الانسحاب الاسرائيلي من لبنان وتحرير قرى الشريط الحدودي وضع على نار حامية قضية عالقة منذ سنوات بين الحكومتين الالمانية واللبنانية، تتمثل بطلب المانيا ترحيل عشرة الاف لبناني مقيمين على أراضيها بصورة غير شرعية، بعدما رفضت اعطاءهم حق اللجوء السياسي. وكانت السلطات الالمانية ابلغت السلطات اللبنانية منذ مدة طويلة بعزمها على ترحيل هؤلاء اللبنانيين، وطالبتها بمعاونتها في ذلك. وعادت هذه القضية مجدداً الى الواجهة، بعدما كتبت مجلة "درشبيغل" الالمانية القريبة من الحكومة الائتلافية الحالية، ان بين الدول غير المتعاونة مع المانيا لترحيل رعاياها المقيمين بطريقة غير شرعية، لبنان ومصر ونيجيريا. وحققت "الحياة" في برلين في قضية هؤلاء اللبنانيين مع مصادر المانية مطلعة على الملف، ومع السفير اللبناني في برلين ملحم مستو لمعرفة حقيقة أوضاعهم. وأوضحت المصادر الالمانية انه خلال الثمانينات وبسبب الأوضاع الأمنية الصعبة، كان اللبنانيون يلجأون الى المانيا عبر طرق مختلفة، ابرزها المانياالشرقية سابقاً أو الدول الاشتراكية الأخرى مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا. وذكرت ان وسطاء ومافيات كانوا يؤمنون لهؤلاء عبور الحدود الالمانية لقاء مبلغ يراوح بين ألف وخمسة آلاف دولار، فيما كان بعضهم يصل الى المانياالشرقية ويكتفي بالعبور من شرق برلين الى غربها، حيث يتقدمون بطلب اللجوء. وتشير الاحصاءات الالمانية الرسمية الى وجود 56 ألف مقيم من اللبنانيين أو من حاملي وثائق السفر الصادرة عن السلطات اللبنانية، وهؤلاء تعتبرهم السلطات الالمانية لبنانيين. وبين حاملي الوثائق فلسطينيون واكراد من حملة الجنسيات قيد الدرس، وغيرهم. واعطت السلطات الالمانية معظم هؤلاء اقامات، لكنها رفضت حق اللجوء لحوالى عشرة آلاف منهم، ما يجعلهم قيد الترحيل من المانيا. وتعتمد المانيا في اطار حق اللجوء الى أراضيها، على المادة 16 من دستورها وعلى اتفاق جنيف في شأن اللاجئين الذي ينص على انه لا يجوز طرد أي اجنبي اذا كان بإمكانه ان يثبت ان حياته أو حريته مهددة في بلاده بسبب انتمائه السياسي أو الديني أو العرقي. أما الدستور فيطلب معاملة سخية للمقيمين على الأراضي الالمانية، ومساواتهم بالمواطنين الالمان، طالما ان طلبات اللجوء التي تقدموا بها هي قيد الدرس. ويتولى النظام الاجتماعي الالماني توفير التقديمات، فبمجرد ان يتسجل اللاجئ أو طالب اللجوء يتمتع بالمساعدات نفسها التي يحصل عليها المواطن الالماني. وتتلقى الأسرة التي لديها ولد واحد مبلغ 275 ماركاً شهرياً، ويرتفع هذا المبلغ لكل ولد اضافي ليصل الى اكثر من 300 مارك شهرياً، اضافة الى الطبابة والتعليم المجانيين وايجار المسكن والتعويضات الخاصة بربات البيوت. من هم العشرة آلاف لبناني الذين يطاولهم قرار الترحيل؟ تقول المصادر الالمانية وتؤكد السفارة اللبنانية في برلين ان اكثريتهم من الشريط الحدودي الذي كانت تحتله اسرائيل، وينتمون الى الطائفة الشيعية، وهناك عدد قليل منهم من شيعة بعلبك والهرمل، اضافة الى عدد من المسيحيين والدروز والسنة. ويتوزع اللبنانيون البالغ عددهم 56 ألفاً على وسط المانيا حيث المنطقة الصناعية، وفي دوسلدورف وضواحيها وفي أسن أو دورتموند، كذلك في برلين حيث يوجد ثاني اكبر تجمع للبنانيين 16 - 18 ألفاً. يسعى الائتلاف الحكومي الالماني الحالي، بسبب التضخم والبطالة والديون الداخلية المرتفعة التي تواجهها المانيا بعد الوحدة، الى اعادة النظر في السياسة المعتمدة حيال اللاجئين لأنها مكلفة جداً، وتبلغ نحو 6 بلايين مارك، اي نحو 3 بلايين دولار. لذا تسعى السلطات الى ترحيل المقيمين غير الشرعيين والذين رفضت طلبات اللجوء التي تقدموا بها. وفي هذا الشأن قال السفير مستو ل"الحياة" انه كانت لدى لبنان سياسة بالنسبة الى هذه القضية "تقضي بإبقاء اللبنانيين المقيمين في المانيا الى حين استقرار الأوضاع في جنوبلبنان، نظراً الى صعوبة عودتهم من ناحية ايجاد فرص عمل أو تأمين اوضاع اجتماعية مرضية لهم". واضاف: "كنا نطلب من الحكومة الالمانية ان تصبر بانتظار عودة الاستقرار الى الجنوب لأن هؤلاء غادروا لأسباب انسانية، هرباً من القصف الاسرائيلي والاحتلال، ما يعني ان ترحيلهم غير انساني خصوصاً ان لديهم أولاداً في المدارس وان بعض هؤلاء الأولاد ولد في المانيا ومنهم من لا يتكلم العربية، ولا يجوز ان يرحلوا بهذه السرعة". واستجابت السلطة الالمانية، الا ان قضية المقيمين عادت لتطرح نفسها بإلحاح بعد تحرير الجنوب. وتستقبل السفارة اللبنانية في برلين يومياً مجموعة من هؤلاء اللبنانيين الذين يفضلون البقاء في المانيا لأسباب انسانية واقتصادية ويطلبون من السفارة مساعدتهم في ذلك. ويحاول العديد من هؤلاء الحصول على امكان البقاء في المانيا عبر المحاكم والمحامين، ولكن من دون جدوى. فالسلطات الالمانية عازمة على ترحيلهم عاجلاً أم آجلاً، لكن الحكومة اللبنانية لا تتعاون معها في ذلك خصوصاً انهم لا يريدون العودة الى لبنان. وتلاحظ المصادر الالمانية ان هؤلاء اللبنانيين غير مندمجين اطلاقاً في المجتمع الالماني، فهم يعيشون في نوع من العزلة، مع مدارسهم ومساجدهم الممولة من مؤسسات لبنانية تابعة ل"حزب الله" أو حركة "أمل". وكانت السلطات الالمانية طلبت من السفارة اللبنانية اعطاء هؤلاء جوازات مرور لأن معظمهم تخلصوا من جوازاتهم أو اضاعوا أوراقهم الثبوتية عمداً، وطلبت السفارة امهالها بعض الوقت للتأكد لدى الامن العام اللبناني من انهم مسجلون لديه، لكن السلطات الالمانية تعتقد ان هناك نوعاً من المماطلة من الجانب اللبناني.