قبل ذلك بسنوات اربع، كانت السياسة قد عادت الى الألعاب الاولمبية من الباب الواسع. ففي ذلك الحين، صدف ان الالعاب الاولمبية الصيفية اي الرئيسية كانت ستقام في موسكو، ولأن موسكو كانت قبل شهور من موعد المباريات ارسلت قواتها تحتل الاراضي الافغانية، سارع الاميركيون وانصارهم في العالم وحلفاؤهم الى مقاطعة تلك الالعاب. صحيح يومها ان موسكو اقامت المباريات على رغم كل شيء واعلنت انها كانت ناجحة، ولكن واقع الحال يقول لنا انها كانت مباريات هزيلة. وواضح يومها ان موسكو اتخذت قرارها بالرد، حين يكون الامر مناسباً. العاب موسكو كانت في العام 1980. والصدفة جعلت الالعاب التالية تجري في لوس انجليس، ما جعل موسكو قادرة على الرد. وهكذا كان اذ ان السوفيات ابلغوا اللجنة الاولمبية الدولية في الثامن من ايار مايو 1984، بأنهم سيقاطعون الالعاب الاولمبية، هم ومعظم بلدان الكتلة الاشتراكية، باستثناء الصين ورومانيا. صحيح ان عدد الدول المقاطعة هذه المرة كان اقل كثيراً من عدد الدول التي قاطعت الالعاب الموسكوفية، لكن الوطأة كانت بادية، خصوصاً ان البلدان الاشتراكية المقاطعة اعتادت ان يكون ابطالها نجوماً كباراً في الالعاب الاولمبية كافة، واعتادت ان تحصل على الاعداد الاكبر من الميداليات. وهذا الغياب كان هو الذي اتاح، مثلاً، للولايات المتحدة، الدولة المضيفة، ان تحصل على 169 ميدالية، نحو نصفها ثمانون ذهبية، ما سجل رقماً قياسياً. والملفت هنا ان بطل الدورة كان اميركياً، وهو العداء كارل لويس، الذي اعتبر نجم المباريات من دون منازع، وسجل فوزاً بأربع ميداليات ذهبية، واصلاً بذلك الى الرقم القياسي الذي كان سبق ان حققه الايرلندي جيسي اونز. وكارل لويس حقق ميدالياته الاسطورية في مباريات سباق المئة متر ركضاً، وال200 متر، والقفز العريض، وسباق البدل. وهو، في ذلك كله، اعاد للرياضة الاميركية اعتباراً كان غياب الرياضيين الاميركيين، قد ارسله الى وهاد النسيان في دورة موسكو. العاب لوس انجليس الاولمبية افتتحت يوم 31 تموز يوليو 1984، وسط احتفالات ضخمة، من تلك النوعية العملاقة التي كان الاميركيون، ولا يزالون، معتادين عليها. وكان من الواضح ان ثمة، حتى في ضخامة الاحتفالات في تلك المناسبة، افتعالاً غايته الرد على مباريات موسكو، قبل اربع سنوات، والمقاطعة الاشتراكية الآن. هذا من الناحية الرياضية، اما من الناحية السياسية فإن المعلقين اجمعوا على ان موسكو، في المقاطعة التي اتبعتها في ذلك العام، لم تكن تبتغي، فقط، ان ترد على المقاطعة الاميركية السابقة، بل كانت تريد ان تقول كلمة راهنة، هي التي كانت لا تستسيغ ابداً مواقف الرئىس الاميركي رونالد ريغان الراهنة. ومن هنا كتب معلق صحيفة "لوموند" يومها يقول: "ترى أليس علينا ان نبحث عن دوافع المقاطعة السوفياتية الجديدة في معمعة الصراع على السلطة داخل موسكو، وانعكاس ذلك الصراع على مواقف الدول الشقيقة؟ ان هذا، قال المعلق، ممكن تماماً. اذ ان الزعيم السوفياتي - في ذلك الحين - قسطنطين تشرنينكو، اذ احس ان ايامه باتت معدودة، قرر كما يبدو - وهو الذي لم يعرف ابداً بكونه استراتيجياً ماهراً - ان يلجأ الى نوع من التقلب في مواقفه المحلية والعالمية، نوع يجعله في منأى من أية مزايدات قد تقوم في وجهه". ولقد اضاف المعلق الفرنسي يومها ان مثل هذه الفرضية "لن يفسر، فقط، مقاطعة الكتلة الاشتراكية تحت ضغط موسكو، لألعاب لوس انجليس، بل كذلك يفسر التكيتك العسكري الجديد الذي بدأ السوفيات يطبقونه في افغانستان اي تكتيك الثعلب والقسوة، وبالتالي، التورط اكثر واكثر في الرمال المتحركة لتلك المنطقة الصعبة من العالم، وكذلك - ودائماً بحسب المعلق الفرنسي - يفسر الثعلب الجديد الذي بدأت السلطات السوفياتية تبديه في مواجهة المنشقين وعلى رأسهم الزوجان ساخاروف". ومن المعروف ان الموقف من المنشقين كان قد اضحى، وبشكل سافر، جزءاً من الصراع بين "الشرق" و"الغرب". الصورة: كارل لويس، نجم اولمبية لوس انجليس التي غاب عنها "الاشتراكيون".