بعد ثلاثة أيام من التئام شمل أب سوري عمره 71 عاماً بابنه الأصغر في لقاء مشحون بالانفعالات، قدّم الأب قطعة من الصابون المصنوع من زيت الزيتون وأوراق الغار وعلبة من الحلويات المصنوعة بالفستق إلى ألماني عمره 56 عاماً لم يلتق به من قبل. الهدايا مصدرها مدينة حلب التي لحق بها الدمار جراء الحرب الدائرة منذ خمس سنوات، واستطاع الأب وابنه الأكبر مغادرتها بفضل الألماني مارتن فيجور الذي يعمل مهندساً وهو أب لأربعة أولاد. وفيجور واحد من "الآباء الروحيين للاجئين" جمعته بهذه الأسرة منظمة لا تهدف للربح تعمل على إيجاد مواطنين يتكفلون بمساعدة السوريين الذين وصلوا بالفعل إلى ألمانيا على جلب أقاربهم من الخارج. ويواجه كثير من السوريين في ألمانيا صعوبات في مساعدة أقاربهم الذين مازالوا في سورية على الانتقال إلى بلدان آمنة، وذلك بسبب تشديد القيود الحدودية في أوروبا وقواعد اللجوء. وأسس مارتن كيونه الذي يملك وكالة إعلانات جمعية "الآباء الروحيين للاجئين" في العام الماضي بعدما توسل إليه سوريان من طالبي للجوء كان يأويهما لمساعدتهما في جلب آبائهما. وحفزه على ذلك قصة عم زوجته اليهودي الذي نجا من المحرقة بفضل زوجين بريطانيين تبنياه في حين أرسل بقية أفراد أسرته إلى معسكر كراكوف التابع لحكم النازي في بولندا حيث قضوا جميعا. والسبت الماضي حبس مهند الابن الأصغر للأب السوري والموجود في ألمانيا منذ عام 2006 دموعه في مطار شوينفيلد في برلين وهو يستقبل أباه وأخاه. جاء مهند (36 عاما) إلى ألمانيا قبل عشر سنوات في إطار برنامج للتبادل الثقافي وسعى منذ عام 2012 للم شمل الأسرة. وقال: "عندما بدأت دراسة القوانين بشأن لم شمل الأسر تملكني اليأس". إذ يقل راتبه الشهري في جمعية خيرية للاجئين في برلين عن الحد الأدنى البالغ 2160 يورو (2460 دولارا) والذي تقول السلطات إنه يجب أن يتقاضاه أي كفيل يرغب في جلب فرد واحد من أفراد أسرته. ويمثل ذلك متوسط الأجر الصافي في ألمانيا. ومنذ آذار (مارس) 2015 عثرت جمعية الآباء الروحيين على كفلاء لعدد 103 سوريين كان لنحو ثلثيهم أقارب يعيشون في برلين. أما الباقون فينتظرون الحصول على تصاريح إقامة لمدة عامين بالقنصليات الألمانية في لبنان وتركيا. ولا يمكن للجمعية أن تكفل سوى السوريين الذين لهم فرد واحد على الأقل من أسرهم مثل الزوج أو الزوجة أو الابن أو الابنة أو الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت ممن أقاموا في ألمانيا لمدة لا تقل عن عام. وتعتمد الجمعية على التبرعات التي يدفعها أعضاؤها البالغ عددهم 2200 لتدبير 800 يورو شهريا يحتاج إليها كل سوري. ويغطي هذا المبلغ إيجار المسكن والتأمين الصحي ومصروف شهري يبلغ 400 يورو يعادل ما تدفعه الحكومة للألمان العاطلين عن العمل. ولا يتولى الآباء الروحيون تمويل الوافدين السوريين مباشرة بل يتحملون المسؤولية القانونية عن توفير تكاليف إعاشتهم لمدة خمس سنوات حتى لو تقدموا في تلك الفترة بطلب للحصول على وضع لاجئ وحصلوا عليه بالفعل. ووقع فيجور إقرارا في مكتب تسجيل الأجانب في برلين قبل فيه أن يتحمل مسؤولية والد مهند وشقيقه وكذلك والدته التي مازالت تعيش في حلب. وكانت ألمانيا قد استقبلت 1.1 مليون لاجئ في العام الماضي وكان السوريون يمثلون 35 في المئة أي أكبر نسبة بين من تقدموا منهم بطلبات للجوء. وتجاوز عدد طلبات اللجوء 470 ألفا. وقال شقيق مهند البالغ من العمر 38 عاما مشيرا إلى "أبيه الروحي" وعلى وجهه ابتسامة: "مارتن فيجور ساعدنا على رغم أنه لم يكن يعرفنا. وهذا ما أنوي أن أفعله في المستقبل. مساعدة الآخرين".