تظهر الاسبوع المقبل النتائج الاولية لمؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية المنعقد في جيبوتي منذ حوالي 65 يوماً. ومن المقرر ان يعلن المؤتمر في 15 من الشهر الجاري نهاية اعماله بتشكيل حكومة وبرلمان انتقاليين. لكن عدداً من الصوماليين والمراقبين يعتقدون بأن الامتحان النهائي لنجاح هذا المؤتمر، يكمن في تنفيذ نتائج اعماله، خصوصاً ان جماعات صومالية عدة انسحبت قبل حوالي اسبوعين من المؤتمر الذي لم تشارك فيه قوى اساسية مثل "جمهورية ارض الصومال" الشمالية. وكان زعماء قبائل وشخصيات صومالية من المؤتمرين، وقعوا في 13 من الشهر الماضي على وثيقة المرحلة الاولى من اعمال المؤتمر الذي انعقد في إطار مبادرة من الرئيس الجيبوتي اسماعيل عمر غيللي، وتتضمن الوثيقة نقاطاً اساسية عدة ابرزها، تنفيذ إجراءات المصالحة بين كل القبائل المتخاصمة منذ بداية الحرب الاهلية العام 1991، وذلك لضمان تحقيق سلام دائم في الصومال، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، واعادة وحدة الصومال، وضمان اعادة الاراضي والاملاك المصادرة الى اصحابها. وكانت المبادرة التي عرضها غيللي في ايلول سبتمر الماضي امام اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، حظيت باجماع اقليمي ودولي. وتتركز اساساً على استبعاد كل قادة الميليشيات من المشاركة في مؤتمر المصالحة، في مقابل مشاركة اوسع لعناصر تمثل المجتمع المدني الصومالي، خصوصاً الاعيان وزعماء القبائل والجمعيات الاجتماعية الفاعلة. والمبادرة في هذا الاطار تبدو نموذجاً لتحقيق السلام في بلد انهكته المجاعة والامراض ومزقته حروب الميليشيات المتنازعة على السلطة منذ حوالي عشر سنوات. لذلك، من الصعب ان يرفض المجتمع الدولي او الدول المجاورة مبادرة من هذا النوع تنص على اقصاء المليشيات وإعطاء دور اكبر للمدنيين. لكن تأييد هذه المبادرة يطرح اسئلة اساسية عما إذا كان المجتمع الدولي سيتعهد المساهمة في تنفيذ نتائج مؤتمر جيبوتي، بما في ذلك الالتزامات المالية. وحتى الآن لا يوجد مثل هذا التعهد. الى ذلك، تأتي مسألة شرعية الحكومة والبرلمان ومدى تمثيلهما فعلاً لكل الصوماليين، خصوصاً في ضوء انسحاب عدد من المشاركين وغياب عدد آخر عن المشاركة في المؤتمر. وكان ابرز المنسحبين قبل نحو عشرة ايام ولاية "بلاد بونت" شمال شرق الصومال التي كانت اعلنت حكماً ذاتياً برئاسة العقيد عبدالله يوسف، ولديها حكومة وبرلمان منتخب وجهاز قضائي. وكان "منتدى ارض الصومال" الذي يضم مجموعة من المثقفين الذين ينتمون الى "جمهورية ارض الصومال" شمال ويعيشون في الخارج اعلن في بيان وقعه رئيسه جامع موسى جامع معارضته مبادرة غيللي. ورأى ان "فكرة القفز فوق امراء الحرب وعقد مؤتمر يستثنيهم ويضم ممثلين من المجتمع المدني، لا يمكن ان تنجح وان جذبت ببساطتها اهتمام دول مثل اثيوبيا ومصر وليبيا، خصوصاً انها تجاهلت رأي المجتمع المدني في ارض الصومال وفي الاجزاء التي تتمتع بالامن والاستقرار في الصومال". واعتبر ان المبادرة دعت شخصيات عدة لا تمثل رسمياً الصوماليين، الى جانب دعوة افراد معروفين بتورطهم بجرائم حرب وبتدمير ارض الصومال واجزاء اخرى من الصومال خلال حكم الرئيس محمد سياد بري. واعتبر المنتدى "ان مؤتمر جيبوتي سينتهي الى تعيين حكومة انتقالية في مقديشو غير منتخبة وليس لديها اي صفة تمثيلية، ستستخدم كغطاء للحصول على شرعية دولية لاخضاع وقمع المجتمع المدني الذي استطاع ان يؤسس سلاماً وامناً واستقراراً في البلاد، خصوصاً في ارض الصومال". وزاد: "بدأ منظمو المؤتمر يهددون قبل انتهائه باستخدام الدعم الدولي لاخضاع اولئك الذين لا يتفقون مع نتائج المؤتمر". واكد ان "ارض الصومال" لن تستطيع ان تسير الى جانب المؤتمر، لانه "لا يوجد اي شيء في برنامجه يتوافق مع رغبات شعب ارض الصومال التي حصلت على استقلالها، واسست دولة آمنة مستقرة من دون اي ضغوط وبدعم لا يذكر من المجتمع الدولي. وتعتمد حالياً في اقتصادها نظام السوق، ولديها برلمان منتخب وقضاء مستقل وصحافة حرة وحكومة فاعلة. وعلى الرغم من ذلك، فانها لم تحصل على اعتراف دولي بسبب محاولات التضليل التي تتعرض لها في اطار الدعوات الى إعادة بناء الصومال". واشار جامع الى "ان جيبوتي التي كانت تُعرف بارض الصومال الفرنسي سابقاً هي احدى المناطق الخمس في القرن التي تقطنها القومية الصومالية "اختارت ان تكون دولة حرة قائمة بذاتها لدى استقلالها عن فرنسا. في حين اختارت ارض الصومال خطأً لدى استقلالها العام 1960 السعي الى حلم الصومال الكبير ودفعت ثمن ذلك غالياً، لذلك اعادت التأكيد على سيادتها العام 1991 وهي لا تطلب شيئاً اقل مما تملكه جيبوتي، دولة حرة معترف بها دولياً". "جمهورية ارض الصومال" وولاية "بلاد بونت" ربما ستشكلان إحدى العقبات الكثيرة امام المصالحة الوطنية في الصومال التي بدت مثالية في مبادرة غيللي. ومن المرجح ان ينتظر المجتمع الدولي مؤشرات الى امكان تنفيذ او انفراط نتائج مؤتمر جيبوتي قبل ان يعلن اي تعهد لاعادة بناء هذه الدولة.