بعيداً من الأرقام التي يجمعها الهواة عن عدد النساء اللواتي تولين مناصب قيادية في القرن العشرين، ملكات ورئيسات جمهورية ورئيسات وزراء، فإن حضور المرأة يزداد فاعلية من خلال المؤتمرات الدولية والإقليمية والمحلية، ما يدفع الى استشراف دور مستقبلي لهن، لا يقل عن دور الرجل، مع دخول الألفية الثالثة وبداية القرن الحادي والعشرين. وبلغ الأمر حداً، دفع البروفسورة الأميركية هيلين فيشر الاختصاصية في علم الأنتروبولوجيا الى القول "إن المرأة ستهيمن على كل قطاعات الحياة وتشكل المفاهيم والآراء في القرن الحادي والعشرين"، بل إنها تطلق على المرأة اسم "الجنس الأول"، لا الجنس الآخر، كما فعلت الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار. وليس من قبيل المصادفة أن تثار أخيراً، جملة من قضايا المرأة في الغرب والشرق وفي الوطن العربي وما قضية دعاوى الخلع في مصر، إلا واحدة من هذه القضايا، حتى بالنسبة الى الدين، فالمعروف أن المرأة ظفرت في ظل الحضارة الإسلامية، بالتكريم والتكافؤ مع الرجل. ثم سلبت الكثير من حقوقها في عصور لاحقة ما جعل الأمور تلتبس على المحدثين وبينهم بعض المجتهدين. وفي وقت ازداد الجدل حول طموحات المرأة العربية والتحديات التي تواجهها عام 2000، ظهر في أوساط المثقفين في الغرب سؤال ذو مغزى مفاده: هل ستكون الألفية الجديدة للنساء. وعبر جملة من الاستطلاعات والاستفتاءات تحت عنوان: "الأنوثة تكسب معركتها مع الرجل..."، كانت الآراء تؤكد "تفوقها". وزالت المستحيلات في ظل التقنيات التي لم يعد معها حاجة الى "العضلات"، بل إلى أصابع رشيقة تتعامل مع الأجهزة والتقنيات الحديثة. ولم تعد المرأة نصف المجتمع فحسب بل حاضنته وموجهته. وحققت بعض الدول العربية سبقاً في إعطاء المرأة حقوقها فسجلت تونس مثلاً، تجربة فريدة وغير مسبوقة في محيطها الحضاري والجغرافي. فتجاوزت نسبة المتعلمات هناك التسعين في المئة وشكلت النساء 33 في المئة من العاملين في حقل الطب و63 في المئة في الصيدلة و25 في المئة في مجال الصحافة، من دون أن يؤثر ذلك على حقوقهن كزوجات وأمهات. وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر منذ أكثر من خمسين سنة أكد على المساواة في الحقوق والواجبات فإن الإسلام سبقه في هذا المجال منذ أكثر من أربعة عشر قرناً. وخطت السعودية ودول الخليج أخيراً خطوات متقدمة في دراسة واقع المرأة وأوضاعها وقضاياها من خلال أكثر من ملف طرحتها الصحف والمجلات الدوريات، وذلك بعد أن أصبحت بعض الأبواب تفتح تباعاً أمام المرأة للخروج الى الحياة العامة والمشاركة في التنمية والبناء. أما العقبات في طريق تحقيق هذا الطموح المشروع فهي منتشرة في كل أقطار الوطن العربي ولو بنسب متفاوتة، وأبرزها: الطلاق التعسفي والعنف والاضطهاد والزواج من أجنبيات ومنع المرأة من الدراسة والعمل. ولا تحظى المرأة العربية عموماً بكثير من الاحترام والتقدير، إلا عندما تصبح أماً، لكن إتمام واجبها كمربية فضلى يواجه عقبات خصوصاً وأن نسبة الأمية بين النساء فوق سن ال25، يراوح بين 78 في المئة و 6،96 في المئة في عديد من الدول العربية. وأظهر تقرير لليونيسيف أن أكثر من 65 مليوناً من الأطفال في المنطقة العربية يعانون الأمية... وغالبيتهم من الإناث. وعلى الصعيد العالمي، فإن وجود ثلاثة مليارات امرأة، وهو عدد النساء في العالم في القرن الحادي والعشرين يجعل منهن كتلة قادرة على فرض وجودها بكثير من الأشكال والحالات، خصوصاً وأن عدد النساء يفوق عدد الرجال ولم تعد المرأة عضواً سلبياً في المجتمع المعاصر. ويقتضي أمر تطوير واقع المرأة عدم خضوعها لمقاييس الذكورة عن طريق العمل على قواعد السيطرة في التربية والتعليم وصولاً إلى أنماط أخرى تقارع التمييز والسعي الى إحداث مؤسسات اجتماعية متطورة تقوم على المساواة. وفي هذا الشأن تقول الباحثة الدكتور نهى بيومي: "سيتغير إرث النساء بما يسمح بتغييرات ناجمة عن عيشهن في الحميم والصميم، وعن تحركهن في مدينة أكثر انسجاماً مع حضورهن والرهان عليهن لا لتميزهن بل لأنهن بدأن أمهات، وفي أيديهن أقدار الرجال والنساء على السواء". وتضيف: "لا نية لدينا لتحويل النساء الى أسطورة القرن المقبل في المقارنة مع أسطورة "المناضل" و"الثوري" في القرن العشرين، بل إن رؤيتنا لها تنزلها من عليائها الرمزي لتصير إنساناً من لحم ودم لديه تجارب وآراء ومواقف وبمقدوره التعبير عنها، كما لديه رغبات وطموحات، بإمكانه ممارستها". وفي مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في الصين في النصف الثاني من التسعينات توقعت السكرتيرة العامة للمؤتمر "ثورة كبرى في عالم المرأة... فهي لم تحضر الى بكين لتستعطف الآخرين، بل جاءت لتقدم حقائق وثوابت ولتحصل على حقوقها التي تناضل من أجلها... وفي المؤتمرات السابقة كانت تقدم نفسها كضحية تبكي وتشتكي لتكسب شفقة العالم. ولكنها اليوم أكثر قوة". وبالعودة الى البروفسورة هيلين فيشر وكتابها الجديد "الجنس الأول" الذي نزل أخيراً الى الأسواق وأثار ضجة كبيرة، تقول في أحد فصوله إن "المستقبل ملك النساء"، إذ أن موهبة المرأة في الحوار، والحديث وحدة حواسها وشفافيتها وإحساسها بما حولها ومن حولها، وموهبتها الفريدة في التفاوض، تجعلها مؤهلة للاستفادة من معطيات القرن الحادي والعشرين". وتتوقع فيشر ازدياد عدد النساء في مجالات الطب والحقوق والتعليم والشرطة والوظائف الحكومية الى جانب ازدياد عدد سيدات الأعمال في مختلف القطاعات. وتقول البروفسورة التي تشغل رئاسة دائرة علم النفس في جامعة "روتفرز" إن "التغييرات في المجتمعات ونمو اقتصاد الخدمات العالي وانتشار ثورة المعلوماتية، كلها أمور تعطي المرأة ميزة فريدة مع الرجل. وعندما تصل البنات اللواتي ولدن في العقد الأخير من القرن العشرين الى الأربعينات من أعمارهن، ستكون المرأة قد احتلت دوراً بارزاً في اميركا والعالمي، وأصبحت تقود المجتمعات في كل مكان. فالمرأة عندما تكون في منتصف العمر تصبح أكثر رغبة في تأكيد ذاتها والجيل الذي ولد في العقد الأخير من القرن العشرين هو الذين سيغير العالم بشكل جذري.