في ايار مايو الماضي ادى المرشحان للرئاسة الأميركية آل غور وجورج بوش فروض الطاعة والولاء أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية - الاسرائيلية ايباك، اي اللوبي اليهودي الرسمي، ونال خطاباهما تغطية واسعة في الصحافة العربية خلاصتها، على سبيل التذكير، ان الرجلين تنافسا على ايهما سيخدم اسرائيل بشكل افضل. وقال غور الذي ليست له سمعة في السياسة الخارجية سوى تأييد اسرائيل، ان الرئيس السابق جورج بوش الأب حاول يوماً الضغط على اسرائيل، فمثل هذا العمل جريمة يجب ان يحمل وزرها الأبناء حتى الجيل السابع، كما في التوراة. منذ ايار وانا احاول ان اتابع اية مواقف للمرشحين ذات علاقة بالشرق الأوسط، من سياسة كل منهما الخارجية. واعترف بأنني وجدت هذا العمل في صعوبة البحث عن تلك الأبرة الخرافية في كوم القش. المرشح الاميركي للرئاسة يفوز بالترشيح لأسباب داخلية، ويفوز بالرئاسة او يخسرها لأسباب داخلية. وجورج بوش الأب شهدت ولايته سقوط الاتحاد السوفياتي والانتصار في حرب الخليج، ثم خسر حملته لولاية ثانية امام مرشح اكتفى باثارة قضايا محلية، وأدت الفورة الاقتصادية المستمرة الى بقاء بيل كلينتون في البيت الأبيض ثماني سنوات، ويتوقع ان يركز غور على السجل الاقتصادي للديموقراطيين، وهو يحاول كسب الناخبين الى جانبه. الجمهوريون يتهمون اليوم الديموقراطيين بالاهمال في موضوع الأمن القومي او التفريط، ومع ان الرئيس كلينتون سينكر، فانني ومراقبين كثيرين غيري نصرّ على ان من اسباب اقتراح الادارة الديموقراطية درع الصواريخ المعترضة تفويت الفرصة على الجمهوريين لمهاجمة غور. وثمة نقطة واحدة في شبكة الصواريخ المقترحة لها علاقة بنا، فمع غياب الخطر السوفياتي، اصبحت الدول المارقة هي العذر الوحيد لدخول سباق تسلح جديد، غير ان الادارة نفسها الغت اخيراً هذه التسمية، فلم يبق من المارقين، او الخارجين على القانون الدولي، سوى العراق. وأرجح ان بوش الابن يعرف اين العراق، بعد ان خاض ابوه حرباً ضد نظام صدام حسين، وقد وعد بان يشدد السياسة الأميركية ضد النظام في بغداد، الا انه عندما سئل عن طالبان تردد، غير ان السائل أسعفه بالاشارة الى "اضطهاد النساء في افغانستان" فقال "آه. نعم طالبان في افغانستان. نظام قمعي بالتأكيد". وأصبح معروفاً ان بوش الأبن لا يعرف اسماء بعض الدول او اسماء زعمائها، وليست عنده مواقف شخصية أو خاصة في السياسة الخارجية. الا انه محاط بعدد كبير من ابرز خبراء الشؤون الخارجية، بمن فيهم هنري كيسنجر وكولن باول، غير ان اهمهم على الاطلاق كونداليزا رايس، وهي استاذة جامعية، يقال انها خفيفة الدم متعددة المواهب، إضافة الى خبرتها الاكاديمية في الشؤون الخارجية. وهي كتبت خطاب بوش عن شبكة الصواريخ الدفاعية وهو خطاب أعطي علامات عالية، فقد عكس اختصاصها في الدول العظمى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. وبما ان رأي بوش في السياسة الخارجية سيكون رأيها، فهو سيكون نظرة الى العالم على اساس توازن في القوى، مع سعي دائم الى تقوية المؤسسة العسكرية، وخفض الالتزامات العسكرية في الخارج. ومرة اخرى، نبحث عن الابرة في كوم القش، فالبروفسورة رايس اعترضت في مقال لها في مجلة "فورن افيرز شؤون خارجية" على الخلط بين "المصلحة القومية" للولايات المتحدة و"المصلحة الانسانية" أو المصالح للأسرة العالمية، وبدا انها لا ترى ان هذه المصالح متوافقة دائماً، مع انها اعتبرت ترويج الديموقراطية وحرية السوق في البلدان الأخرى مفيداً للولايات المتحدة. وثمة نقاط ضعف في معرفة البروفسورة رايس، فقد زعمت في المقال نفسه ان ايران تريد تصدير "الاسلام الاصولي" وعندما سئلت عن معلوماتها قالت إن ايران تقيم علاقات مع جهات اصولية متطرفة في بلدان كثيرة، ومع طالبان. ولم تعرف كيف ترد عندما قيل لها ان ايران وطالبان كادا يخوضان حرباً سنة 1998. البروفسورة رايس تتعلم بسرعة، ولكن بوش الابن ليست له هذه السمعة. وهو على الأقل يعرف شيئاً عن النفط، بحكم كونه ابن الرئيس السابق وحاكم ولاية تكساس، وهكذا فعندما سئل عن ارتفاع اسعار النفط قال انه سيستخدم قوة الاقناع مع "اصدقائنا" في اوبك لزيادة الانتاج. ولم يحمل الدول المنتجة المسؤولية عن الاسعار، أو يهددها، كما فعل الديموقراطيون على رغم معرفتهم ان المنتج لا يقبض سوى 10 في المئة من السعر المعلن لبرميل النفط. شخصياً، اجد ان ما هو أسوأ من جهل مرشح بالسياسة الخارجية والتزام الأخر باسرائيل ان هذه السياسة غير مطروحة في الحملة الانتخابية الأميركية، وهناك فائض في الموازنة الأميركية ب9.1 ترليون دولار على مدى عشر سنوات عرض كل من المرشحين افكاراً لانفاقه، ليس بينها زيادة المساعدات الخارجية، التي تتقلص باستمرار، لدعم المصالح الأميركية في الخارج عبر الطاقة والتجارة وحقوق الانسان ومكافحة المخدرات وصيانة السلام وغير ذلك كثير.