اثارت مواقف الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي وتحالفاته، لا سيما إبان ما بات يعرف في الحوليات السورية بأزمة الثمانينات اسئلة اشكالية حادة، داخل الحزب وخارجه. وقد انبعثت هذه الاسئلة مجددا وتصدرت الواجهة اثر الافراج عن رياض الترك الأمين الأول للجنة المركزية في حزيران يونيو الماضي. ولا يمكن فهم هذه المواقف بمعزل عن تطور التيار "التصعيدي" في الحزب، الذي انسجم مع تركيبته الشابة وتوجهاته الماركسية الجديدة. كانت المشكلة الأساسية التي واجهت الحزب بعد عقده للمؤتمر الرابع في كانون الأول ديسمبر 1973 وهو أول مؤتمر يعقده بعد الانشقاق سياسية، وتتصل بالخلاف حول مدى صلاحية "البرنامج السياسي" الذي صيغ في حزيران 1970 ابان حكم الشباطيين الذين حكموا سورية ما بين 1966 و1970 للمرحلة الجديدة التي ارتبطت بقيام الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1970، وهو البرنامج الذي شكل مشروعه قاعدة انشقاق الحزب الشيوعي السوري الى شطرين. اذ اقره جناح المكتب السياسي في سياق صراعه ضد بكداش، واعتبار نفسه محور الشيوعية دون اي تعديل. مما اوقع الحزب الفتي في ضوء الواقع الجديد الناتج عن استقرار الحركة التصحيحية، في تخبطات وخلافات فكرية حادة بين من يتمسكون بمنظورات البرنامج الذي كان يراعي استمرار المرحلة الشباطية وبين من يطرحون تقييم الواقع الجديد بمنظورات مختلفة. وأدى احتدام هذه الخلافات الى تعليق "البرنامج السياسي" عام 1970 واستبداله بافتتاحيات "نضال الشعب" وتحليلاتها. وبكلام آخر موجز ومكثف، شكلت مسألة وضع اسس برنامجية سياسية جديدة للحزب المحور الأساسي للصراعات الداخلية في جناح المكتب السياسي حتى انعقاد المؤتمر الخامس في كانون الأول 1978 وهو ثاني مؤتمر يعقده جناح المكتب. قدم هذا المؤتمر اسساً سياسية جديدة اكثر مما قدم اسساً فكرية متمايزة عن الماركسية المسفيتة بحكم ميراثها الثقيل في الحزب، وقيام التثقيف الرسمي الداخلي حتى ذلك الوقت على نصوصها المرجعية الأساسية، الا انه اطلق تطور الحزب فكرياً في فضاء المفاهيم الماركسية الجديدة غير المسفيتة، وجعله ينفرد عن سائر المنظمات اليسارية الجديدة يومئذ بوضعه مسألة الديموقراطية في اطار مفهوم المجتمع المدني وليس في الاطار الطبقوي الاشتراكي. ففي حزب جمعته اساساً معارضة بكداش، ويفتقد للوحدة الفكرية، لم يكن ممكناً له الاحتفاظ بوحدته من دون ايجاد فضاء حر نسبياً تتعايش فيه المنظورات والافكار والتقييمات المختلفة. وهو ما يفسر تحاشي المؤتمر الخامس مسألة الأسس الفكرية وتعويضها بوضوح الأسس السياسية التي بات يحكمها منذ عام 1976 بشكل واضح ما يمكننا تسميته بالتيار "التصعيدي" المسيطر على غالبية اللجان المنطقية واللجنة المركزية والمكتب السياسي. ومن هنا ارتبط وضع مسألة الديموقراطية في اطار مسألة المجتمع المدني، باستحقاقات تيار "التصعيد" السياسي في مواجهة السلطة، وهو امر مفهوم بالنسبة لحزب قرر وضع نفسه في المعارضة. لم يكن خط "التصعيد" مفاجئاً، اذ تعود جذوره الى عام 1970 حين كاد معارضو بكداش الذين شكلوا لاحقاً جناح المكتب السياسي، ان يزجوا الحزب في مواجهة مسلحة مع القيادة البعثية الجديدة التي وصلت الى السلطة اثر حركة 16 تشرين الثاني 1970 التصحيحية. من هنا عارض هؤلاء الذين كانت عواطفهم ورهاناتهم السياسية مع البعث "شباطية"، مشاركة الحزب في الحكومة عام 1970، وصوتوا عام 1972 ضد ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، وبالتالي ضد تحالف الحزب في اطارها مع البعث. ولعل ما له دلالة على البروز المبكر لتيار "التصعيد" ان رياض الترك اصرّ على الاكثرية التي أقرت ميثاق الجبهة والتحالف، ان ينص القرار استدراكاً على العبارة التالية "رغم ان النظام الحالي هو على يمين النظام السابق"، وهو ما مررته اللجنة المركزية ووافقت عليه. الا ان بكداش كان في بيان 3 نيسان ابريل 1972 قد استعدى السلطة علناً على جناح المكتب السياسي في الحزب. من هنا كتب رياض الترك في اواسط آذار 1972 اثر التصويت على ميثاق الجبهة بالاكثرية مقالاً في جريدة "نضال الشعب" عن الجبهة يوحي بمسافة وسطى بين "نعم" و"لا". والواقع انه خلال فترة الانشقاق 3 نيسان 1972 - 30 تشرين الثاني 1973 تحاشى الخروج من الجبهة رغم تصويته ضدها، فشارك بوزير في الحكومة وبممثل في القيادة المركزية للجبهة، وبثلاثة ممثلين في مجلس الشعب. الا ان "انشقاق" كتلة الثلاثي ظهير عبدالصمد، دانيال نعمة، ابراهيم الكبري عن جناح الترك في 30 تشرين الثاني 1973، والتحاقها ببكداش، افقد جناح المكتب السياسي ممثله في الحكومة وفي القيادة المركزية للجبهة، في حين حافظ على ممثليه في الفروع الجبهوية في المحافظات المتفق على تمثيله فيها، ودان المعارضة الاخوانية لمشروع الدستور، وشارك حتى عام 1976 في القوائم الجبهوية العمالية والطلابية. خلال فترة التحالف الضعيف ما بين جناح المكتب السياسي والبعث 1973 - 1976، حرص الحزب على تجنب توتير العلاقة، ولم يؤثر انتقاده لاتفاقية فك الاشتباك على الجبهة السورية في 31 ايار مايو 1974 على تحالفه، اذ تحاشى تخصيص السياسة السورية بنقده. الا انه ما ان اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية 13 نيسان 1975 حتى دعم الحزب مواقف اليسار اللبناني بشأن حسم الحرب، ومعارضته لپ"الوثيقة الدستورية" وبنود الرعاية السورية لتسوية الحرب. وقاده ذلك الى نقد صريح للسياسة السورية في لبنان، تبعه ولأول مرة وضوح في نقد السياسة الداخلية. من هنا كان طبيعياً ان يتوج هذا النقد الصريح بقرار انسحابه في كانون الثاني يناير 1976 من الجبهة، وبتبني خط "التصعيد". وإثر الدخول السوري الى لبنان في حزيران 1976 اصبح خط "التصعيد" سياسة للحزب. وقد عارضت هذا الخط انطلاقاً من عدم قدرة الحزب على تحمل عقابيله وأخطاره، كتلة في المكتب السياسي واللجنة المركزية، تتألف من عضوي المكتب السياسي يوسف نمر وصبحي انطون ومن بعض اعضاء اللجنة المركزية، كان من ابرزهم المحامي نبيه جلاحج. وباستثناء منطقتي دمشق والحسكة اللتين كانت المعارضة تسيطر عليهما، فان التيار "التصعيدي" بقيادة الأمين الأول رياض الترك، كان مسيطراً على غالبية المكتب السياسي واللجنة المركزية والمنطقيات. وعمل هذا التيار على تطويق معارضيه وعزلهم، حيث تم الحاق منظمات الجامعات بالمكتب السياسي مباشرة، وجرى وضع منظمة جامعة دمشق في مواجهة منطقية مدينة دمشق التي تسيطر عليها المعارضة يوسف نمر. وتلخصت وجهة نظر التيار "التصعيدي" في ان ما يحدد العامل السياسي ليس نمو التنظيم بل مدى قدرة خطه السياسي على التلاقي مع الحراك الاجتماعي السياسي وتلبية متطلباته. في حين تلخصت وجهة نظر معارضيه بتعليق التصعيد ما دام الحزب ليس قادراً على تحمل نتائجه. وفي هذا السياق كان واضحاً سيطرة التيار "التصعيدي" على الحزب من خلال تحكمه بصياغة "مشروع موضوعات المؤتمر الخامس"، التي عرضت على قواعد الحزب. وجاءت الملاحظات القاعدية متجاوبة مع خط التصلب السياسي في الموضوعات، وأيده 90 في المئة من المندوبين المنتخبين الى عضوية المؤتمر بالاقتراع السري. من هنا، حين انعقد المؤتمر الخامس في كانون الأول 1978 في مدينة حمص، فان 65 من اصل 75 عضواً أيدوا "المشروع". وقد اعطى الترك الذي باتت واضحة سيطرته على المؤتمر الحرية للمعارضين، حيث ألقى صبحي انطون عضو المكتب السياسي مداخلة مطولة عبر فيها عن وجهة نظر المعارضة التي رفضت ازاء عزلتها في المؤتمر تقديم مرشحيها الى اللجنة المركزية. وقال انطون في مداخلته في المؤتمر انه "اذا كان خالد بكداش ديكتاتوراً بدون نظام داخلي فان رياض الترك هو ديكتاتور بنظام داخلي". اذ كان الترك على مهارة تنظيمية عالية في عزل معارضيه وتطويقهم بطريقة مواجهتهم بالهيئات وعزلهم بواسطتها. وكان ابرز ما صاغه المؤتمر هو الترجمة الليبرالية لمفهوم "الثورة الوطنية الديموقراطية" الماركسي/ والتي كانت ترجمة للتصعيد السياسي في مواجهة السلطة، وبذلك اكتسب جناح المكتب السياسي لأول مرة صفة الحزب المعارض بشكل مكتمل، وهي الصفة التي تناغمت مع حيوية التركيبة الشابة للحزب، اذ شكل الاعضاء الشباب ممن هم تحت سن الثلاثين في كانون الأول 1978 حوالى 40 في المئة من الاعضاء. وهو ما يدل على ترك نسبة هامة من الاعضاء القدامى للحزب. وارتبط نزيف هذه النسبة طرديا بانتهاج الحزب لخط "التصعيد" لا سيما بعد صيف 1976. فإذا كان حجم اعضاء جناح المكتب السياسي عشية استقلاله التنظيمي في كانون الأول 1973 حوالى 6500 عضو او ما يعادل نسبة 65 في المئة مقابل 5500 عضو في جناح بكداش او ما يعادل نسبة 35 في المئة من مجموع الاعضاء البالغ 12.000 عضو في الحزب قبل انشقاقه. فانه يمكن القول في ضوء التقرير التنظيمي للمؤتمر التداولي شباط/ فبراير 1980 بأن الذين انتسبوا الى الحزب بين المؤتمر الرابع كانون الأول 1973 والمؤتمر الخامس كانون الأول 1978 يشكلون 50 في المئة من مجموع الاعضاء، الا ان عدد الاعضاء كلهم لم يزد عما كان عليه في عام 1973 بل نقص عنه. بهذا المعنى اعاد خط "التصعيد" بناء عضوية الحزب بشكل نوعي جديد، استوعب فيه شباناً ليست لهم اصول سابقة في الحزب الشيوعي السوري، وهو ما كان مفضلاً لجناح المكتب السياسي. بعد حوالى ستة شهور ونيف من انتصار خط "التصعيد" في جناح المكتب السياسي، وفصل المعارضين، وقعت مجزرة مدرسة المدفعية بحلب في 16 حزيران 1979، والتي اعلن تنظيم "الطليعة" للاخوان المسلمين مسؤوليته عن تنفيذها. وفي حين ادان التنظيم العام للاخوان المسلمين المجزرة، وتحدى ان يثبت اي تحقيق علاقته او صلة بها، مؤكدا ان ضابطاً بعثياً هو الذي نفذ المجزرة، فان اللجنة المركزية للحزب عممت رسالة داخلية في اواخر حزيران 1979 جاء فيها ان "الحادثة التي ارتكبها ضابط بعثي هي مدانة قومياً وانسانياً وأخلاقيا". الا ان الرسالة اعتبرت ان "هناك ازمة عامة وشاملة" تعيشها سورية نتيجة غياب الديموقراطية" وان "الديموقراطية" هي الطريق الى "التغيير الجذري والجوهري". ليس الجديد هنا نقطة "الديموقراطية" بل السكوت وعدم تسمية الاخوان المسلمين او طليعتهم المقاتلة بالمسؤولية عن المجزرة. وقد استمر هذا السكوت في مطبوعات الحزب ورسائله الداخلية طيلة 1979 - 1980. الا ان الجديد في خط "التصعيد" هو ما نشره ملحق العدد 210 من "نضال الشعب" في اواخر ايلول سبتمبر 1979، في اعتبار الاحداث الطائفية التي شهدتها مدينة اللاذقية 30 آب/ اغسطس 1979 - 3 ايلول 1979 بأنها "تحرك شعبي" ضد السلطة. وحين طرح البعث من خلال ما اسميه مبادرة المصالحة الوطنية، وعبر الجبهة الوطنية التقدمية، البيان الشهير في ايلول 1979 بالاصلاحات والحوار، على اساس الالتقاء مع المعارضين بمن فيهم الاسلاميون في منتصف الطرق او نقاط الوفاق، فان "المكتب" تناوله بالنقد والتشريح، مؤكداً عجز السلطة حتى عن تحقيق ذلك، وداعيا الى ما سماه "التغيير الجذري والجوهري". ووصف اضطرابات آذار مارس 1980 وأحداثها، التي جرى وسطها اضراب النقابات، بپ"انتفاضة شعبية". وركز على ادانة عنف السلطة في حين تجنب ادانة عنف الاخوان، باستثناء اشارة محلية في صحيفة في اللاذقية تدين العنفين. وعلى رغم ان اطراف "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي اعلن في آذار 1980 عن تشكيله من بعض الاحزاب اليسارية والقومية المعارضة، قد رغبت في ان تتم ادانة عنف الاخوان، فانه تحت ضغط "المكتب" صدر البيان في آذار 1980 خالياً من اي ذكر لموقف من عنف الاخوان. وفي حزيران 1980 عممت اللجنة المركزية رسالة داخلية تؤكد على ان احد الخيارات المفتوحة امام المعارضة السورية يتمثل في الدخول بپ"تحالف ديموقراطي - اسلامي - شعبي". وربما كان "المكتب" متأثراً بذلك بحدث الثورة الايرانية، الذي شارك فيه شيوعيون واسلاميون، وهو ما عبرت عنه افتتاحية "نضال الشعب" في آذار 1979 تحت عنوان "وجاءت القارعة". غير ان ماهية القوى الاسلامية التي انخرطت في العنف لم تكن يومئذ قابلة لحمل اي نقطة من برنامج "المكتب" او التلاقي معه، مع ان فصائلها الاكثر عنفية حرصت حين تهديدها عبر رسائل "الكاسيت" ان تستثني اعضاء "المكتب" من التهديد، ودعت في مرات اخرى اعضاء التجمع بمن فيهم المكتب العودة الى "جحورهم". في آذار 1980 تم ايفاد عضو اللجنة المركزية احمد محفل لحضور "المؤتمر الشعبي القومي" في بغداد، ولم يكن الهدف اللقاء مع منظمة البعث العراقية التي كان الحوار قد اخفق بشأن ضمها الى "التجمع الوطني الديموقراطي" بقدر ما كان بهدف ايجاد صوت للحزب في الخارج في حال تعرضه لحملة. وأثار ايفاد محفل جدلاً داخلياً حاداً، وصلت حدته الى درجة ان المكتب السياسي اعتبر ان محفل ذهب الى بغداد على مسؤوليته الشخصية ومن دون استشارة القيادة الحزبية، مما عكس نشوء الخلاف داخل قيادة الحزب حول الموقف من الاحداث. الى اواخر حزيران 1979 لم يكن هناك خلاف بين اعضاء اللجنة المركزية حول موقف الحزب، بل كان الترك على يمينهم الا انه ملتزم كأمين أول بسياسة الحزب. وساهمت مطالبة بعض اطراف التجمع بادانة الاخوان في اثارة الخلاف حول موقف الحزب وسياسته. وفي تموز يوليو 1980 كان موقف الحزب تصعيدياً تجاه تصفيات طاولت بعض اطراف الحزب في ضوء مفاجآت التوتر ووصوله الى حد اقصى باتخاذ تدابير وقائية من بينها نقد الاخوان او ادانة ممارساتهم. وقد عارض الترك ذلك انطلاقاً من ان هذا الموقف لن يقي الحزب من الضربة. في آب 1980 كان اتجاه قيادة "التجمع" هو لادانة الاخوان، وعارض ممثلا الحزب ذلك. الا ان ذلك انشأ انقساماً ما بين طرفين في قيادة الحزب، يقود الدكتور احمد فايز الفواز التيار الأول الذي يقول بالادانة في ضوء تغير الوضع وسحق الاسلاميين، في حين يقود الترك التيار الثاني الذي يرفض الادانة انطلاقاً من انها مشاركة متأخرة في سلخ البقرة ولن تقي الحزب من الضربة. اما الصوت الثالث فكان شيوعيا تقليدياً طبقوياً يرى ادانة الاخوان دون قيد او شرط بوصفهم قوة معادية بنيوياً للتقدم، ومثل النقابي البارز والشيوعي القديم وعضو المكتب السياسي عمر قشاش ذلك. ظهرت المواقف الثلاثة في اجتماع المكتب السياسي للحزب كتداول للآراء وليس كتصويت. وقد رفض الترك اجراءات التصويت، ربما لوجود اغلبية نسبية مع خط الادانة، وأحال ذلك الى اللجنة المركزية التي اتضح فيها استقطاب شبه متعادل عدديا تجاه موقفي السكوت والادانة، فأحال الترك باسم اللجنة المركزية موضوعات الخلاف الى القواعد. وعبر ذلك عن نوع من حل وسط بين المواقف الثلاثة. واتفق في القرار نفسه على ان تعقد اللجنة المركزية اجتماعا يبت باقتراحات الاجتماعات الموسعة لمنظمات الحزب. وقد تمت هذه الاجتماعات المؤتمرية القاعدية فعلاً، الا انه تم بالصدفة اعتقال عضوي المكتب السياسي الفواز والقشاش اللذين يحملان تقاريرها فانقطع الاتصال. ولم يعقد اجتماع اللجنة المركزية الا بأعضائه المتواجدين في دمشق، وكانت الأولوية في هذا الظرف لدى الترك هي موضوع الحملة مع بقاء موضوع رأي القواعد في المواقف الثلاثة اساسياً. وقد منعت الحملة الشاملة انعقاد الاجتماع الموسع ما بين اللجنة المركزية ومندوبي المنطقيات. وكلفت الحزب آلاماً باهظة بقدر ما اخرجته من استقطاب او ربما تفكك داخلي. ولم يكن بيان ميشيل عيسى الذي يتهم فيه الترك بمسؤولية "تعاون" الحزب مع الاخوان سوى محاولة لتلبيس الترك المشكلة، لا سيما انه تم بعد اعتقاله. وفي كل ذلك لم يحدث اي لقاء عملي ما بين "المكتب" و"الاخوان"، مع ان "الطليعة المقاتلة" دأبت على نشر بيانات المكتب والتجمع في "النذير". بل كان تصور اللقاء مع الاسلاميين نظرياً سياسياً وليس اجرائياً اي لم يتم ترجمته فعلياً الى عمل، اما العلاقة مع العراقيين فقد اخفقت بشكل تام منذ اواخر 1979، وتم استبعاد فكرة ضم منظمتهم الى "التجمع" نهائياً. استمر جناح المكتب السياسي في العمل بشكل ركائز، وأفرج عن رياض الترك ليشكل حالة احياء معنوية للحزب، تعزز مقامه بين احزاب "التجمع الوطني الديموقراطي" التي هي في حقيقتها مجموعة ركائز سرية، الا ان طروحاتها المستوعبة لما يسمى اليوم بپ"الموجة الديموقراطية الثالثة" في العالم، اكثر اهمية من وزنها التنظيمي المحدود اليوم. وقد أعادت كوادر الصف الثاني انتخاب الترك كأمين أول للحزب، ليبدأ الحزب مرحلة تطور جديدة وربما مختلفة، الا انه لا يمكن في شروط افتقاد العمل السياسي للشفافية التكهن بمجرياتها وآفاقها. * كاتب سوري.