سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سجينان سياسيان سابقان وقياديان في "حزب العمل الشيوعي السوري" يقولان آراءهما في القضايا العامة الراهنة . فاتح جاموس : اثناء سجني كبرت الأشجار كثيراً ... والتصارح مع المجتمع يفترض انفكاك قبضة الدولة 2 من 2
نشرنا امس لقاءً مع اصلان عبدالكريم، ونختم اليوم بلقاء مع فاتح جاموس، وهما قياديان شيوعيان سوريان اطلقا أخيراً من السجن. كيف وجدت الدنيا والناس بعد انقطاع دام 18 سنة؟ - وجدت الدنيا منقلبة خلف الجدران بكل ما تعنيه الكلمة، بمعنى الاشياء المادية التي يمكن ان نتحسسها بعيوننا والتطورات الانقلابية الهائلة التي صارت في العالم وآثارها على الدنيا وعيش الناس والمشاكل التي يعانون منها ولباسهم والطريقة التي يتكلمون بها. ربما يتعلق الامر بالزمن الطويل في السجن ولكن في الاساس تغيرت اشياء كثيرة حقاً. ما هو اكثر شيء ادهشك، بالمعنى المادي او الفكري؟ - على اعتبار انني حتى الآن لم اتمكن من الخروج من بيتنا الاّ لزمن قصير جداً ولفترات متقطعة فما قلته سابقاً يتعلق بانطباعات بحد ذاتها هي سريعة، ايضاً من خلال انتقالي بين دمشق واللاذقية وقريتي. لكن عندما اطللت على دمشق من قاسيون ادهشني جمال المدينة. وعندما استقبلت بعض الاصدقاء والرفاق والاقارب واسرتي الصغيرة ادهشتني شدة توتر العواطف والفرح. اندهشت ايضاً لانني، حتى الآن، لم استطع ان اصدق بصورة تامة انني مطلق السراح. أشعر بسعادة هائلة في الداخل لم استطع ان اعبر عنها حتى الآن. تدهشني كل الحركات حولي لكن في اللحظات الاولى ادهشني جمال دمشق قبل ان انتقل لأسرتي. لماذا لم تستطع التعبير عن فرحك ومشاعرك؟ - اي سجن مديد يفترض، في سياقه، بنية نفسية عصبية خاصة وبنية جسدية خاصة، ربما يمكن تسميتها بالحصر المرتبط بالسجن. فهذا الانقطاع الطويل عن العالم الحقيقي، وهذا النوع من الحصر، والشوق الهائل للحرية مع الحصر الطويل لا تسمح لها بالتعبير عن حال الفرح العميقة بسرعة او بصورة حتى تدرجية متناسبة مع ضرورات متطلبات الحياة. ماهو الشعور الذي انتابك عندما علمت بأنك ستخرج؟ - اول ما فعلته حاولت ان انتقل الى غرفة اخرى حيث يجلس رفيقي الثاني، أصلان عبدالكريم، لأهنئه. كنت نصف مصدق ونصف غير مصدق. تركت المكتب حين كانوا يتكلمون معنا، بل قفزت وشعرت نفسي بأنني... نهضت عن الكرسي قفزاً. وربما خرجت من المكتب بصورة غير لائقة ادبياً، لأهنئ رفيقي. وبقي الموضوع غير قابل للتصديق، اذ عدنا مرة ثانية نسأل هل الموضوع حقيقي؟ هل نستطيع ان نهنئ بعضنا؟ هل نستطيع ان نتصافح؟ مددنا ايدينا وصافحنا الاشخاص الذين يتكلمون معنا، فكان الجو غرائبياً لا يصدق واستمر ذلك لعدة ساعات. وإلى الآن هناك فرح داخلي لم يتحرر بعد. ماذا احسست عندما لامست وجهك الشمس؟ - كان خروجنا في الليل ولم يكن في النهار، لكن في كل الاحوال هو شيء يشبه الخروج الى الشمس تماماً، لأن اي تفصيل في الحياة الحقيقية هو الخروج تحت الشمس. شعرنا منذ الخطوة الاولى بأول رصيف خارج الباب، حيث كنا معتقلين في اللحظات الاخيرة. اي انتقلت بسرعة البرق الى عالم اعتقد انه الخطوات الاولى الى جنّة حقيقية نقيضة للعالم الذي كنا فيه. كيف تعاملت مع خطواتك؟ - جربنا ان نسير قبل اطلاق سراحنا بساعات بعد ان سمعنا بالخبر، وبدا انه شيء قريب من الجنون. كانت تجربتنا شيئاً من التدريب، لكنها تدريبات مضحكة. عندما نزلنا من السيارة في الليل طلبت من رفيقي ان يراقبني وان اراقبه واراقب الاشياء. اعتقدت اني اسير بخطوات طويلة وعالية. وعلى رغم انني كنت احمل ثقلاً معي يستحق الاعتبار، فان الشعور الأساسي كان شعور عموم يشبه ما رأيته مرة لملاح الفضاء ذاته وهو يسير على سطح القمر. تدربت مع اصلان على السير؟ - نعم. في الساعات الاخيرة كنا نتمازح غير مصدقين ان الامر جدي، لأنه بين سماعنا بخبر اطلاق السراح واطلاق سراحنا فعلياً انقضت ساعات في الغرفة. فهي تدريبات، في الحق، مازحة، لكن تتضمن الكثير من الجدية. لبست افضل الثياب لدي، وهي ثياب ليست جميلة في كل الاحوال، هي ثياب سجن قديمة، وحاولنا ان نسير بعض الخطوات باحذيتنا الخاصة، وحاولنا ان نستعد لكيفية السير على الرصيف، وفي المحلات صرنا نجرب ان ننزل ادراجاً ونطلع ادراجاً. لم تكن هناك ادراج في الغرفة طبعاً، لكن هكذا كان الامر. ما اصعب تمرين قمت به؟ - التمرين الاصعب هو محاولتي ان افكر جدياً كيف يمكن توصيل خبر الى اسرتي الصغيرة، من دون صدمها. قبل اطلاق سراحنا كان اطلق سراح ثلاثة رفاق هم حليم رومية. وعصام دمشقي، وباسل حوراني فحصل لدى اهلي نوع من الصدمة وأسف وحزن وانزعاج وانغلاق داخلي على الذات على رغم فرحتهم باطلاق سراح حليم، وهو ابن قريتي. لذلك فاكثر تدريب حاولت ان انجزه، داخلياً، كيف يمكن ان اتخاطب معهم او اورد لهم الخبر بصورة غير مباشرة، او اجري ترتيباً خاصاً كي لا يصابوا بصدمة. كيف حصل ذلك؟ - اخبرت صديقي حليم بالقرية، بعدما تمكنت من الاتصال بالقرية. كيف تمكنت من الاتصال بالقرية؟ - بداية نزلنا في احد البيوت التي نعرفها. وحاولت ان اجري بعض الاشياء الرومانطيقية كأن افاجئ اخ زوجتي او اختها في المدينة الجامعية، لكنني لم استطع. اتصلت بالاخ حليم في قريتي كي يرتب الامر مع صديق آخر ويجلبوا عائلتي الى بيتنا لاجراء دردشة حول احتمال اطلاق سراح قريب او ما يشبه ذلك، لكن الامر افلت من ايديهم، وجرت اتصالات كثيرة من جهات اخرى، ووصل الخبر الى الاسرة بصورة غير مباشرة بواسطة اتصال من هذه الاتصالات. وبالفعل جرت ردود فعل عصبية ونفسية خاصة في هذه اللحظات. افراد اسرتي بالكاد تمكنوا من التصرف بشكل متوازن. وفي تلك الدقائق اغمي على زوجتي، ابنتي جنت من الفرح غير مصدقة وسألت اسئلة غير منطقية. الامر يتعلق باطلاق السراح وهي تسأل عن القهوة، او عن السفر. وابني الذي كان اكثر تماسكاً من الجميع تصرف بصورة غير طبيعية. واول ما خطر ببالهم ان يسافروا الى دمشق. حاولت ان امنع ذلك، لكن ابني اصر وجاء فعلاً لأنه كان متوتراً وعصبياً وغير مصدق. وقال انه لا يستطيع ان يسمح لنفسه الا باستقبالي شخصياً في دمشق، وهذا ما جرى بالفعل. كيف كان اللقاء الاول؟ - لم انم في الايام الثلاثة الاولى ولم اشعر بالارهاق. وعلى رغم وزن ابني شعرت أنني حملته ورفعته عن الارض، او ربما هو الذي رفعني. حاولت شم رائحته وتحسس كل شيء في الوجه والجسم. كيف كان احساسك بالطريق بين دمشق وقريتك؟ - نزعت نفسي نزعاً من بين الاصدقاء في دمشق وسافرت الى قريتي. واجروا في القرية ترتيباً لم اكن اريده، كانت هناك "هيصة فرح". واستقبال من مكان بعيد عن المدينة بعدد من السيارات. وكان هناك تصوير، وطبل، وفرح حقيقي. تعاملت بسهولة مع المشهد؟ - لم اصدق ما رأيته قبل اللاذقية. ربما كانوا، بالحد الادنى، مئات الاشخاص. وعندما وصلت بالسيارة شعرت انني ضعت بين هؤلاء الأحبة. لم اعرف من اين يأتي الصوت، ومن اين تأتي القبلة، لم اعرف من اضم، من اشم. تذكرت بعض الوجوه التي حافظت على ملامحها. والكثير من الوجوه لم اتذكرها. عندما وصلنا القرية استمر الفرح، مع الطبل والرقص حتى وقت متأخر من الليل، ثم دبكة. اردت ان اريح الناس فتحولت الى داخل البيت. في الصباح الباكر، حاولت ان استرجع آخر الصور التي تركت القرية فيها. هناك بعض الاشياء الاساسية لم تتغير، لكن اشياء كثيرة تغيرت. كبرت الاشجار كثيراً، واختلفت الزواريب بين الابنية الحديثة وعلى اطرافها. بيتنا اختلف كلياً عما اعرفه قبل 18 عاماً في السجن وسنوات التخفي الست السابقة. نظرت الى وادٍ قريب من شرفة البيت حيث زرع الوالد قبل سنين شجرة زيتون. للاسف لم اتمكن من مغادرة البيت لزيارتها. في ذاكرتي احفظها بدقة واعتقد انها كبرت. حاولت مرة، بعدما زرت قبور أعزاء توفوا، ووضعت شيئاً من الزهور، ان اصل إلى الارض واعود الى البيت... لم اتمكن. الطرقات اختلفت كثيراً والكثير من الاعشاب والاشجار نمت، فصار هناك طرقات اخرى بديلة غير زراعية، فعجزت عن الوصول الى الارض، وارجو في القريب ان اتمكن من زيارتها. وابنتك الصغرى؟ - كان اللقاء الاكثر عاطفية مع طفلة تركتها وهي بعمر اربعة اشهر ونصف. وهي عرفتني من خلال الصور، او من خلال الزيارات. كادت ان تلتصق بي طول الوقت، وكلمتني بكلام ناعم ورائع وجميل. تجد فارقاً عاطفياً او شعورياً بينها واخيها. غمرتني بحنية هائلة، حنية طفولية وصباوية في بداية حياتي. اي كنت متفاجئاً بخروجك وانفعالاتك؟ - خرجنا بصورة مفاجئة، وكان لدينا اعتقاد ان هناك امكانية لعقوبة اضافية بعدما اطلق سراح رفاقي الثلاثة الآخرين. استناداً الى ماذا؟ - من المفترض ان يغلق ملف الخمسة، هكذا يفترض منطقياً. قادة "حزب العمل الشيوعي" الخمسة؟ - نحن خمسة رفاق احكامنا انتهت. وعندما اطلق سراح رفاقنا، اعتقدنا اننا سنتلقى عقوبات اضافية ربما بسبب تقديرات اجهزة الدولة. ماذا تقصد انك بدأت تعد نفسك لمرحلة جديدة؟ - في السجن هناك نمط من الحياة. عندما تعتقد ان سجنك سيطول تعد نفسك بكل شيء: برامج للقراءة وللكتابة، حتى فراشك يمكن أن تعيد نفضه، ويمكن ان تعيد ترتيب مكانك. وهذا ما بدأنا بفعله. ماذا فعلت؟ - بالنسبة لي وضعت برنامجاً جديداً للقراءة والكتابة، بدأت افكر احاور نفسي وبعض الآخرين. بدأت افكر ان اعود الى الرسم ، وبأشياء دفاعية للمزيد من التكيف مع الحال. كيف كنت تمضي الثواني والدقائق بين السنين والاشهر؟ - من الصعب الحديث عن ثوانٍ او دقائق. هناك محطات اساسية يمكن ذكرها. كانت لدينا مكتبة جيدة تراكمت عبر سنوات طويلة. وكان هناك مجال واسع للقراءة. ومن لديه اهتمام بالكتابة في اي ميدان يستطيع ان يكتب، لكن للاسف اخراج هذه الاشياء كان شبه مستحيل. وكنت احرص على الاستيقاظ الصباحي، كأني لا ازال في القرية. قبل فتح الباب في تمام السادسة، في الفترة الاخيرة، كنت استيقظ تحت ضغط آلام الجهاز الهضمي. لا بد من الرياضة في الزمن المناسب مع التنفس او من دون تنفس، في الممرات، او داخل السجن، ومن ثم تناول مشروب كالمتة والشاي والاستماع الى الراديو، وخصوصاً فيروز وبعض الاذاعات التي تنقل الاخبار. اي التنقل بين فيروز والاخبار. هل كنت قادراً على استقبال كل الاذاعات بالراديو؟ - في ما يتعلق بمجال الراديو نعم، إلى حد بعيد. ما هي الاذاعات التي كنت تستمع اليها؟ - كان يهمني شخصياً الاذاعات الاساسية: لندن، مونت كارلو، صوت اميركا. كنت استمع الى اذاعة دمشق بين فترة واخرى، الى التعليق السياسي خصوصاً في لحظات سياسية بعينها، وإلى النشرة الموجزة. وبالتأكيد كنت اسمع اذاعة العدو، للاسف. لماذا؟ - لأنها اذاعة ذات درجة من القوة تنقل الاخبار بسرعة. انت سياسي تسمع كل شيء وتتفاعل ثم تختار بحسب منطقك وبحسب قناعاتك. ماذا كنت تقرأ؟ - بشكل رئيسي كنت اهتم بعلم الاجتماع السياسي والفلسفة وعلم النفس. وفي آخر الليل احب جداً الادب والرواية. كنت ألتهم الروايات بعد الحادية عشرة ليلاً. ما هي ابرز رواية قرأتها؟ - آخر رواية قرأتها هي رواية ممدوح عزام "قصر المطر" وهي رواية تستحق القراءة حقاً اذ ان صاحبها يمتلك تقنيات في الادب والرواية جميلة. وأعدت قراءة فرويد بالكامل لاهتمام يتعلق بموضوع السجن والاحكام. وارغب في ان اكتب في ذلك ملفاً خاصاً في هذا الموضوع، عن السجن والقمع والاحلام وعالم السجن. كنت تكتب؟ - بالطبع، كنت اراقب نفسي بدقة وصدق هائلين. الكثير من الاحلام حفظتها. لذلك كنت استيقظ على الحلم واكتبه. وضع البلاد تغير في السنوات الاخيرة عما كانت عليه. انها اكثر انفتاحاً. كيف ترى المسافة بين هاتين المرحلتين؟ - عندما سُجنت كانت البلاد تعيش في شروط مختلفة كلياً من بعض الزوايا. ولا شك كان الصراع بين السلطة و"الاخوان المسلمين" حاداً، وكان في مداه الاخير عندما اعتقلت في 28 شباط فبراير 1982. ثم دخل البلد في مرحلة اخرى مختلفة على مستوى قوة الدولة. انتهت تلك الاحداث. عملياً بدأ المجتمع بصورة او بأخرى يسترجع بدرجة او اخرى، حالاً اسمها الامان. حصل ذلك وانا في السجن. الآن مرحلة جديدة يمكن التعبير عنها بصورة مختلفة عن القديمة، اذ انني استطيع التكلم وتقديم تصريح لوسيلة اعلامية من خارج البلد. وقبل خروجنا من السجن لم نقدم اي تعهد بالا نتكلم، بل قلنا انه يمكن ان نتكلم. هناك قضايا في الوطن يتناولها كثيرون بالنقد، وهي تستحق النقد حقاً. هي وسائل قديمة ربما لم تعد لها قيمة قياساً بقيم العصر الحضارية. وحتى موضوع الدولة وعلاقاتها بالمجتمع. تطور كثيراً، ويمكن صناعة دول تكون علاقاتها مع المجتمعات واسعة وفضفاضة. هناك الكثير من نماذج الدول التي علاقتها بالمجتمع تسمح بتنفس واسع، تتصرف الدولة تجاهه بمنطق المعدة الواسعة، وتتحمل الكثير من الاشياء. المطلوب نموذج قادر ان يسمح لكل فئات المجتمع بالتعبير بدرجة من الراحة مع الاخذ في الاعتبار ان هناك قيماً محترمة لا احد يمسها، وهناك سويات مطلوب الا تمس بالانتقاد. وبين هذا وذاك هناك هامش هائل تستطيع الدولة ان تراكم خلاله خطوات تسمح للمجتمع بان يتصالح، وترفع مستوى النسيج الوطني في المجتمع، وترتقي بعلاقتها مع المجتمع، وبالتالي المجتمع يرتقي بعلاقته ببعض. وتقل وتخف المخاطر التي تراكمت على الوطن السوري مثلاً في المرحلة التي اعتقلت فيها وقبلها. افهم من كلامك ان المؤسسة الرئاسية خارج النقد وكل شيء آخر خاضع للنقاش؟ - هذا شكل من الاشكال، وهذا يقره القانون وهذا بديهي. قمة الهرم الرئاسي في اي مكان من العالم له حماية قانونية اساساً، وله دلالات رمزية. فالموضوع مفهوم تماماً في الكثير من البلدان ،في بريطانيا، وفي اميركا والاردن ومصر. هذا موضوع من السهولة تنفيذه وتنفيذه واجب. لكن هناك هامشاً هائلاً يتعلق بموضوع قبض الدولة على المجتمع، ومجموعة القوانين التي تستخدمها، او لا يجوز ان تستخدمها. اي ان المؤسسة الرئاسية مقدسة؟ - المؤسسة الرئاسية، ومؤسسات اخرى هي ذات طابع تقديسي بحسب الدستور، اذ ان في الدستور نصوصاً تحظر انتقاد الدين. المؤسسة الرئاسية بمعنى مؤسسة الدستور؟ - حتى الدستور يمكن ان يكون في اطار النقد او النقاش. وهناك عدد من التجارب يمكن ان نأخذ بها بسهولة مع الاخذ في الاعتبار مواصفات الساحة السورية، في ما يتعلق بالصراعات الخارجية او النسيج الوطني، وهي لم تعد مدعاة للخوف والحذر. طرق المراقبة متعددة وواسعة جداً، وهذا يعطي المجتمع ثقة بنفسه، ويخلق توازناً في النسيج الوطني. برنامج التصارح مع المجتمع الذي يقوم اساساً على انفكاك قبضة الدولة الشديدة هذا اسمه تنفيس المجتمع ان صح التعبير، قبل ان نصل الى الديموقراطية الفعلية الحضارية التي يمكن ان تسير بالوسائل المعروفة. هذا المجتمع يجب ان يتصارح. تقصد ان هناك تحديات خارجة تتطلب ان يكون هناك توحد لجميع الجهود؟ - لو اخذنا موضوع المسألة الوطنية برمتها، او المسألة القومية مُنَعكَساً للمسألة الوطنية، اي ما يتعلق بموضوع الجولان والمسألة الفلسطينية بارتباطها بالموضوع اللبناني او بموضوع الصراع مع تركيا، انني اعرف جيداً ان سورية كوطن، وكحكومات على مدى الخمسين عاماً الاخيرة، هي على صراع دائم، وفي العقود الثلاثة الاخيرة هي في مركز صراع في المنطقة. هذا موضوع مفهوم، لكن اذا كان هناك منطق قديم، في ما يتعلق بادارة المسائل السياسية والوطنية بالمركزية الشديدة، وهناك لحظات تاريخية تحتاج لمركزية، لكن هذا يجب ألا يغيب موضوع الديموقراطية في المجتمع. بل على العكس، فكلما كان المجتمع يعيش حالاً أعلى من الامان الديموقراطي السياسي والاجتماعي، يكون نسيجه الاجتماعي ارقى، ويكون عنده استعداد ان يرد على المخاطر المحتملة بصورة أعند وأقسى وألين في الوقت نفسه، ويحقق نتائج أحسن بكثير.