تستعد دولة البحرين الخليجية للولوج الى القرن الحادي والعشرين من باب التحديث والعصرنة وبوجه يختلف في كثير من ملامحه عن الوجه الذي عرفت به خلال العقود الثلاثة المنصرمة التي مضت على خروجها من ظل الوصاية البريطانية الى الاستقلال في أوائل الثلث الأخير من القرن العشرين. وتندرج هذه الملامح المختلفة تحت عنوان "الانفتاح" الذي أطلقه أميرها الشاب الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بعيد تسلمه مقاليد الإمارة والقيادة خلفاً لوالده الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي حقق لهذه الجزيرة العريقة في تاريخها الحضاري استقلالها وقادها على امتداد العقود الماضية بحكمته ورؤيته الثاقبة وسط بحر عاصف بالأنواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالتحولات الاقليمية الكبرى، وكان له الدور الأول في ما هي عليه اليوم من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والتطور الاجتماعي، وهي العناصر الثلاثة التي وفرت لوريثة ديلمون القديمة مركزاً اقليمياً وعربياً مهماً على المستويين المالي والمصرفي فضلاً عن مركزها الأوسع كموقع تلتقي فيه وتتفاعل ثقافات متعددة وشعوب متنوعة. والانفتاح الذي جعله الأمير الشيخ حمد شعاراً لعهده، هو عنوان عريض تتفرع عنه عناوين كثيرة منها الاصلاح الاقتصادي وبينها التحديث الاجتماعي، وسوى ذلك من المصطلحات التي يدرك الأمير انها أصبحت شروطاً أساسية للدخول في العالم الجديد الذي بدأ يتشكل تحت مظلة العولمة التي ألغت الحدود والقيود وبدأت تفتح الطريق أمام تحول الكرة الأرضية الشاسعة الواسعة الى قرية صغيرة واحدة. ومنذ اليوم الأول لتسلمه مقاليد الإمارة والقيادة وضع الأمير حمد شعار الانفتاح موضع التطبيق وبدا أنه انطلق في هذا التطبيق من الانفتاح السياسي وعلى المستويين الداخلي والخارجي. وجاءت خطوته الأولى بدعوة البحرينيين جميعاً للعودة الى الوطن مؤكداً ان "صدر الوطن يتسع للجميع"، لأن "كل مواطن مرجعه الى بلاده سواء كان في الداخل أو في الخارج". وألحق الشيخ حمد شعار الانفتاح بمبدأ متلازم معه هو التسامح، عندما أصدر عفواً أميرياً وأطلق بموجبه سراح عدد كبير من السجناء والمعتقلين السياسيين. وكانت هذه الخطوة الداخلية موضع ارتياح وترحيب ودليلاً عملياً على ان شعار الانفتاح لن يبقى شعاراً فقط. وعندما أعلن عم الأمير حمد ورئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة عن نية الحكومة، وعن تخطيطها لإلغاء مبدأ التعيين والعمل بمبدأ الانتخاب لأعضاء مجلس الشورى اعتباراً من العام 2004 وان هذا المجلس سيفتح أبوابه امام المرأة البحرينية اعتباراً من هذا العام، تأكد للمراقبين ان وجه البحرين السياسي في القرن الحادي والعشرين سيكون مغايراً تماماً لوجهها في القرن الحالي، وستكون المشاركة الشعبية في تخطيط ملامحه عاملاً اساسياً، مع دور أكيد وأوسع للمرأة البحرينية في هذه المشاركة بعدما ظل دورها مقتصراً حتى الآن على بعض المشاركات الادارية والاجتماعية والانسانية. قبل قرار البدء بانتخاب مجلس الشورى اعتباراً من عام 2004 اتخذت حكومة الشيخ خليفة قراراً آخر باتجاه توسيع المشاركة الشعبية في الشأن البحريني، وهذا القرار هو قرار اجراء الانتخابات المحلية التي سيكون فيها للمرأة حق الترشيح وحق الاقتراع معاً. ويقول السفير البريطاني لدى البحرين ان هذا القرار "جدير بالاهتمام والمراقبة لأنه يشكل خطوة أساسية على طريق التطوير الدستوري في البلاد"، الذي يدفع به الأمير وبتأييد ودعم من ولي عهده الشيخ سلمان بن حمد ورئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة. وهذا الوجه من الانفتاح السياسي والتحديث الدستوري في الداخل يقابله ويتلازم معه انفتاح سياسي وديبلوماسي على الخارج بدءاً من الانفتاح على الجيران والاشقاء في الخليج وصولاً الى الدول العربية والاجنبية التي اتبعت تجاهها القيادة البحرينية منهج اليد الصديقة الممدودة دائماً. وعملاً بهذا المبدأ تبنت المنامة سياسة تطبيع العلاقات مع قطر بمعزل عن التطورات في قضية النزاع على الجزر المعروضة الآن أمام محكمة العدل الدولية. ونجح الشيخ حمد في اقامة علاقة مباشرة بينه وبين الأمير القطري، كذلك علاقة مباشرة وودية بين وليي العهد في كل من البلدين الشقيقين. وقد كانت البحرين دائماً تعمل بكل جدية وصدق في سبيل حل قضية الجزر في اطار العلاقات المباشرة ووساطة الاشقاء من دون اللجوء الى المحاكم الدولية. ومدت يداً مفتوحة الى الجانب الآخر من الخليج، الى الجارة الكبرى ايران، وكان من الثمار الايجابية لهذه الخطوة زوال التوتر وعودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتوقيع عدد من الاتفاقات ذات الطابع الاقتصادي والمضمون الثقافي وسواهما. اما الانفتاح على الدول الكبرى فليس بحاجة الى شرح كبير، لأن المنامة ترتبط بعلاقات تاريخية ووثيقة مع بريطانيا يضعها السفير البريطاني لدى البحرين في اطار استراتيجي. ومن مظاهر هذه العلاقة الوثيقة والتاريخية المعاملة الخاصة جداً التي أحيط بها الأمير حمد وولي العهد، ابنه الشيخ سلمان عندما زار كل منهما المملكة المتحدة. ومن مظاهر هذه العلاقة ايضاً الشركة الاقتصادية المتنامية بين البلدين فضلاً عن العلاقات العسكرية والامنية الشديدة الترابط. وما يقال عن العلاقات مع بريطانيا يصح قوله عن العلاقات مع الولاياتالمتحدة الاميركية، والى حد ما مع فرنسا التي شهدت العلاقات بينها وبين البحرين خلال العقد الأخير نمواً كبيراً ومستمراً. ولا يختلف نهج الأمير الشيخ حمد في سياسته داخل مجلس التعاون الخليجي عن منهجه الانفتاحي خارج المجلس، لكنه يتميز بتصميم كبير على السير قدماً باتجاه التكامل بين دوله الست. ويعبّر أمير البحرين عن حجم كبير من التفاؤل في مستقبل مجلس التعاون حين يقول: "اليوم نرى مزيداً من الاتحاديين في دول الخليج ولله الحمد... وأنا من المتفائلين بأننا سنصل يوماً الى الذي نريد الوصول اليه، وبخطوات اتحادية أكثر ولكن بالتدريج". وهذه الخطوات الانفتاحية السياسية بمختلف الاتجاهات الداخلية والخارجية تتوازى معها خطوات من الانفتاح والاصلاح على المستوى الاقتصادي تعبر عن نفسها بقوانين وتشريعات وأنظمة جديدة بعضها اتخذته حكومة الشيخ خليفة وبعضها قيد التحضير، تهدف للوصول الى اشراك واسع للقطاع الخاص في العملية الاقتصادية ككل إما عن طريق خصخصة عدد من المرافق والمؤسسات العامة أو عن طريق توسيع هامش الاستثمار البحريني والاجنبي، مع هدف اساسي هو تنويع مصادر الدخل القومي والتقليل تدريجاً من الاعتماد على النفط الذي لا يزال حتى الآن هو المصدر الأكبر لهذا الدخل، مع العلم ان البحرين ليست منتجة كبرى لهذه السلعة الاستراتيجية ودخلها يأتي معظمه من مصافي التكرير التي تملكها ومن الصناعات النفطية المصاحبة الاخرى، فضلاً عن صناعة الالومنيوم التي كانت البحرين رائدة في خوض غمارها أوائل السبعينات. وهذه الخطوات التي ذكرناها خلقت مناخاً جديداً في البحرين لا بد لزائر تلك البلاد هذه الايام ان يلاحظ آثاره ويلمس احتمالاته المستقبلية الايجابية على مختلف جوانب الحياة في هذه الجزيرة التي يتطلع أهلها الى القرن المقبل بكثير من الأمل والثقة، من غير ان ينسوا حزنهم على أميرهم الراحل الذي أسس للبحرين خلال عقود حكمه الطويل القاعدة المتينة التي ينطلق منها ابنه الأمير الجديد وشقيقه رئيس الحكومة وحفيده ولي العهد الآن الى المستقبل الواعد.