أكد الأمين العام بالنيابة لجبهة القوى الاشتراكية السيد مصطفى بوهادف ل "الحياة" أن مستشار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السيد عيسات ايدير بدأ يتحرك في المنطقة القبائلية لتمويل الجمعيات من أجل تحويلها أحزاباً. وقال "كلما تفاقمت المشكلات داخل السلطة، حركوا المشكلات في بلاد القبائل". وكشف أن السلطة أرادت استغلال المنشقين الثمانية لتكسير الحزب، وأعلن أن المؤتمر المقرر في 24و25و26 أيار مايو المقبل. سيشارك فيه السيد حسين آيت أحمد. وكان حزب آيت أحمد أصدر بياناً يعلن فيه المشاركة في أول مسيرة مناهضة للرئيس بوتفليقة عشية الذكرى الأولى لانتخابه رئيساً. وهذا أول حوار يُجرى مع السيد بوهادف الذي خلف أخيراً السيد أحمد جداعي، بسبب الانشقاق الذي حدث في الحزب، وأول تقويم لمرحلة بوتفليقة. عودة حزب آيت أحمد الى المسيرات تثير الكثير من التساؤلات، خصوصاً أنها تفتح رسمياً باب الاحتجاج السياسي، في انتظار تحرك لجان مساندة الرئيس للرد على هذه المسيرة. ها أنتم تحتفلون بالسنة الأولى من انسحاب السيد حسين آيت أحمد من الانتخابات الرئاسية. فكيف تقومون ما تحقق في عهد منافسه عبدالعزيز بوتفليقة؟ - انسحابنا كان بسبب التزوير، أما ما حققه بوتفليقة منذ توليه الحكم فهو مجرد خطابات وتصريحات. وليس هناك أي عمل ملموس على كل الصعد. فعلى الصعيد الاقتصادي لم تحدث الانطلاقة التي كان يتحدث عنها. وعلى الصعيد الاجتماعي بدأت الأزمة تتفاقم. والشعب لا يزال يدفع الثمن. أما على الصعيد السياسي فحدث ولا حرج. وهنا تكمن المصيبة. لماذا؟ - لأننا نتدهور. فالمجال السياسي أنغلق تماماً وحتى المؤسسات الإعلامية، كالتلفزيون، تخلت عن دورها العمومي. وأصبحت كأنها ملك لخواص. وحُرم المعارضون خدمتها العمومية، وحرم الشعب الإطلاع على الرأي الآخر. يكفي أننا نقوم بنشاطات في إطار قانوني، ومع ذلك تقاطعنا وسائل الإعلام العمومية. والتدهور الذي نلمسه على الصعيد السياسي هو تغييب المعارضة الحقيقية وتعويضها بمعارضة شكلية، هدفها التشويش على المعارضة الحقيقية. والدليل وجود سبعة أحزاب في حكومة لا يجمع بينها أي شيء. ومع ذلك، فالسلطة مصرة على تكسير الأحزاب حتى التي تساندها واستبدال لجان مساندة لنظام الحكم بها، بتحويل المجتمع أحزاباً سياسية. وهذا أمر خطير. لأن تغيير مهمة المجتمع المدني نحو اداء دور غير محدد له قانوناً، يعني التدخل السافر في حياة المواطن واختياراته. وحتى ما يسمّى ب "الوئام المدني" أخفق في تحقيق مسعاه. فالقتل متواصل والحواجز المزيفة مستمرة. والحياة اليومية للمواطن بعيدة من السلم الذي كان يحلم به. لكن حزب السيد حسين آيت أحمد لم يعارض مسعى "الوئام المدني"؟ - لم نصوّت "ضدّ" الوئام المدني أو "مع" في المجلس الشعبي لأننا نعتبره خطوة انتقالية. لكن إذا تعرضنا للتفاصيل، نجد أن ما حدث بين جيش الانقاذ والمؤسسة العسكرية مجرد اتفاق لا يعرف الشعب محتواه. وما كنا نخشاه وقع، وهو إذلال المواطن. كيف؟ - في البويرة 120 كلم شرق العاصمة أصبح المنبوذون بالأمس والارهابيون يتجولون داخل المدينة وبين الناس، بألبستهم الافغانية، ويتحدون مشاعر الناس. وعلى رغم أنهم مطلوبون من العدالة لم يحاكموا. أصبحت السلطة تضمن العيش الكريم للقاتل وسافك الدم، ويتلقى راتباً بعشرة آلاف دينار وعمل بعضهم سائقي سيارات أجرة، بعدما أشترت السلطات لهم سيارات. لكنكم طالبتم بإطلاق شيوخ الانقاذ. والرئيس أصدر العفو عن جناحهم العسكري؟ - هناك فرق بين العقد الوطني الذي وقعناه في روما عام 1995، وما تم بين السلطة والجماعات المسلحة. فما قام به بوتفليقة نعتبره عقداً بين جيشين متحاربين، لا يزال يحاط بسرية كاملة، ولم يعد على البلاد بأي فائدة تذكر، بل زاد الطين بلة، وبدأ يقلق الشبيبة التي انتشرت بينها البطالة. أما ما قمنا به فهو مسعى الى الاستقرار السياسي بحل المشكلة جذرياً، لا أمنياً. وتمّ العقد بين المعارضة بشفافية وديموقراطية ومن شارك في عقد روما لم يحمل السلاح ولا يعرف لغته. لذا نعتقد أن الوئام المدني عمل عسكري وأمني لا خطوة سياسية، بينما كان مطلبنا يتمثل في العمل السياسي والسلام النهائي، ويتم عبر نقاش جاد بين جميع الأطراف، من دون إقصاء على أن نُحدد خلاله مرحلة انتقالية للوصول الى انتخابات حقيقية. أما مسألة المسلحين فتدخل ضمن الحل السياسي للأزمة. هل يعني أنكم ضد العفو الشامل الذي أصدره الرئيس بوتفليقة لمصلحة جيش الانقاذ؟ - لسنا ضد العفو كمبدأ، وانما لا بد من أن يتم ضمن أطر واضحة وشفافة، بمعنى أن نطلع الرأي العام على قاتل عبدالحق بن حمودة ومحمد بوضياف وقاصدى مرباح ومعطوب الوناس وعبدالقادر حشاني وغيرهم. وبعد ذلك، يمكن معالجة الجراح مثلما حدث في جنوب افريقيا. والعفو لا يصدر الا عن عائلات ضحايا الارهاب والمفقودين. لكن الرئيس أكد أنه "مفوّض" منهم؟ - إذاً، لماذا يتظاهرون يومياً من شوارع العاصمة؟ ولماذا يقومون بمسيرات احتجاجية؟ ولماذا يُصيّر السيد جميل بن رابح على أنه ضد قرارات بوتفليقة؟. أعتقد أن على الرئيس الإدلاء بالحقيقة كاملة عن مجازر بن طلحة والرايس وبن مسوس، وساعتها فقط يمكن أن نفعل الكثير، ولا نكتفي بالتسامح بل نذهب الى العفو الشامل والنسيان. لكن ما حدث هو بالمقلوب، اذ صار في امكان أي شخص أن يقتل ويسرق ويغتصب، تحت أي ذريعة، ثم يأتي ويسير مرفوع الرأس داخل العاصمة، ويجد من يقدم اليه المال، ولا يمثل أمام العدالة. ومع ذلك، فالجزائر استرجعت سمعتها دولياً وصارت تحظى بالاحترام والتقدير؟ - هذا ما كان يقوله سابقاً بوتفليقة، أما اليوم فخطابه لم يعد مقبولاً إعلامياً، ولا يترك أثراً في الشارع الجزائري. وأنا أسألك: ماذا حقق بوتفليقة بعد عام من وصوله الى الحكم؟ أين هي الاستثمارات التي وعد بها الشعب؟ أين هو الأمن الذي تعهد تحقيقه للمواطن؟ حتى البلدان الإفريقية التي يترأسها بصفته رئيس منظمتها بدأت تعلن أنه لم يدافع عنها. أو ليس هذا دليلاً الى تراجع صدقيته داخلياً وخارجياً. وما هو في اعتقادكم البديل؟ - هو الحل السياسي ويتمثل في حوار بعيد من الحلول المسبقة، وأعتقد أنه موجود كأرضية في العقد الوطني الذي وقعناه في روما عام 1995. ربما تغيّر أصحابها لكن أرضيتها دائمة صالحة، لأنه أصبح محطة في تاريخ الجزائر. وعدد الضحايا الذين أضيفوا بعده أكثر مما كنا نتوقع. وهو العقد الذي يمكننا من الخروج من الأزمة. وجبهة القوى الاشتراكية تعمل على ترسيخ الديموقراطية في إطار نظام جمهوري. وتساند كل مبادرة، فقد كانت لنا علاقات مع الأعضاء المرشحين الى رئاسيات العام الماضي. وأين وصل التنسيق بين المنسحبين من الانتخابات الرئاسية؟ - لنا علاقات مع خمسة أعضاء، الى جانب العلاقات مع شخصيات وطنية، وهي في طور التوطد أكثر لتحقيق المبدأ الديموقراطي الذي يمكن تأكيده مع الأحزاب المستقلة والمجتمع المدني. ونحن نرفض اقتسام "الكعكة" مع السلطة أو التبعية لها، وما نراه اليوم من تحركات لامثال خالد نزار ومحمد عطايلية، لدليل الى أن من اقتسموا الغنائم هم الذين يتحركون. وكلما تفاقمت المشكلات الداخلية تنشط العمليات الارهابية في بلاد القبائل. يكفي أن تمثال المجاهد آيت صدري هدمه رجال الدرك قبل أن نكمل بناءه. وفي تيزي وزو كسروا الأبواب الحديد وسرقوا بطاقات المنخرطين في حزبنا. والدليل الى أنهم ليسوا لصوصاً، أنهم لم يأخذوا أجهزة هاتف جديد وجهاز إعلام آلي. وأخطر من هذا كله أن أحد مناضلينا اعتقل لنشره مقالاً عن الاعتداء على المقر. وعندما يصف أحدهم السيد حسين آيت أحمد بالخائن ولا تحرك السلطة ساكناً، فهذا يعني أنها لا تحترم رموز ثورتنا. ثم أن عودة العنف الى بلاد القبائل الكثير من التساؤلات، فقد عاد بقوة. يروّج البعض أخباراً تفيد أن الأمير حسن حطاب "وضُِع" على مقاس منطقتكم فما تعليقكم على ذلك؟ - ما استطيع تأكيده، أن كلّما تفاقمت المشكلات داخل السلطة حركوا المشكلات في بلاد القبائل، ولا بد من التساؤل عن مقتل معطوب الوناس قبل أسبوع من التصويت على قانون تعميم اللغة العربية. ولنا شكوك عن بعض ما يدور في منطقة القبائل. لكن هناك من يدّعي أن لكم جناحاً مسلحاً بربرياً في المنطقة؟ - هذه الدعاية ليست جديدة، وقد نددنا بها. ونحن اليوم نضع علامات استفهام كبيرة على أشياء كثيرة تحضر في منطقة القبائل. هل يمكن الشرح أكثر؟ - قبل أسابيع استغل مستشار الرئيس عيساب رشيد الحركات الجمعوية في بلاد القبائل، فأنشأ "جمعية سكان بجاية" وانتقل الى تيزي وزو ليمول الجمعيات المدنية لتحويلها أحزاباً. كأنّ السلطة تتخوف من أي حزب ديموقراطي. وأعتقد أن من يتحاور مع الجماعات الإسلامية المسلحة. بمختلف تشكيلاتها يمكنه التحاور مع "الشيطان". وما تفسيركم للانشقاق الذي حدث في حزبكم، وعلى إثره تم تعيينكم أميناً عاماً بالنيابة، خلفاً للسيد أحمد جداعي؟ - إذا كنت تقصد الثمانية، فهناك أمور كثيرة يجب التوقف عندها. فالثمانية جزء من عدم استقرار جبهة القوى الاشتراكية، والمشكلة أنهم انتقلوا في شكل لافت في مختلف وسائل الإعلام، بفرض المساس بالحزب، في وقت يتجاهلون موقف قيادة الحزب منهم. أرادت السلطة أن تستعمل الثمانية لكسر الحزب من الداخل بعدما فشلت في تحقيق ذلك مع القاعدة. وكان من المفترض بهؤلاء الزملاء أن يشعروا أن السلطة تستغلهم، ولكن ويا للأسف، لم يحركوا ساكناً على رغم أننا أعطيناهم الوقت الكافي. ويبقى السؤال مطروحاً عليهم، خصوصاً أنهم من أهم أعضاء الحزب. لكن عدم تحرك المناضلين في القواعد يؤكد الحقيقة الثانية وهي أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. وسأصارحك بأن جبهة القوى الاشتراكية هي التي جعلت منهم نواباً في البرلمان، كما جعلت مني كذلك ممثلاً لها. وأين يكمن جوهر الخلاف مع هؤلاء المنشقين؟ - أعتقد أن المشكلة واضحة، وهي أن هؤلاء الأعضاء رغبوا في الالتحاق بالحكومة، وبالتالي، اتهموا الحزب بأنه لا يملك برنامجاً، وهم قادته، والقصة بدأت في الحملة الانتخابية للرئاسيات العام الماضي. لذا اؤكد أن هناك علاقة بين هؤلاء الثمانية والسلطة التي تستخدمهم من دون أن أسقط دورهم في ذلك. كيف تختلفون بمرور الذكرى الأولى على انسحاب مرشحكم من رئاسيات نيسان ابريل الماضي؟ - لا خلافات داخل الحزب. ولا مشكلة بين السيد حسين آيت أحمد والإدارة، ووجوده في الخارج يعود الى أسباب قاهرة، لا لأسباب سياسية. أنها أسباب صحية، فقد أجريت له عملية خطيرة جداً وهو يحتاج الى فترة نقاهة طويلة حتى يتعافى جيداً، لأننا نريد الحفاظ عليه. فهو العقل المفكر، وسيكون حاضراً في المؤتمر. هل تجدّدون قيادة الحزب؟ - بالتأكيد، فنحن نفضل دائماً التجديد، لأن الشباب يمثلون الغالبية وحزبنا مبني على الشباب والنساء والعمال. حاولوا إضفاء طابع الجهوية على حزبنا لكنهم فشلوا، فقد بنيت الحملة الرئاسية عكس ذلك. والمؤتمر سيعيد تنظيم الحزب من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة منه فنحن حزب اشتراكي يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية، وسيحضر المؤتمر عدد مهم من قادة الأحزاب الاشتراكية في العالم، ومن أصدقائنا. والأهداف الثلاثة التي نسعى الى تحقيقها هي: سياسية وانفتاح وبناء صرح الديموقراطية. بماذا تعللون التحاق عائلات المفقودين بحزب السيدة لويزة حنون؟ - أولاً، لم تعد لنا مشكلة مفقودين، لأن حقوق الإنسان هي فضاءات السيد حسين آيت أحمد. حاولنا في البداية دق ناقوس الخطر، وأردنا التكفل بالمشكلة، وتكفلنا بها فعلاً، واليوم كل ما نطالب به معرفة الحقائق، ولن نتخلى عن مطالبتنا. والجزائر ستقدم تقريراً عن هذا الملف، ولن نقبل أي تشويه للحقائق، وستنظر الأممالمتحدة في ذلك ضمن لجنة حقوق الإنسان.