دَرَجَتْ في الإعلان عن أفلام الاثارة والقتل والكاراتيه والعنف الأميركية والحب الهندية، عادة التعليق المكتوب عن هذه الأفلام الى جانب الصور واللافتات في واجهات السينما. وتدرس هذه الكتابة المكمّلة للصورة، بحسب وجهة نظر أصحاب دور العرض المعنيين أنفسهم أو بحسب ما تشي به سياسة إعلانهم، نوعية الجمهور الذي بات يؤمُّ هذه الصالات منذ زمن طويل، والذي تتكوّن غالبيته العظمى من الشبان والمتسكعين والعاطلين من العمل، ممن يبحثون عن مأوى مريح لمدة ساعتين. إنهم جمهرة وليس جمهوراً. ومن اللافت إجماع الصالات السينمائية الخاصة، في دمشق على سبيل المثال، على مواضيع رئيسية للتعليق المكتوب، تتكرر في جمل مختلفة: "بلكون لاستقبال العائلات"، "صالة مجهزة بأحدث الآلات"، "تكييف الهواء"، "الفيلم الأميركي المنتظر"، "فيلم العنف والكاراتيه والاثارة والرّفس"، "الفيلم الهندي العاطفي". قد تتبدل هذه المفردات لكنها دائماً تظهر بدلالاتها إمّا في الصورة وإما في التعليق. أما الصورة فتركّز غالباً على كل أنواع الايحاءات الغريزية، فيزداد الازدحام على قراءة الاعلانات هذه ومشاهدتها أكثر من الفيلم... فلا تجد في معظم الأحيان أكثر من بضعة أشخاص في الصالة. يزدحم الشارع أمام السينما خلال الأعياد. ويتدافع الشباب لاختيار التعليق والصور الأكثر إثارة. والاثارة هنا هي مثلث الجنس والعنف والعاطفة. كرسم قلب هنا وسهم هناك... وقبلة وكلمة حب!! وهناك من يذهب الى مخاطبة جمهور مطّلع نوعاً ما فيدعوه عبر الاعلان والكتابة الى مشاهدة قصة حائزة جائزة نوبل. مزايدات وبعد أن أُفرغَ هذا الأسلوب الدعائي من مضمونه عبر الزمن، واكتشف الجمهور المعنيّ أن مقصّات الرقابة اقتطعت كل المشاهد والايحاءات التي أودت به وبنقوده الى داخل العرض، وصار هذا الجمهور يكتفي بالفرجة على الصور في الخارج، بدأ نوع آخر من المزايدات في الإعلان، اعتمد اسلوب المبالغة بقصد المنافسة ك: "صاحبة أكبر صدر في العالم" و: "أحدث انتاج أميركي يُعرض أول مرة"... وكلها تعكس محاولة خداع الجمهور من طريق معرفة حاجاته في رؤية سينما حديثة، واعتماد هذه الصالات جمهور المرة الواحدة الذي ما أن يكتشف خدعة الاعلان حتى يتعلّم الدرس. "جمهور العائلات" الذي تُخاطبه الصالات دائماً، لم يذق طعم السينما منذ زمن!! والسينما إذ تشعر بهذا الفقدان، تحتفظ لهذا الجمهور بمكانة هذه الجملة واحترامها، كحنين الى أيام سالفة. ومن المعروف أن نوعية الأفلام المعروضة هي الحائل دون عودة هذا الجمهور النوعي الى شباك التذاكر. فالتركيز على عبارات: "أحدث الأفلام" هو تغطية لقدم الأفلام المعروضة التي قد يكون أحدثها انتج قبل أربع سنوات، على سبيل المثال. والتكييف والآلات الحديثة، فيها مخاطبة لحاجات هذه الجمهرة الفقيرة المعنية، ببعض الرفاهية والدلال. والوعود بصورة واضحة وصوت واضح، اعتراف علني بالمرض المزمن الذي تعانيه صالات العرض منذ زمن!!... الأمر الذي لم يعد يخدع أحداً. فلا هذه الطريقة استطاعت استقطاب جمهور دائم من الشباب. ولا هي استطاعت استعادة جمهور العائلات. ولا هي بحثت عن تطوير طريقة إعلانها بمجرّد احتدام جمهور الشباب هذا المغلوب على أمره. فالصدق والاحترام في نهاية المطاف سيؤديان في مثل هذه الظروف الى النتيجة التجارية الراهنة نفسها. لماذا لا تكتب الصالات الخاسرة في كل الأحوال: "فيلم عنف وكاراتيه ، انتاج قديم" عوضاً عن: "أحدث الانتاجات"، أو: "قصة مثيرة وصورة غير واضة وصوت رديء". كان ذلك سيجعل حجج أصحاب هذه الصالات أكثر قوّة وصدقية، وسيضعهم والجمهور في مواجهة صريحة مع المشكلة، مشكلة احتكار القطاع العام لتوزيع فُتات الأفلام واستيراده!! ماذا يقولون عن سياسة الاعلان المتبعة هذه التي تقوم حيث توجد السينما التجارية الهابطة في العالم من دون توافر الخيارات الأخرى، توجهت "الحياة" بالسؤال الى صاحبي صالتين خاصتين من أقدم صالات السينما في دمشق، وأهمها، وهما مأمون سرّي، صاحب سينما "دنيا"، وهيثم حتاحت صاحب سينما "الزهراء". وهنا إجابة كل منهما. مأمون سرّي: "تحاول الصالات جذب جمهور العائلات الذي لم يعد يدخل السينما. والسبب نوعية الأفلام المتردّية التي تتركّز على القتل والضرب والعنف والكاراتيه. فنضطر في جذب الجمهور الآخر، الشباب العاطل من العمل لشرح القصة أو مقاطع منها كتابة". اختلف الجمهور. وذهبت طبقة العائلات والطبقة المثقفة التي كانت ترتاد السينما للسّهر، بسبب نوعية الفيلم والموضوعات. وصارت صالة السينما مأوى مريحاً لمن يريد أن يرتاح ساعتين". ويضيف: "نحن مضطرون الى فعل ما نفعل. كم تغيّر الماضي. كنا نعرض أفلام شركة وولت ديزني كما أفلام الشركات العالمية. كانت سوية الأفلام أفضل. وكنا نقرّر ربحنا وخسارتنا. أما الآن، فالخسارة حاصلة ومتراكمة منذ صدور قانون احتكار القطاع العام التوزيع والاستيراد. الصور التي ترينها والاعلان عن الفيلم، مختومة من وزارة الثقافة. لكننا نحن نضيف إليها الكلام في ما بعد. لو أعطونا إمكان استيراد أفلامنا لعادت السينما. لو استوردوا أفلاماً حديثة جيدة، باستمرار وكثافة، لكان الوضع أفضل. أما ألا نحصل لا على هذا ولا على ذلك، فالأمر مستحيل". دور ثقافي أما هيثم حتاحت صاحب سينما "الزهراء" التي أنشئت عام 1958، فيقول: "أنا ضد الأفيش الذي يلفت النظر. السينما لها دور ثقافي وترفيهي وهي ليست للابتذال. الكتابة عبارة عن مفهوم جديد فُرض علينا بأساليب مختلفة لجذب بقايا بعض الجمهور المتبقي والذي يتألف من المتسكّعين في الشوارع. منذ أكثر من عشر سنوات ظهر الفيديو بقوة، فكان ذلك سبباً آخر في إنهاء دور السينما في المجتمع إضافة إلى نوعية الأفلام القديمة المعروضة. فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين، هو الفيلم الوحيد الذي عرضناه قبل ظهوره على الفيديو وفي سنة انتاجه نفسها". ويضيف: "صحيح ان الفيديو أبعد الجمهور مدة. لكن الناس الآن ارتدوا عنه، فهو لا يستطيع الحلول محل السينما. أعود الى موضوعنا. فالغريق يتمسّك بقشّة. وأنا أعتبر الكتابة التي تتحدثين عنها والصور وسياسة الاعلان وذلك الصخب أمام السينما هو القشّة. السينمات تحتضر. ولو تحسّن مستوى الأفلام لجعلت سينما "الزهراء" التي تتسع لألفي مقعد، ممتازة على كل الصعد. فحيث يوجد الفيلم، توجد السينما والجمهور. فيطوّر الانسان المستلزمات. أما نحن فبلا أفلام وبلا جمهور". بما أن السينما صناعة متكاملة، فهي تحتاج الى أحد أركانها، الفيلم! وذلك كي لا تُصبح أو تتكرّس أكثر فأكثر فكرة أن هذه الصور المطلّة على الشارع في واجهات السينمات هي مرآة هذا الشارع!