها، والتي يمكنها - كل حسب طاقته - تقديم عون في هذا المجال، نصوصاً أن بالإمكان تحقيق مشاريع نشر شعبي قليل التكلفة وإن كان جيد التوزيع، يمكن أن تقوم به تلك المؤسسات كجزء من نشاطها العام. صورة الكتاب الإبداعي اليوم صورة محزنة، والمبدعون في إطار هذه الصورة أشبه بالتائهين... الباحثين عن فرصة مصافحة القارئ والحصول على اهتمامه. راسم المدهون