يتحدث المبعوث الدولي تيري رود لارسن بفخر صبياني عن أدائه لمهمته في لبنان فيصفه ب"العدل والحزم" و"اللطف والاصرار". يضيف "نأمل بأن يكون ذلك مثالاً يقتدى في مسائل اخرى ذات علاقة بعملية السلام للشرق الأوسط". ثم يستدرك بسرعة فيعد "ببذل قصارى الجهد بصورة بناءة وتعاونية للعمل على تعريف دور محتمل للأمم المتحدة في هذا المجال يلقى رضا جميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة وخارجها". متى يكون المثال الذي يقتدى هو أقصى الجهد لتعريف الدور والخضوع لرضا جميع اللاعبين لا يعود هناك ثمة مجال لكثير من الفخر. وليس لارسن، هنا، سوى رجع الصدى لما يقوله رئيسه كوفي أنان. فهذا الأخير يكاد يصدق نفسه عندما يقول انه "على اتصال مع الاميركيين لمناقشة جهودهم" في ما يتعلق بالمسار السوري الاسرائيلي. ولا يحتاج المرء الى ان يكون شديد الاطلاع من اجل ان يعرف ان انان لا يناقش احداً في هذا الموضوع وان افضل ما يصبو اليه هو ان يطّلع على ما يجري. ولكن الأهم من ذلك هو ان "مناقشة" الجهود، في حال حصولها، تعني موافقة منه على تخلي الأممالمتحدة عن دورها في تطبيق قرارات سبق لمجلس الأمن اصدارها. ان خط انان لارسن هو حل وسط بين شلل الهيئة الدولية، بقرار اميركي، وتفعيلها اذا ارتضت القراءة الاسرائيلية لقراراتها. واذا كان الترحيب واجباً بدور ما لمجلس الأمن ولو بعد عقود من المنع فإن الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه هما اللذان ألقيا بظلال من الشك تجعل الترحيب بارداً لا بل تجعله أقرب ما يكون الى نوع من التحفظ. لقد اعتمد انان لارسن التفسير الاسرائيلي للقرار 242 من أجل تطبيقه عند تنفيذ القرار 425. والتفسير الاسرائيلي يصر على ان القرار يطلب الانسحاب من "أراض محتلة" وليس من "الأراضي المحتلة". والمعروف ان "ال التعريف" هذه شكلت عقدة مستعصية لا تزال المفاوضات تعجز عن حلها. واستحضارها، في ما يخص لبنان، يوجه ضربة قاسية الى خصوصية القرار 425. ولم يكن ممكناً لهذا الاستحضار ان "ينجح" من دون اللجوء الى مناورات مكشوفة يفترض بأي مسؤول او ديبلوماسي يحترم نفسه ان يخجل منها. فلقد صدر تقرير انان الأول محشواً بما يجب الا نتردد في وصفه ب"الأكاذيب". فهو "يستكمل" الانسحاب الاسرائيلي في حين ان خبراءه، الذين يشيد بهم لارسن، كانوا يتحققون من... العكس. وجرى تبرير التسرع برغبة الرجل في بدء جولة سريعة تأخرت عن موعدها 22 عاماً بالتمام والكمال. وتحوّل المبنى الزجاجي في نيويورك الى "فبركة" تصريحات منسوبة الى المسؤولين اللبنانيين كانوا ينفونها باستمرار. وتضمن التقرير مباركة للقضم الاسرائيلي لأراض لبنانية فضلاً عن تجاهل الاختراقات الاضافية. ثم صدر تقرير ثان يدعي ان هذه الاختراقات حصلت بعد التقرير الأول في حين يعرف الجميع ان هذا غير صحيح. وبعد ان غادر انان نيويورك وهدد بالغاء زيارته الى لبنان ولوّح باستخدام ورقة قوات الطوارئ في الجنوب تولت واشنطن، مباشرة، ادارة العمليات. فأوكل الى ريتشارد هولبروك دور الضغط ضمن مجلس الأمن، وتولت مادلين أولبرايت مهمة الحماية السياسية الاجمالية للعملية برمتها. وكانت النتيجة ان الانسحاب الاسرائيلي من معظم الأراضي اللبنانية تحوّل الى انسحاب كامل. ليس القصد من ذلك كله منح اسرائيل مزايا استراتيجية فحسب انما أيضاً "ربط نزاع" يضعف الموقف اللبناني لاحقاً. وإذا كان صعباً على لبنان الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن سعى اليها أنان ولارسن فإن من الأصعب على اي مسؤول الموافقة على حل مطعون فيه بعد كل التضحيات التي جرى تقديمها.