أثناء الاحتلال العراقي للكويت كنا نبحث عن مكانتنا عند الشعوب من خلال اذاعات العالم المختلفة، والتي كانت صلتنا شبه الوحيدة مع هذا العالم ونحن داخل الكويتالمحتلة. كنا نستمع الى تعطش الكثير من مثقفي الوطن العربي لدمائنا، ونستمع الى تضامن كثير من مختلف دول العالم. كانت الاصوات المخشخشة تتحكم في معنوياتنا، ترفعها احياناً وتخفضها احياناً اخرى. كان للضد مبرراته كما كان للتضامن مبرراته المختلفة، مثل العدالة وحق تقرير المصير والعلاقات بين الشعوب... الخ. لكني لم اتصور ان تكون الثقافة أحد اهم مبررات التضامن مع شعب الكويت، حدث ذلك وانا احرك مفتاح المذياع لاسمع تضامناً ارجنتينياً، ويبدو على المتحدث انه من اصول عربية اذ كان يقول في ما معناه: "أنا لا اعرف تفصيلات الامر وليس لدي خلفية حول خلافات الكويت والعراق، ولكني اعرف شيئاً واحداً وهو ان الكويت لا يمكن ان تكون مخطئة، فدولة تنتج هذه الكتب والسلاسل الفكرية والثقافية لا بد ان تكون دولة متحضرة تؤمن بالسلام والعدالة. كانت زوجتي تنتظر بفارغ الصبر حتى اقرأ لها محتويات هذه الكتب وأترجمها...". إذاً، فالثقافة حشدت تأييداً كبيراً مبنياً على المنطق، مثلما حشدت الثروة النفطية موقفاً عدائياً بل وحشياً في بعض الدول العربية مبنياً على العاطفة وردة الفعل البدائية. لقد اختارت الكويت منذ زمن بعيد ان تكون رافداً اساسياً العربية، وان تكون دار نشر عربية، ويعترف اغلب المثقفين العرب بأن وعيهم الثقافي بدأ مع مجلة العربي ومطبوعات الكويت. ولم يقتصر الامر على مطبوعات تباع بأسعار زهيدة للمواطن العربي، بل امتد الخير الثقافي الى بناء البنى التحتية الثقافية في الدول الخليجية، مثل المدارس والمناهج والمراكز الصحية وتزويدهم المدرسين وبعثات الخبراء، وما زالت حتى الآن تقدم لهم الخبرات المسرحية، كما بنت جامعة في اليمن ومدارس في بومباي وكراتشي وبنت المؤسسات المدنية في إمارة الشارقة مدفوعة بدوافع انسانية بحتة. ان جزءاً اساسياً من مواقف شعوب المغرب العربي السلبية تجاه الكويت هو بعدها الجغرافي، ولكن الاهم في نظري هو عدم تلمس الدور الثقافي العربي للكويت، ففي الوقت الذي يرسل صدام حسين باسمه شخصياً شحنة باخرة من مناهج الكتب المدرسية، مكتوب عليها "هديه من صدام حسين الى اطفال تونس". تبني الكويت استثمارات ضخمة كالفنادق والمطاعم التي لا يستطيع الرجل العادي والبسيط الاستفادة منها. وفي ظني لو ان الكويت بنت مدرسة واحدة او مركزاً صحياً، لغير ذلك من صورتها عند المواطن التونسي مثلاً. وفي اليمن تشكل موقفان، موقف حكومي مع الاحتلال لاسباب براغماتية، وموقف شعبي ضد الاحتلال لاسباب كثيرة منها الجامعة التي بنتها الكويت، والمساعدات الثقافية الكويتية. واذا ارادت الكويت استعادة ألقها فيجب ان تفكر جدياً بدورها الثقافي العربي، وتتذكر العائد من استثمارها الثقافي طوال القرن الماضي. * كاتب كويتي