أثار موضوع تزويد الصين بتكنولوجيا نظام "الفالكون" الاسرائيلي موجة من المعارضة الاميركية نظراً لمماثلته نظام "الاواكس" الاميركي. وهذه ليست المرة الاولى التي تثار فيها مشكلة بيع الاسلحة والتكنولوجيا الاميركية لطرف ثالث، وتحديداً الصين. واكدت إحدى الصحف المختصة بالشؤون العسكرية جينز ديفنس ويكلي ان الصين حصلت على تكنولوجيا صاروخ بيتون حو - جو الاسرائيلي، ليشكّل مرتكزاً اساسياً في نظامها الدفاعي الجديد. فإسرائيل قامت بتزويد الصين بكميات ضخمة من المعدات والرادارات واجهزة الاتصال والمراقبة والكمبيوتر، وباعت الصين - وفقاً لتقرير المراقب الداخلي لوزارة الخارجية الاميركية في عام 1992 - معلومات تكنولوجية حول صاروخ باتريوت الاميركي الصنع. وخرقت باستمرار اتفاقات وقعتها مع الادارة، على سبيل المثال اتفاق عدم نشر السلاح او التكنولوجيا الصاروخية، وصدّرت صواريخ مضادة للطائرات لجنوب افريقيا وقذائف متشظية لتشيلي، واثيوبيا، كما صدّرت رادارات واجهزة تشويش رادارية. وطبقاً لمعلومات نشرتها الصحافة الغربية، فإن شركات تصنيع الاسلحة الكبرى الثلاث في اسرائىل الصناعات الجوية والعسكرية ورافائيل مشتبه بنقلها غير القانوني لاسلحة وتكنولوجيات اميركية الى دول اجنبية. فمثلاً باعت هيئة تطوير الوسائل القتالية رافائيل صواريخ جو - جو من نوع بيتون - 3 الى الصين وتايلند والى جنوب افريقيا. وطبقاً للمصادر فإن الصين طوّرت نسخة خاصة بها من صاروخ بيتون -3 الاسرائيلي يسمى بو-8 وباعته الى دول شرق اوسطية ومنها العراق. واعتمدت اسرائىل على طريقتين لتصدير تكنولوجيات واجهزة امنية سرية من إنتاج اميركي الى دول اجنبية، الاولى: ان تستورد مقومات انظمة التسلح، وتقوم بتركيبها في الاسلحة الخاصة بها. وتقوم الطريقة الثانية على ما يمكن تسميته "الهندسة العكسية": فتعكف على تفكيك نظام التسلح الذي تحصل عليه من واشنطن، لتدرس نظام تصميمه الداخلي، وتجري به تغييرات طفيفة، ثم تبيعه الى اطراف اخرى كالصين. لكن موضوع الصفقة الاخيرة وتشمل ثماني طائرات، كان من المقرر ان تشتريها الصين من اسرائيل بمبلغ اجمالي وقدره بليوني دولار، بمعدل 250 مليون دولار للطائرة الواحدة، وهي عبارة عن طائرات نقل روسية الصنع من طراز اليوشن - 76 قامت اسرائيل بتزويدها بأجهزة رادار واستطلاع وإنذار متقدمة من طراز فالكون المماثل لنظام الرادار الاميركي اواكس، التي ابرمت إبان زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين في نيسان ابريل الماضي الى اسرائيل، كانت موضع تجاذب على غير مستوى اسرائيلي - اميركي، واميركي - صيني، وصيني - عربي. وليس غريباً ان يشكل هذا الموضوع حيزاً لسجال سياسي بين إدارة كلينتون والكونغرس الاميركي، ادى الى التلويح الاميركي باقتطاع جزء من المساعدات الاميركية لاسرائيل، ان اقدمت على تزويد الصين بطائرة الانذار المبكر. وفي المقابل كانت حدة الرد الاسرائيلي قوية، إذ هددت بإلغاء مشتريات عسكرية من الولاياتالمتحدة قيمتها 250 مليون دولار، اذا ما اقتطع المبلغ من المساعدات السنوية لاسرائيل البالغة 8،2 بليوني دولار. ودرءاً لازمة محتملة بين الجانبين اجرى مسؤولون عسكريون اميركيون محادثات في اسرائيل تركزت على مزيد من الاشراف الاميركي على مبيعات الاسلحة، وعلى طلب إلغاء صفقة الطائرات للصين. لكن مطالب الولاياتالمتحدة لم تتوقف عند حدود العلاقات الاسرائيلية - الصينية بل تخطت الحد الاحمر الاسرائيلي، ذلك لانها تريد ان تقبل اسرائيل إشرافاً اميركياً على مبيعاتها من الاسلحة الى 27 دولة مشكوك في امر اسرائيل بتوريد اسلحة اليها. فما هي حقيقة هذه الخلافات بين الادارة الاميركية وحكومة "العمل"؟ في الواقع لا يمكن التقليل من حجم المواقف المتعارضة بين الطرفين. فإسرائيل تريد تعزيز علاقاتها مع الصين، على غير صعيد، وخصوصاً العسكري والتكنولوجي، وتعزيز مكانتها الاقليمية في آسيا. كما تسعى الى عقد اتفاق مع الصين لمراقبة الاسلحة التي ترسل الى الشرق الاوسط، لتبقى على دراية تامة بنظم الاسلحة الصينية المصدرة الى المنطقة، وخصوصاً الدول العربية والاسلامية سورية وايران، وهي تشعر بقلق شديد من حصول دول شرق اوسطية على اسلحة صينية. وتدّعي الولاياتالمتحدة ان تزويد الصين بالتكنولوجيا الاسرائيلية، وخصوصاً نظام الرادار من طراز "فالكون" / "اواكس" من شأنه ان يحدث تغييراً استراتيجياً في القدرات العسكرية الصينية، الامر الذي يضر بمصالحها، فضلاً عن ان حلفاء واشنطن في منطقة آسيا تايوان يشعرون بالخوف من تصاعد التهديد الصيني لهم. فكيف يمكن قراءة الموقف على حقيقته؟ ان معارضة الولاياتالمتحدة لبيع اسلحة وتكنولوجيا عسكرية الى الصين وغيرها من دون علمها، يعكس رغبة المجمع العسكري - الصناعي الاميركي في احتكاره لصناعة تكنولوجية الاسلحة الاستراتيجية، وتجارتها والاشراف على رخص إنتاجها وتصديرها، فالولاياتالمتحدة تمارس هيمنتها على حليفها ضمن هذا المجال، والتنافس الاحتكاري بين المجمعين الاميركي والاسرائيلي، عبّر عن معارضة سياسية اميركية قوية. ولعل تصريح نائب وزير الحرب الاسرائيلي إفرايم سنيه، من ان الولاياتالمتحدة "طردت اسرائيل بقساوة" من اسواق الاسلحة في العالم، وأنها تعتمد معايير مزدوجة في التعامل مع الدول، إذ انها لم تتعامل بالطريقة نفسها مع بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تحاولان الفوز بالصفقة مع الصين. وكلام سنيه يؤكد ان الشريك الاصغر اسرائيل اراد حيزاً من الاستقلالية في مجاله الاقليمي، وهو ما تعارضه الادارة الاميركية بشدة، خصوصاً اذا تم من دون تنسيق معها. الى ذلك ان نظام طائرة "الفالكون / اواكس" يحتل الاولوية في الاستراتيجية الاميركية، بحكم قدرته على متابعة 60 هدفاً في وقت واحد. وتخشى الادراة ان تستخدم الصين هذه التكنولوجيا الجديدة لتطوير مقدرتها العملانية، خصوصاً بعد تصاعد حدة الخلاف الصيني - التايواني، ونمو النزعة العسكرية الصينية. واذا ما اخذنا في الاعتبار المعلومات حول امتلاك الصين للتكنولوجيا العسكرية المتطورة الوافدة من اسرائيل، وتغيير استراتيجيتها الدفاعية التقليدية الى الحديثة، فإنه يرجح ان الصين لم تكن بحاجة الى شراء تكنولوجيا اسرائيلية الصنع مباشرة، بقدر ما كانت تسعى اساساً الى الحصول على التكنولوجيا والخبرة الغربية، الاميركية خصوصاً، المتقدمة والمطلوبة لتحديث صناعتها العسكرية والمحلية. وهكذا وجدت في اسرائيل نافذة مثالية يمكن الحصول من خلالها على تلك التكنولوجيا. ومن المتوقع الا تكون المشكلة الجديدة هي الاخيرة بينهما. لكن المؤكد وجود منافسة اسرائيلية لاميركا في اسواق لا ترغب الولاياتالمتحدة التعامل معها، على المستوى العسكري، وهو ما عمّق الخلاف بين المجمعين الصناعيين العسكريين الاميركي والاسرائيلي، فهل ستطبق الولاياتالمتحدة سياسة "المحدلة" بحق اسرائيل على حد تعبير سنيه، ام ان مستوى التحالف الاستراتيجي يغفر تجاوزات الشريك الاصغر المدلل؟ يرجح ان الاحتمال الاول هو ما ادى الى تراجع اسرائيل عن موضوع الصفقة برمتها. * صحافي فلسطيني.