تقاطعت احتفالات الجامعة الاميركية في يوم واحد، فبعد تكريم الرواد الأوائل، احتفت الجامعة مساء باطلاق دفعة جديدة من خريجيها بلغ عددهم 1093 طالباً وطالبة شكلوا الدورة ال131 من الخريجين. الاحتفال التقليدي على الملعب الأخضر لم يختلف عما سبقه في الشكل، لكنه اختلف في المضمون. فالخريجون يمثلون أول جيل يخرج الى رحاب الألفية الثالثة مزوداً بما اكتسبه من جامعة تعيش بداية قرنها الثالث، وهو على عكس الاجيال التي سبقته بدا مزهواً بما أنجزه لبنان لجهة تحرير جنوبه، وهو انتصار يحصل للمرة الأولى منذ احتلال فلسطين كما قال الخريج جورج رياشي باسم زملائه. لكنه مع ذلك رأى ان النصر تنغصّه "مذلة لحقت بطلاب هذه الجامعة وكل جامعة لبنانية، وتتمثل بتجاهل فاضح لحقوق الانسان والحق والحرية والديموقراطية والتعبير عن الرأي والاستقلال لدولة"، لافتاً الى ان الخريجين تلقوا تربية تجعلهم يرفضون ان يعيشوا ويتركوا غيرهم يعيش في عبودية، متسائلاً عن عدد الذين سيبقون في لبنان بعد التخرج، مرجحاً الا يتجاوز العدد 20 في المئة، في حين يفكر الباقون بالهجرة الى استراليا وكندا والخليج والبرازيل "وأي بلد يخطر في البال". اختيار خطيب الاحتفال لهذا العام كان لافتاً ايضاً فهو كما قدمه رئيس الجامعة جون واتربوري "ليس خريج الجامعة الاميركية لكنه يجسد القيم التي تسعى اليها، ناشط سياسي وبحكم جذوره الفلسطينية مواطن من العالم. له عقل لا ينام، واهتماماته الاكاديمية لا تعترف بحدود". كان خطاب البروفسور ادوارد سعيد استاذ اللغة الانكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا مزيجاً من النقد للواقع العربي والنصح لما تنتظره حياة الخريجين المقبلة، ذلك "ان ما يصعب على الآخرين فهمه خصوصاً الاميركيين ذوي التاريخ القصير نسبياً، اننا نحن كعرب ننتمي الى شعب ضارب في القدم، يترامى تاريخه على الوف السنين ويحمل تراكمات حضارات ولغات وتقاليد عديدة ومختلفة، ستكون ذروة الجنون واللامسؤولية ان ننسى او نتنكر لإرثنا هذا لنبدأ من جديد". وقال: "انتم كخريجين جدد مدعوون للعب دور خاص في ما اسميه حوار الحضارات وليس صراعها". ورأى "ان الفرق شاسع بين المعرفة والادراك الذي يجب عليكم ان تنموه، خصوصاً الادراك النقدي للعلاقة المعقدة بين حياتكم كعرب تتفاعلون مع العالم الخارجي ومع داخلكم". ودعا الخريجين الى عدم الاختباء وراء مهنهم، عليكم ان تفهموا وتسألوا اسئلة من مثل من أنا؟ وما علاقتي ببيئتي وتقاليدي؟ وما علاقتي بالآخرين؟ حاولوا ان تبقوا نضوليين وناقدين، مستعدين دائماً لمواطنين عرب ولبنانيين شباب لتلقي التحديات الجديدة لكم ما وراء حدودكم... ستظلمون انفسكم شديد الظلم وتشوهون وجودكم اذا اعتبرتم فقط انكم مسيحيين او مسلمين او دروز أو مذهبيين بطريقة ضيقة شوفينية ساذجة". ورأى ان العرب نادراً ما درسوا اميركا، "كلنا نظن اننا نعرف اميركا. لكن قلة منا تنظر ابعد من الصحف وشبكة "سي. ان. ان"، ولدينا جهل مشابه تجاه اسرائيل كأن معرفتها هي كالهزيمة او تقديم التنازلات لها". وأكد ان "الثقافات ليست سلعاً ورأى "ان ميراثنا الحي يجعلنا نقرر ان نسافر في العالم ونراقب بعقول حرة ليست خاضعة لسلطة من نصبوا انفسهم ممثلين رسميين لثقافة العرب والمسلمين... لا احد يحق له تمثيل ثقافة بأسرها، لأن الثقافات هي في حال تحول ديناميكية، والادعاء بتمثيل ثقافة هو تصغير لها وتجميد ما يجعلها اشبه بالضم". وتساءل عن "كيفية الحفاظ على شخصيتنا في وجه الدفق الاعلامي والانترنت". وقال: "ان اسوأ رد هو القول نحن من نحن وسنقاومكم انتم الدخلاء"، ورأى "ان العالم مكان كبير ومثير جداً، والوسيلة هي في تطوير وعي ناقد لا بل مشكك للعالم، وأعني ان ننظر الى المعارف على انواعها باحترام، ولكن من دون تبعية".