الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    متعب بن مشعل يحضر ختام مهرجان زيتون الجوف    "ملكية مكة المكرمة والمشاعر" تشارك في مؤتمر ومعرض الحج    الطائرة الإغاثية التاسعة تصل مطار دمشق    فالفيردي : سنلعب بعقلية الفوز .. و"بيدري": الكلاسيكو يمنحنا الحماس لتحقيق اللقب    القيادة تهنئ سلطان عُمان    خير المملكة.. دعمٌ مستمر    الشيخ علي بن نوح.. إلى رحمة الله    عشرة فائزين ب"جائزة صيتة" في العمل الاجتماعي    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    خطيب المسجد الحرام: امتثلوا للأوامر واجتنبوا الكبائر    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة شاب كويتي مع الجنف المضاعف    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية الإمارات يصل إلى الرياض    فحص الزواج غير مطابق ولكن قيس يريد ليلى    المكسيك ترسل أفراد إطفاء إلى أمريكا للمساعدة في إخماد حرائق كاليفورنيا    ضبط يمنيين في جازان لترويجهما (56) كجم "حشيش"    إحباط هجوم داعش يؤكد جدية القيادة السورية في مكافحة الإرهاب    السودان يقف في ظل صراع غير منتهٍ    الفهود تسقط النمور    رابطة العالم الإسلامي تطلق من إسلام آباد «مبادرة تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة»    التعاون يتغلّب على القادسية بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    القبض على 7 وافدين ظهروا بمشاجرة في عسير    المملكة تدين الهجوم الذي استهدف القصر الرئاسي في عاصمة تشاد    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    لقاح الإنفلونزا والغذاء الصحي.. نصائح مهمة للوقاية من نزلات البرد    الطرق تشدد على معايير تصميم الإنارة    الإمارات ولبنان يتفقان على إعادة فتح سفارة أبوظبي في بيروت    الأزمات.. بين الانتهازية والإنسانية !    رقم قياسي جديد لموسم الرياض بأكثر من 16 مليون زائر    الشاب "موسى النجم" يدخل "القفص الذهبي"    تشييع الحربي صاحب ال 50 حجة في مقبرة الوجه    «ضاع قلبي في جدة».. نوال الكويتية ورابح صقر يشعلان ليل العروس بحضور جماهيري كبير    المنافذ الجمركية تسجل أكثر من 1900 حالة ضبط خلال أسبوع    فريق جامعة المؤسس يحقق بطولة السلة للجامعات    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    انطلاق ملتقى " إضاءة عسير " الاثنين القادم    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    «الضباب» يحوّل رحلة ليفربول إلى كابوس    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    ابعد عن الشر وغني له    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    خطيب المسجد الحرام: قيدوا ألسنتكم عن الوقيعة في الأعراض    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية ... من "الحركة التصحيحية" الى تصفية مراكز الجنرالات . خلاف داخلي بين تياري المصالحة والاستئصال... و"العنف الثوري" يسكت "نفير حماة" ويؤدي إلى "استقرار" طويل 3 من3
نشر في الحياة يوم 16 - 06 - 2000

3- المؤتمر القطري السابع: بين تياري الاستئصال والمصالحة الوطنية
انطوى الاعتراف ب"داخلية" الأزمة على الاعتراف بأنها أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة. إذ تميزت مرحلة 1976- 1980 بما يمكن تسميته "تنمية انفجارية"، أو "تعبئة اجتماعية" مكثفة قامت على إطلاق آليات النمو على طريق التراكم التوسعي الى أقصاها. فبلغ الاستثمار الإجمالي في الخطة الخمسية الرابعة 1975- 1980، في فورة الازدهار، حوالى 50 مليار بليون ليرة سورية، وهو رقم فلكي في المعايير السورية باتريك سيل. وارتفع في سياقها عدد المليونيرات، أو أصحاب الثروات المقدرة بالملايين في سورية من 55 مليونيراً، عام 1963، إلى 2500 مليونير في عام 1976، يملك كل واحد من عشرة في المئة منهم أكثر من مئة مليون ليرة سورية. وكان في عداد هؤلاء "المليونيرات" ما يمكن تسميته بالطبقة البيروقراطية الجديدة في الحزب والدولة.
حاول الرئيس الأسد أن يطوق نمو هذه الطبقة ويحد منه. فأحدث، بمرسوم تشريعي في 8 تموز يوليو 1977، محاكم الأمن الاقتصادي. وشكّل، في 17 آب اغسطس 1977 "لجنة التحقيق في الكسب غير المشروع" التي حددت مهامها بالتحقيق في جرائم الرشوة وصرف النفوذ والاختلاس واستثمار الوظيفة والكسب غير المشروع. وأعطيت صلاحيات النيابة العامة وقاضي التحقيق وقاضي الإحالة، بما في ذلك إصدار مذكرات التوقيف والقبض والحجز الاحتياطي على أموال المتهمين. وشملت صلاحياتها التحقيق مع أصحاب المناصب والموظفين المدنيين والعسكريين وكل من يعمل أو يندب الى خدمة عامة. غير أن ردة الفعل الحادة التي أبدتها "أنياب" تلك الطبقة على اللجنة، جمّدت عملها عند نقطة محددة، وشلته نهائياً. إلا أن انفجار "الأزمة" بعد مجزرة المدفعية في حزيران يونيو حتم إدخال إصلاحات هيكلية جديدة في بنية النسق السياسي السوري. فطرحت الجبهة الوطنية التقدمية، في أواخر أيلول سبتمبر 1979 برنامجاً يقوم على الإصلاح والحوار، وتم في ضوئه تشكيل الأسد في 4 ت1 أوكتوبر 1979 للجنة "تطوير الجبهة الوطنية التقدمية" التي شرعت بعقد لقاءاتها مع النقابات والقوى السياسية المعارضة.
صدرت معارضة بيان "الجبهة" بشكل أساسي عن الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي بقيادة رياض الترك الذي اعتبر أن السلطة عاجزة حتى عن تحقيق ذلك. ودعا الى تغيير ديموقراطي جذري وجوهري. ولعب هذا الحزب في مواجهة ذلك دوراً أساسياً في تشكيل "التجمع الوطني الديموقراطي"، في ؤاخر عام 1979، الذي ضم خمسة أحزاب قومية و يسارية معارضة هي: الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي رياض الترك، وحزب العمال الثوري حمدي عبدالمجيد، وحزب الاتحاد الاشتراكي العربي جمال الأتاسي، وحركة الاشتراكيين العرب عبدالغني عياش، وحزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي ابراهيم ماخوس. وتم استبعاد كل من "رابطة العمل الشيوعي" و"حزب البعث القومي" المرتبط بالقيادة القومية في بغداد من عضويته، بسبب تحفظ رياض الترك عن "الرابطة" ورهن "البعث القومي" مشاركته بتبني أسلوب الكفاح المسلح عن رياض الترك.
تم في هذا السياق في 8 ك1 ديسمبر انتخاب أعضاء المؤتمر القُطري السابع مباشرة من اجتماعات الشعب الحزبية. وانعقد ما بين 22 ك1 1979 و6 ك2 يناير 1980 بحضور 518 عضواً أصيلاً و256 عضواً مراقباً. وقد برز في المؤتمر تياران متعارضان هما التيار الراديكالي الاستئصالي وتيار المصالحة الوطنية. وقد تصدر التيار الأول العقيد الركن رفعت الأسد قائد "سرايا الدفاع" الذي طلب من المؤتمر، بناء على أن "حماية الثورة" هي من مهام "السرايا"، تفويضاً بتصفية "العصابة" أسوة بستالين الذي ضحى بعشرة ملايين للمحافظة على الثورة البلشفية، وطلب الولاء المطلق، فأولئك الذين ليسوا مع النظام يجب اعتبارهم من الآن فصاعداً معادين له باتريك سيل. في حين تصدر الأمين العام المساعد رئيس لجنة تطوير "الجبهة" عبدالله الأحمر، التيار الثاني. وقد أقر المؤتمر توصية ب"تكثيف الحملة أمنياً وسياسياً لتصفية عصابة حزب الإخوان المسلمين والقضاء على مرتكزاتها في الدولة والمجتمع تقرير السياسة الداخلية الى المؤتمر القُطري السابع. وهو ما انطوى على قرار بحملة "تطهير" تنتهج سياسة "تجفيف الينابيع"، بقدر ما اعترف بأن الأزمة هي أزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية تعود أساساً الى "الممارسات داخل الحزب وفي الدولة والمجتمع". وتتمثل الممارسات، وفق المؤتمر، بتضخم "الظواهر السلبية" التي أدت الى اختناقات معاشية واسعة، وفجوة كبيرة في توزيع الثروة، و"بروز طبقة جديدة في المجتمع ذات ثراء وجشع كبيرين، نمت كالطفيليات في ظل خطة التنمية وسلبيات تطبيقها"، و"أساليبنا الخاطئة كحزب قائد في تطبيق الديموقراطية الشعبية. وأصبح لدينا عناوين ديموقراطية لممارسات غير ديموقراطية" و"النزوع العام نحو تجاوز الأنظمة والقوانين وحقوق المواطنين وقلة الانضباط العام في مؤسسات الدولة، وانتشار الوساطة والاستثناءات والرشاوى، والتسيب والإهمال والقصور، وتدني الشعور بالمسؤولية، وقلة المحاسبة". واعترف المؤتمر بأن "هذه المساوئ وإن وجدت سابقاً في قطرنا... لكنها لم تكن معروفة داخل سورية بهذه الشمولية يوماً من الأيام". التقرير نفسه.
4- من اضطرابات شباط فبراير - آذار مارس 1980 الى عصيان حماة شباط 1982: انتصار التيار الاستئصالي
بحلول شباط 1980 توضح تبلور ثلاث كتل سياسية أساسية في أزمة الثمانينات هي الكتلة "الجبهوية" الجبهة الوطنية التقدمية، والكتلة "الإسلامية"، والكتلة "الديموقراطية" التجمع الوطني الديموقراطي. وقد تحصنت الكتلة الجبهوية بالسلطة، والكتلة الإسلامية ب"الطليعة المقاتلة"، والكتلة الديموقراطية بالنقابات المهنية والعلمية التي كان نفوذ البعث فيها محدوداً للغاية، ولا يتعدى 1217 عضواً ما بين نصير وعامل، من أصل مجموعة أعضائها البالغ 11230 عضواً. وقد تقدم الأسد، في 13 شباط 1980، من خلال "الجبهة" ببرنامج "مصالحة وطنية" يقوم على الإصلاح ضمن الاستمرارية، ويلتقي مع المعارضين "الإسلاميين" و"الديموقراطيين" في منتصف الطريق. وحدد البيان الإجراءات العملية التي قامت بها السلطة وستقوم بها ب"تشكيل حكومة تكنوقراط، وتبني سياسة القضاء على نشاط رأس المال الطفيلي والوسطاء والسماسرة في دوائر الدولة ومؤسساتها، وحصر اختصاص محكمة أمن الدولة العليا في الجرائم التي تتعلق بأمن البلاد وسلامتها، وتنفيذ الأحكام القضائية أياً كان نوعها وحجمها. وتطبيق أحكام القانون على الجميع، ومنع إعطاء استثناء لأي إنسان، وضبط سلوك العاملين في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وتشكيل لجان خاصة لدراسة إضبارات الموقوفين، واتخاذ الإجراءات الفورية لإطلاق سراح من ثبتت براءته منهم، أو إحالتهم الى القضاء و"تطوير الجبهة الوطنية التقدمية حيث تأتي ممثلة لأوسع الجماهير، ومعبرة عن الاتجاهات الوطنية، ومهما تعددت الطرق "الى المزيد من العمل الجاد لبناء صمود الوطن"، المؤتمر القومي الثاني عشر. ودان البيان "أعمال الإجرام"، إلا أنه تجنب أي إشارة، من قريب أو بعيد، إلى "الإخوان المسلمين". وكان ذلك يعني ضمناً طرح الحوار مع "الإخوان المسلمين".
وتم فعلياً في شباط الإفراج عن عمر قشاش، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري جناح الترك، وعن معتقلي "رابطة العمل الشيوعي" في حملتي 1977 و1978، وعن حوالى 500 كادر من كوادر التنظيم العام ل"الإخوان المسلمين" كان معظمهم قد اعتقل في حملة شباط - نيسان 1979. وقد قامت لجنة تطوير الجبهة بالاتصال مع جميع الأطراف، لاسيما أطراف "التجمع" و"رابطة العمل الشيوعي". وكلف الرئيس الأسد الشيخ أمين يكن 1937- 1999، نائب المراقب العام في الستينات، بالحوار مع "الإخوان". فدخل، بموجب هذه المبادرة، علي أبو الصدر البيانوني رئيس المكتب التنفيذي ل"الإخوان" السوريين، في ضوء ذلك وفي أوائل شباط، الى حلب. وأصدر "العلماء" بيان تهدئة وقّع عليه الشيخ طاهر خير الله واثنان من أبرز قادة الطليعة هما عدنان عقلة وحسني عابو. وكادت مبادرة الرئيس أن تصل منذ بدايتها الى طريق مسدود، إذ ان الأمين القطري المساعد، محمد زهير مشارقة الذي أوفده الرئيس على رأس لجنة قطرية الى حلب قد استخدم أسلوباً غليظاً" في الحوار مع مفاوضيه "الإسلاميين"، وهددهم أكثر مما حاورهم، ما دفعهم الى قطع الحوار معه.
وهذا ما أغضب الرئيس على ما يبدو، وعرَّض مشارقة الى احتمال تنحيته عن قمة الحزب. فاستبدل الرئيس لجنته بلجنة أخرى على رأسها عبدالله الأحمر، الأمين العام المساعد، الذي عمل بأسلوب "التهدئة" و"الوفاق" و"تأليف القلوب". وقد عبر مشارقة على نحو ما عن التيار الاستئصالي بقدر ما عبَّر الأحمر عن تيار المصالحة الوطنية. والأحمر طرح في اجتماع قيادي بحلب أنه "ما دمنا نطرح المصالحة الوطنية داخل الحزب فلماذا لا نطرحها خارجه". وقد وعد الإخوان على ما يبدو بحصة مرموقة في الحكومة وأجهزة الحكم المحلي، وتشكيل "حزب محافظين" في سورية يتم ضمه الى "الجبهة" بعد توسيعها. وتم في هذا السياق إشاعة الأجهزة الأمنية عبر مندوبيها السريين أن الدكتور ابراهيم السلقيني، أحد شخصيات "الإخوان" "المعتدلة"، سينضم الى "الجبهة الوطنية التقدمية".
أدت سياسة "المصالحة الوطنية" الى تغيير جوهري في موقف "رابطة العمل الشيوعي" التي جمّدت شعارها السابق ب"إسقاط النظام فوراً حتى لا تصب جهودنا في طاحونة الرجعية". وشعارها "لا نساعد الرجعية على تحقيق هدفها... نوجه نحوها جهداً سياسياً ومكثفاً لكشفها وتعريتها". في حين دان "التنظيم الشعبي الناصري"، في أوائل شباط عام 1980، "المنهج الإرهابي للإخوان وعنف السلطة"، إلا أنه تمسك بشعار متطرف يدعو الى "إسقاط هذا النظام باعتباره ضرورة قومية واجتماعية". غير أن سياسية "المصالحة الوطنية" اصطدمت بمعارضة "الكتلة الديموقراطية" التي حال رياض الترك دون إدانتها لأسلوب العنف الذي انتهجه "الإخوان المسلمون"، انطلاقاً من أن التناقض الأساسي هو مع النظام وليس مع "الإخوان"، وأن ما تشهده البلاد هو "تحرك شعبي" و"انتفاضة شعبية" تتجاوز السلطة و"الإخوان". واصطدمت "المصالحة"، على مستوى الكتلة الإسلامية، بمعارضة "الطليعة" التي اتهمت القيادة الإخوانية باستغلال نجاحات "الطليعة" لإبرام صفقة مع النظام تحقق مكانة لها في السلطة عن أمين يكن، كما دعت أطراف الكتلة الديموقراطية "للعودة الى جحورها" بيان "الطليعة".
تحول إضراب - عصيان آذار مارس 1980 المدني الذي كسرته دمشق الى اضطرابات وأحداث شغب انهارت فيها مبادرة "المصالحة الوطنية"، وسمحت ل"صقور" التيار "الاستئصالي" باستلام زمام المبادرة. وتم تفتيش الجيش لمدينتي حماة وحلب، وحدثت موجة "عنف ثوري" عات، حاول الرئيس أن يعطيه طابعاً حزبياً، يواجه فيه الحزب وحلفاؤه في "الجبهة" حزب "الإخوان المسلمين". وتم في هذا السياق المضطرب عسكرة الحزب والمنظمات الشعبية، لا سيما منها منظمة "اتحاد شبيبة الثورة" التي تبنت شعار "الشبيبة العقائدية المقاتلة". وإزاء انهيار الجهاز المدني للحزب في حلب يبدو أنه قد تم التفكير بتشكيل "تنظيم طليعي" سري في الحزب مستقل عن الأمن. غير أن الرئيس سرعان ما اعتبر المجابهة الدامية سياسة استثنائية فرضها منطق الحفاظ على الدولة. ففاجأ الشباب في 23 آذار 1980 بأن "الإخوان المسلمين في سورية ليسوا جميعاً مع القتلة بل كثير منهم، والقسم الأكبر ضد القتلة ويدين القتل... هؤلاء، أيها الشباب، لا خلاف لنا معهم إطلاقاً، بل نحن نشجعهم، ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين". وميز الرئيس ما بين "القطاع المحافظ" و"الرجعية"، وانتقد علناً تصرف مظليات "الشبيبة"، بدفعٍ من رفعت الأسد، بخلع الفولارات والحجاب عن رؤوس نساء دمشق. وكان ذلك رسالة واضحة بأن الأصل في سياسته هو المصالحة الوطنية.
حاولت خلية إخوانية مزروعة في جهاز حماية الرئيس أن تختطفه في 26 حزيران يونيو 1980. إلا أن محاولة الاختطاف تحولت الى محاولة اغتيال نجا الرئيس من قنابلها بأعجوبة. وحين أقسم رفعت الأسد، قائد "سرايا الدفاع"، على "محو دمشق" أبعده الرئيس عن العاصمة. فصرف رفعت "غضبه الى مكان آخر"، وأمر "وحدتين من سرايا الدفاع" ب"مهاجمة سجن تدمر" فقتل "خمسمئة سجين". وفي محاولة لإسدال ستار قانوني على المذبحة، قيل في ما بعد إن السجناء قد حكمت عليهم بالموت "محكمة ميدانية ذات صلاحيات استثنائية" سيل. هنا عادت المجابهة الدامية الى نقطة الصفر، وأقر مجلس الشعب في تموز 1980، على إيقاع ما سمي حزبياً ب"الانتفاضة الشعبية العارمة ضد عصابة الإخوان المسلمين"، القانون 49 الذي ينص على عقوبة الإعدام لكل من ينتسب الى "الجماعة"، ولا ينسحب منها خطياً خلال شهر واحد. وكان الانتقام قاسياً إذ استثنى القانون الموقوفين من الاستفادة منه.
ألحقت إجراءات "العنف الثوري" "خسائر فادحة" ب"الإخوان" على حد تعبير عدنان عقلة في بيان مسجل بصوته، أدت الى "تقلص مد الثورة" و"ذبوله" سعيد حوى. وقامت السلطة في 8 ت1 أوكتوبر 1980 بحملة اعتقال شاملة ضد جناح المكتب السياسي. وأتت هذه الضربة في اللحظة التي كان مقرراً فيها للجنة المركزية للحزب أن تناقش آراء منظمات الحزب، وتقرر في ضوئها الاستمرار بسياسة الحزب من الإخوان أو إدانتهم. إلا أن تشكيلات "الطليعة"، لا سيما في دمشق وحماة، استمرت في المواجهة التي توجت بالتفجير الدموي اليائس في شباط 1982 في حماة. وفي يوم 11 آذار 1992 الذي أنهت فيه القيادة الإخوانية ما سمته ب"نفير حماة"، أعلنت عن انضمامها الى "التحالف الوطني لتحرير سورية" في بغداد، الذي تألف قوامه الأساسي من "الإخوان" والبعثيين القوميين. وبذلك انتهت المواجهة بهزيمتها العسكرية.
5- انشقاق المؤسسة العسكرية وتطويقه:
كانت المؤسسة العسكرية بما فيها الأمنية موحدة في المواجهة الحاسمة مع "الإخوان" ولم يلعب الجهاز المدني للحزب، رغم تعسكره والبناء الميليشياتي لمنظماته الشعبية، سوى دور صغير فيها، بل انهار نهائياً. وشرع في تشكيل نوع من تنظيم طليعي بديل منه يبدو أنه كان محلياً. غير أن هذه المؤسسة ما كادت تنتصر على أخطر عصيانٍ عسكري ومدني واجه سلطة الحزب منذ عام 1970، حتى أخذت نذر الانشقاق تدب فيها. وقد أطلق مرض الرئيس الأسد، ودخوله في الأسبوع الثاني من كانون الأول ديسمبر 1983، للمرة الثانية، غرفة العناية المشددة، هذه النذر دفعة واحدة. ووفق رواية باتريك سيل وهي تكاد أن تكون الرواية الوحيدة المعتبرة التي يمكن الركون اليها، شكل الرئيس الأسد من على سريره "لجنة سداسية"، لتسيير الدولة في غيابه، تألفت من رئيس الحكومة الدكتور عبدالرؤوف الكسم، ووزير الدفاع اللواء مصطفى طلاس، والأمين القطري المساعد محمد زهير مشارقة، ورئيس هيئة الأركان اللواء حكمت الشهابي، والأمين العام المساعد عبدالله الأحمر، ووزير الخارجية عبدالحليم خدام. وكان جميع أعضاء هذه اللجنة أعضاء في القيادة القطرية المؤلفة من تسعة عشر عضواً. إلا ان القادة العسكريين الأساسيين فزعوا من التغيرات المحتملة التي قد تنجم عن احتمال غياب الرئيس، فاتجهوا الى العميد رفعت الأسد، قائد "سرايا الدفاع"، بحثاً عن قيادة بديلة. فاجتمعت القيادة القطرية التي كان رفعت عضواً فيها، وقررت اعتبار نفسها قيادةً جماعية بدل "اللجنة السداسية". وبذلك أصبح رفعت الأسد في قلب المؤسسة التي يمنحها الدستور حق ترشيح من تراه مناسباً لشغل منصب الرئيس في حال غيابه. وكانت تحدَّدت وظيفة استبدال "اللجنة السداسية" ب "القيادة القطرية" بإدخال رفعت الى مركز القرار.
كان رفعت الأسد قائداً ل"سرايا الدفاع" التي مثلت وحدة عسكرية نخبوية مستقلة ذاتياً، وتدين بالولاء له. فكان رفعت ينادي فيها ب "القائد"، في حين ينادي الرئيس ب "السيد الرئيس". وقد تحددت مهمة هذه الوحدة، منذ أن أسسها اللواء محمد عمران بعد 8 آذار، ب "الدفاع عن الثورة". ومن هنا أتت تسميتها "سرايا الدفاع". وقد تمركزت، تبعاً لمهمتها، في دمشق إلا ان رفعت حوَّلها طرداً، مع تزايد مكانته العسكرية والحزبية، الى جيشٍ مواز أو نوع من جيش داخل جيش يمتلك أجهزة متكاملة، فضلاً عن جهاز مدني هو "رابطة الدراسات العليا" .... وتبنى رفعت ... فهماً لموقع سورية في المحيط الاقليمي العربي والدولي الذي كان محكوماً وقتئذ بالحرب الباردة، يقوم على التكيف مع الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وتحويل العلاقة الاستراتيجية مع السوفيات الى علاقة طبيعية أو اعتيادية ما دون استراتيجية، والاندراج في المحور المصري - السعودي الاقليمي، بما يعنيه ذلك الوقوف الى جانب العراق في الحرب العراقية - الايرانية، ودعم سياسة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات ضد المنشقين الراديكاليين عنه من جماعة أبو موسى، وتطبيع العلاقات مع "القوات اللبنانية"، واعادة هيكلة السلطة السورية على نوع من أسس ليبيرالية اقتصادية وسياسية نسبية كما جاء على لسان رفعت الأسد في أشرطة مسجلة بصوته.
كان هذا البرنامج يتناقض حرفاً حرفاً مع سياسة الرئيس الأسد، الذي دخل يومئذ في مواجهة عسكرية وسياسية مباشرة مع الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وأطرافها الاقليمية التي حاولت أن "تكسر عظمه" بشكل قاصم. ويبدو ان الرئيس - كما يمكن الاستنتاج من مجريات الأمور - كان على دراية بضلوع شقيقه رفعت في هذا البرنامج، وتشكيله نوعاً من حصان "طروادة" أميركي في السلطة. ومن هنا لم يكن مفارقة أن يبدي، فور علمه بما حدث بعد صحوته من الغيبوبة في منتصف كانون الأول 1983"سخطاً شديداً" على كبار ضباطه، "فاستدعاهم ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة وبذلك فتحوا الباب لأخطار غير متوقعة، أو لم يروا ان دفع رفعت الأسد الى المقدمة كان خطة ... لإزاحته عن الحكم" سيل. ولم تتوضح حتى اليوم دوافع اللواء حكمت الشهابي، رئيس هيئة الأركان يومئذ، في تحريض رفعت ودفعه الى المقدمة: أكانت على صلة بمخطط مسبق؟ ذلك في حال صحة رواية سيل.
صعق هذا التقييم الحاسم كبار "الجنرالات" وجعلهم يصطفون كتلة واحدة في مواجهة رفعت، وشرعوا سراً في تحضير مفاجأة تكتيكية تضع حركته في نطاق السيطرة، في حين مضى رفعت الأسد في "انقلابه" ... وكانت خطته وفق بعض المصادر في منتهى البساطة، وتقوم على حضور احتفال الثامن من آذار مارس في مدرج جامعة دمشق، وإلقائه خطاباً يعلن فيه انه قد تسلم رئاسة الجمهورية بالوكالة بمرسوم من الرئيس، ريثما يعود الى مزاولة عمله بصورة اعتيادية، واعلانه إلغاء الأحكام العرفية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وحل الحكومة وتكليف الدكتور إياد الشطي تشكيل حكومة جديدة.
تم، استباقاً للانقلاب الوشيك، تطويق قوات رفعت، ووضعت "الوحدات الخاصة" بقيادة العميد علي حيدر في مواجهة وحداته من "سرايا الدفاع" حول مقر هيئة الأركان. فأصبح انقلاب رفعت، من الناحية التكتيكية، "مطوقاً" ومقدراً له ان يتحول الى مجرد "تمرد" في حال الاستمرار فيه، فضلاً عن شق "سرايا الدفاع" بتمرد احد ألويتها على رفعت، ومحاصرة هذا الأخير له. غير ان دمشق أصبحت على كف عفريت، وتترقب وقوع كارثة. وفي ليلة 29 شباط - 1 آذار 1984، قررت القيادة القطرية حل الأزمة بتعيين ثلاثة نواب للرئيس هم: عبدالحليم خدام، ورفعت الأسد، وزهير مشارقة، واعفاء رفعت بالتالي من قيادة "سرايا الدفاع". وأسقط الأمر في يد رفعت وبوشر بتوقيف المحسوبين عليه والتحقيق معهم، وتم إعفاء بعض قياديي فروع الحزب الذين تورطوا في ارسال برقيات ولاء له تحت ستار "التهنئة" وتم كبح جماح بعض رؤساء المنظمات الشعبية الموالين له. في أثناء هذا التطويق الذي شلَّ حركة رفعت، أضاف الى جملة مطالبه مطلباً جديداً يتلخص في محاسبة المسؤولين عن أحداث حماه، في اشارة يقصد بها العميد علي حيدر، قائد "الوحدات الخاصة" التي تواجه "السرايا"، مع أنه سبق له، حين أبعده الرئيس عن دمشق في حزيران يونيو 1980، أن بادر وقام بإفناء المعتقلين في سجن تدمر. وفي الثلاثين من آذار 1984 أمر، في خطوة طائشة، "سرايا دفاعه" بالتحرك بقوة الى دمشق والاستيلاء على السلطة سيل. ولم تكن هذه الخطوة الطائشة تعني أكثر من وقوع كارثة. من هنا نزل الرئيس بنفسه وكبح جموح رفعت وامتصه تماماً، وأمر بنفسه وحدات "السرايا" بالعودة الى الثكنات.
تم للتو الشروع بتفكيك "مركز قوة" رفعت، وأعادت وحدات الجيش، بما فيها "سرايا الدفاع" بعد اعادة هيكلتها، رمزياً ترسيخ وحدتها خلف الرئيس ووقعت كل وحدة رسالة ولاء ممهورة بالدم، أطلق فيها لأول مرة شعار جديد هو: "قائدنا الى الأبد الأمين حافظ الأسد". وهو شعار أكثر فخامة وكاريزمية من شعار "قائد المسيرة" الذي أطلقه المؤتمر القطري الخامس 1971. وبغية اعطاء "درس" يوضح لجنرالات الصراع موقع القوة الحقيقي، أرسل الرئيس على متن طائرة سبعين من كبار الضباط، بمن فيهم رفعت، الى موسكو في اجازة اجبارية. وقد تم بعد فترة وجيزة استدعاؤهم، ما عدا رفعت الأسد الذي اختار، بدءاً من الخامس من حزيران 1984، الاقامة في جنيف. وفي أواخر تشرين الثاني نوفمبر 1984 تم احتواء رفعت تماماً، وتحديد مهامه كنائب لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن، على أن يعمل ضمن سياسة الحزب وتوجيهات الرئيس.
وبعيد ذلك انعقد المؤتمر القطري الثامن 5-20 ك2 1985 في دورة اعتيادية وفق احكام النظام الداخلي. ولم تشر تقارير المؤتمر من قريب أو بعيد الى "أزمة" رفعت الأسد. غير ان المؤتمر وضع رفعت موضع النقد الحاد. فكان رفعت في المؤتمر الثامن في عزلة شبه تامة بعد ان كان نجم المؤتمر السابع. وبغية احتوائه نهائياً، تم تشكيله في عضوية اللجنة المركزية المنبثقة من المؤتمر وفي عضوية القيادة القطرية، لكن من دون أي صلة مباشرة مع الجهاز الحزبي تم في عام 1998 اعفاؤه من منصب نائب رئيس الجمهورية وطرده من الحزب ومن عضوية القيادة القطرية، وفي عام 1999 تم قطع آخر شعرات معاوية معه، واعلان أنه مطلوب. وكان هذا الاحتواء ضرورياً إذ ظل رفعت خلال اقامته الأولى في الخارج 28 أيار - 26ت1 1984 يرسل من مكتبه الاعلامي في باريس اشارات تحذيرية، ويشغل المعنيين بترقب بيان مهم.
وفتحت الأجهزة الأمنية السورية حواراً مع قيادات التنظيم العام للإخوان المسلمين عدنان سعد الدين، والطلائع الاسلامية عصام العطار، والطليعة المقاتلة هاشم شعبان خليفة عدنان عقلة في قيادة الطليعة. وقد انشق التنظيم العام بتأثير ذلك الى جناح معارض لاستمرار المفاوضات يقوده عدنان سعد الدين، وجناح مؤيد للمفاوضات يقوده الشيخ عبدالفتاح أبو غدة وعلي أبو الصدر البيانوني، ويحظى باعتراف مكتب الارشاد العام للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين. في حين تم استيعاب جماعة العطار، واعلان "الطليعة المقاتلة" رسمياً في أوائل كانون الثاني يناير عام 1985 عن انهاء جميع العمليات المسلحة في سورية. وبذلك تم منذ ذلك الوقت ابرام نوع من هدنة ما بين السلطة والإخوان لما تزل مستمرة إلى الآن.
6- واقع التنظيم الحزبي:
ليست هناك معطيات دقيقة عن درجة تأثر التنظيم الحزبي بانشقاق المؤسسة العسكرية ابان "انقلاب" رفعت الأسد إلا انه يمكن القول إن الحزب شهد ما بين عام 1980 ونهاية عام 1984 أكبر عملية "تطهير" في صفوفه منذ عام 1970. إذ تم فصل 3242 عضواً عاملاً، أي ما يعادل 4.13 في المئة من مجموع جهاز الأعضاء العاملين. وهي نسبة كبيرة اذا ما قرأناها في ضوء سياسة التحوط التقليدي عن فصل الأعضاء العاملين. إلا ان التطهير الأكبر والأشمل تم في صفوف الأنصار، فبلغ عدد من تم فصلهم، حتى نهاية عام 1984، حوالى 13358 نصيراً، أي ما يعادل ثلث عدد الأنصار. تقرير المؤتمر القطري الثامن وقد فصل هؤلاء في الظاهر عموماً لأسباب تنظيمية تتعلق بمظاهر "التسيب والاسترخاء"، بل الانقطاع التام فعلياً الذي عمت ظاهرته الجهاز الحزبي نتيجة التنسيب "الكيفي العشوائي بهدف بلوغ الأرقام المقررة في الخطة". إلا أن قدراً معيناً يصعب تقديره قد تم فصله لأسباب تتعلق على الأرجح بشبهة القرب من "الإخوان المسلمين" اذ ظلت عملية فصل الأعضاء الذين يمتون بصلة قرابة، وحتى الدرجة الرابعة من أحد أعضاء جماعة "الأخوان المسلمين" قائمة على قدم وساق في فرع حلب حتى أواسط الثمانينات، مع ان السياسة التنظيمية المركزية الداخلية كانت توجه لاستيعاب حتى أشقاء "الأخوان المسلمين" في الحزب.
يبدو الحزب هنا، تبعاً لنسبة التطهير أقرب الى حزب - مصفاة، أي الحزب الذي يمر به منتسبون عابرون لدوافع كثيرة. فقد زاد عدد الأنصار، في نهاية عام 1984، بمعدل 38.32 في المئة على عددهم في أوائل عام 1980. وكانت الزيادة أساساً في قطاع الطلاب الذي شكل، في آخر عام 1984، نسبة 69.49 في المئة من الحجم العام للجهاز الحزبي، اي ما يقرب من نصفه. وتمثل العامل الأساسي لهذه الزيادة في الاستفادة من مزايا منظمة الشبيبة التي تتمتع بنسبة 25 في المئة من مقاعد الجامعة في كل عام دراسي. كما زاد عدد الأعضاء العاملين من 44536 عضواً عاملاً، في بداية عام 1980، الى 102392 عضواً عاملاً في نهاية عام 1984، اي بزيادة تبلغ نسبة 9.129 في المئة. وقد تمت هذه الزيادة بعامل التطور التنظيمي الطبيعي، الا انها تمت أساساً من خلال منح العضوية العاملة استثنائياً ل 8699 نصيراً شاركوا في دورات القفز المظلي. وعلى رغم ذلك كله فإن الحجم العام للجهاز الحزبي لم يتجاوز نسبة 36.8 في المئة من عدد السكان الذين هم في سن التنسيب، أي حوالى العشر تقريباً.
في انتظار المؤتمر التاسع
جرت تحضيرات لعقد المؤتمر القطري التاسع في دورته الاعتيادية عام 1989، الا ان هذا المؤتمر لم ينعقد بفعل عوامل كثيرة داخلية واقليمية ودولية مركبة، فرضت على دائرة صنع القرار في سورية التي يشكل الرئيس مركزها نوعاً مما يمكن تسميته بموقفٍ "انتظاري" ترقب يومئذ انعكاسات أفول الحرب الباردة، اثر عملية "البيرسترويكا" السوفياتية، وما تمخض عنها من انهيار المنظومة السوفياتية في أوروبا الشرقية، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي نفسه بعد حين .... تجمدت القيادة الحزبية تبعاً لذلك في نوعٍ من طبقة بيروقراطية حزبية مسيطرة على أجهزة الحزب والدولة. وأدى هذا الجمود تلقائياً الى تجفيف دورة اساسية من دورات حيوية الادارة الحزبية والحكومية، وتجديدها بدماء الأجيال الجديدة التي تتطلع الى ادوار لها، وليست هذه الدورة الا دورة دوران النخبة التي وصلت معدلاتها الى أدنى درجة التسعينات. غير ان هذا الجمود أو "الاستقرار"، كما يسمى في مفهوم الطبقة المسيطرة عن نفسها، ينتج نمطياً صراعاً من نوع جديد في بنية هذه الطبقة، هو الصراع التقليدي داخل النخبة المسيطرة حول مصالح ومكاسب معينة. وقد برزت النمطية النقية لهذا الصراع في بعض الفروع، ولا سيما فرع اللاذقية، الذي أدى احتدام الصراع الداخلي فيه ما بين النخب الحزبية والحكومية والأمنية المحلية العليا في الفرع، الى اقالة جميع رؤوس هذا الصراع، وابقاء المحافظة دون أية قيادات علنية ظاهرة. ويدل ذلك على أن نمط الصراع التقليدي داخل النخبة في سورية لم يعد يشكل اي تهديد للنسق السياسي المهيمن، بحكم أن سقف صراعاته ليس شكل هذا النسق أو مضامينه بل مصالح معينة متركزة حول السلطة.
وقد كانت اقالة الرئيس جماعياً لهذه الرؤوس، من دون تعيين بديل منها رسالة الى بعض الرؤوس التي تعتقد أنها محور القوة في النظام. إذ ان "أخطر" صراعٍ تقليدي داخل النخبة تم بعد تطويق "انقلاب" رفعت الأسد واحتوائه. فقد توهم بعض "الجنرالات" - على رغم توجيه الرئيس لهم درساً بليغاً بأنه هو مركز القوة الحقيقي حين أرسلهم في أواخر أيار مايو 1984 في اجازة اجبارية الى موسكو - ان دورهم الحاسم بتطويق "انقلاب" رفعت، يتيح لهم ان يعتبروا أنفسهم الركائز الفعلية للنظام سيل، وأن يتطلعوا ويضغطوا جدياً للاعتراف بمكانتهم الجديدة كشركاء في القرار. ولم ينطو ذلك بحكم سقف الصراع التقليدي في النخبة على الحلول مكان المؤسسة الرئاسية نفسها، لكنه انطوى على محاولة وضع هذه المؤسسة تحت رحمتهم وإحكام السيطرة على الحكومة، وتحويل "الرئيس" الى نوع من "بريجنيف" سوري.
وقد ضغط هؤلاء "الجنرالات" بشكلٍ خاص لترحيل حكومة عبدالرؤوف الكسم التي استفزتهم بإجراءاتها "الاصلاحية" الرقابية والتنفيذية، وربما كانوا ضالعين في اسقاط بعض وزرائه عبر عملية سحب الثقة التي يتيحها قانون مجلس الشعب. من هنا نقل الكسم الى موقعٍ آخر، ذي أهمية نوعية، هو موقع رئيس مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية الذي يشرف حزبياً على السياسة الأمنية العامة، وبشكل خاص على عمل ادارة أمن الدولة التي ترتبط رسمياً بمكتب الأمن القومي في القيادة القطرية. وكرر الرئيس درساً ايضاحياً آخر باحالة هؤلاء "الجنرالات"، بموجب قانون الاحتياط، الى التقاعد، واراحتهم قليلاً في بيوتهم ثم استدعائهم للخدمة كجنرالات احتياط. وتم تلقين احد أهم وجوههم، وهو اللواء علي حيدر قائد "الوحدات الخاصة"، "درساً بليغاً بمعاقبته واحالته على التقاعد من دون ان يتمكن من فعل شيء" فان دام. وكان ذلك رسالة حاسمة بأن أي مركز للقوة لا قيمة له على مستوى ما قد يسمى ب "مراكز القوى" اذا لم يرغب به الرئيس لأسباب تكون لديه، على العموم، مبررة ومحددة.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.