في هذه الحلقة الجديدة من تجربتها الفنية، تتجاوز نجمة الشاشة الأميركية الأولى جوليا روبرتس، حاجز المئة مليون دولار في شباك تذاكر، عبر فيلمها الجديد "ايرين بروكوفيتش" المنبثق من قصة حقيقية من حياة السيدة ايرين بروكوفيتش. تبدأ القصة بإصابتها بأذى طفيف في حادث مرور وفشلها لاحقاً في الحصول على التعويض في القضية التي ترفعها على سائق السيارة الأخرى. وفي هذه الحال من اليأس والمرارة، تنجح إيرين أداء جوليا روبرتس في إقناع محاميها البرت فينغي بتوظيفها في شركته الصغيرة للمحاماة. ويحدث أن تعثر هذه السيدة المطلقة والأم لثلاثة أطفال على ملف صحي داخل إضبارة لقضية عقارية، فيقودها جهلها بالقوانين المدنية الى طرح أسئلة لم يطرحها أي من المحامين والخبراء العاملين على القضية. وتودي هذه الأسئلة، الساذجة قانونياً، في جمع إيرين كماً مهولاً من المعلومات يثبت معرفة شركة لإنتاج الغاز بتورطها في تلويث مياه الشرب في مدينة يعاني سكانها أمراضاً قاتلة. فتقع هذه الأدلة القاطعة كالجبل فوق رؤوس محامي شركة الغاز في القضية التي ترفعها ايرين بالنيابة عن المتضررين صحياً من هذا التلوث. وبالطبع لن تكون هناك جائزة للذي يحزر نتيجة هذه القضية القضائية: إذ يكفي القول إن الشريط حقق نجاحاً باهراً في أميركا أو غيرها وهو من بطولة جوليا روبرتس. لكن هذا الانعدام شبه الكلي لعامل المفاجأة لا يمنع المخرج اللامع ستيفن سودربرغ من إبراز لمساته التي كانت رفعته الى قمة الهرم الفني من خلال أعماله السابقة، مثل "جنس" "أكاذيب وفيديو" وأخيراً "بعيدا من الصين" و"الإنكليزي". فهو يسمح لجوليا روبرتس بأن تحلق في فضاء هذا النص الثري من دون أن يكبل أداءها بالتعليمات المعقدة التي عادة ما تقف كالحاجب بين الممثل والنص. ونتيجة هذه الثقة المتبادلة كانت أداءً رائعاً لجوليا روبرتس التي تتمكن من تجسيد شخصية ايرين بروكوفيتش المعقدة والتي تجمع بين ثيابها الرافعة راية بيضاء، أمام أنوثتها المتمردة دوماً وفمها الذي يكاد يكون معرضاً للمفرقعات اللفظية. وبالتالي فإن الممثلة التي سحرت المشاهد قبل عشرة أعوام في "المرأة الجميلة" تنجح في تحريك المشاعر المتعاكسة لدى المشاهد من خلال قدرتها المتميزة على تحويل ملامح وجهها من السعادة المشرقة لتمكنها من الحصول على توكيل جديد في القضية القضائية، الى الحزن الدامع لعدم وجودها مع أسرتها عند نطق ابنها الأصغر كلمته الأولى، فيكون تغير ملامحها شبيهاً بالدخول المفاجئ الذي يطرأ على سطح البحر الأزرق الهادئ في يوم مشمس في جزر هاواي عندما تتلبد السحب وتبدأ بإرسال ما لديها من المطر والريح. وهذا العمق في الأداء نراه منعكساً في الشخصية الثانية في الفيلم، دور المحامي الذي أداه المرشح السابق الى أربعة أوسكارات، البرت فينني إذ على رغم شخصية جوليا روبرتس المهيمنة على كل لقطة في الفيلم، ينجح فينني في إيجاد حضور لدوره بعدم محاولته مقارعة روبرتس، وإنما بمثابرته في تكميل أدائها. وقد يكون هذا الثنائي في صدارة قائمة المرشحين الى أفضل ممثلة وأفضل ممثل ثانوي في أوسكارات العام المقبل. ولا يستبعد أن يلتحق بهما المخرج ستيف سودربرغ الذي أثبت في عمله هذا أنه وصل الى درجة من النضج والإبداع السينمائي ليكون في مقدم الجيل الذي سيأخذ هوليوود الى الألفية الثالثة.