لئن اختلف المشهد الشعري العربي، وتعددت أشكال الكتابة فيه، فالمساحة التي يتيحها "مهرجان جرش للثقافة والفنون" للشعر، بدت أكثر انفتاحاً على أشكال وتجارب، كان من الصعب ان تنتظم في تظاهرة واحدة. فمن أشكال الكتابة التي تتماهى مع أوصاف المنبر الى التي لا تتمتع بملامح الحضور الخطابي وإن كانت مكتوبة بحسب موسيقى ولغة ايقاعية تقطعان نصف المسافة الى اشتراطات المنبر. وفي جرش هذا العام نتعرف على ملامح كتابية ومقترحات شعرية متباينة مع ملاحظة ان تبايناً يصل حد التطرف أحياناً يوقع الحدث الجامع في فوضى لا يمكن الخروج من اسارها، وهو ما يمكن ملاحظته في انطباعات أولية تحيلنا اليها اسماء شعراء مثل: أحمد دحبور، عزالدين ميهوبي، حيدر محمود، ابراهيم نصرالله، جميلة الماجري، كاظم جهاد، قاسم حداد، خيري منصور، زليخة أبو ريشة، ممدوح عدوان، عزة بدر، شوقي عبدالامير، ابراهيم الخطيب، حميد سعيد، هنري زغيب، مازن شديد، نبيلة الخطيب، أمجد ناصر، أحمد الشهاوي، ميسون صقر القاسمي، علي العامري، زاهي وهبي، سليمان عويس، حنا أبو حنا والكثير من شعراء الأردن الشبان. يبقى مهرجان جرش "الشعري" مساحة للمنبر، تبدو هي الركيزة في معنى لقاء شاعر مع الجمهور وإن كان معظمه من الشعراء المتجمعين في التظاهرة ذاتها، مضافة اليهم قلة ما زال الشعر قادراً على اغوائها. ولا يبدو طبع كتاب جرش الشعري، الذي يوثق أعمال الحلقة النقدية في كل دورة، اعتباطياً لجهة تأكيد الملمح الشعري في المهرجان الذي لا يمنح مثل هذا التوثيق لأعماله "الفنية" الأخرى، فالنقد يرافق الجانب الشعري من المهرجان. والحلقة النقدية سجلت حضوراً في دورات سابقة حين أثارت قضايا ومنعطفات في الشعرية العربية. ولولع نقاد الشعر وباحثيه العرب في "استعراض" مهارات نظرية، بدت البحوث والدراسات والمقالات محلقة في افتراضات، أكثر مما هي منشغلة في وقائع الشعرية العربية. فالتمثيل النصي شبه غائب وإن حضر فهو في صدد تكريس الأسماء التي أشبعت تكريساً. محورا الحلقة النقدية هذا العام، توزعا بين قضية تثير سجالاً وإن بدا خفيضاً هي "مرجعية المبدع وآفاق النص في ظل المعلوماتية الجديدة" - يوحي صوغ عنوان المحور، بصوغ المؤتمرات التقليدية العربية في السياسة والاقتصاد وغيرهما - وبين استذكار لأثر الشاعرة الرائدة فدوى طوقان: "فدوى طوقان بين قيود المرأة العربية وفضاء الشعر". وفي محور "الشعر والمعلوماتية" يشارك عدد من النقاد والباحثين. وفي محور "فدوى طوقان بين قيود المرأة العربية وفضاء الشعر" سيتحدث النقاد والباحثون: ماجد السامرائي، عبدالمجيد حنون، علي الشرع، يوسف بكار، صبحي حديدي، احمد درويش، خليل الشيخ وهاشم ياغي. بينما يقدم الشعراء والكتّاب شهادات حول تجربة طوقان الرائدة في محمولاتها الشعرية والسوسيولوجية لجهة الخروج على ممنوعات تحط من قيمة المرأة، كما يعرض في المحور ذاته فيلم وثائقي عن الشاعرة من اخراج الكاتبة ليانه بدر.