نشأت نجاح سلام في عائلة فنية ودينية لبنانية من آل سلام، جدها الشيخ عبدالرحمن سلام "أمين دار الافتاء اللبنانية" السابق، ووالدها محيي الدين سلام رئيس الدائرة الموسيقية في لبنان. تنتمي نجاح سلام إلى جيل العمالقة الذين أثروا الساحة الفنية العربية بالكثير من الأغاني والأعمال الخالدة، جيل أم كلثوم وعبدالوهاب واسمهان وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، ومازالت تقدم فناً راقياً. هي صاحبة الأغاني الوطنية الملتهبة. لبنانية عشقت مصر فغنت لها أجمل الأغنيات وعاشت فيها فكرمتها مصر وأعطتها الجنسية المصرية، وهي شاهدة على أحداث الأمة العربية. في القاهرة كان لنا هذا الحوار مع المطربة الكبيرة: هل الحجاب حجبك عن فنك وجمهورك؟ - ارتديت الحجاب ولم احتجب، والمهم في الفن الكيف وليس الكم، وقد انتهيت من ألبوم "زمن الوفا" وطرح في لبنان، واستغرق مني عامين تحضيراً له ليخرج الى جمهوري بالصورة التي ترضيني. وأنا موجودة من خلال الحفلات التي احييها على مسارح لبنان المحترمة، وفي حفلات خيرية مثل حفلة رعاية الأمومة والطفولة في بيروت. وفي مصر أقدم حفلاتي في الأوبرا بالشكل الذي يليق بالزي الإسلامي الذي ارتديه. وأسجل اغنية عن "الأسرى" من كلمات الشاعر والصحافي اللبناني الكبير عبدالغني طليس وألحانه، وتوزيع الفنان يحيى الموجي. إضافة إلى مجموعة موشحات دينية سبق أن قدمت في إذاعتي الشرق الأوسط وصوت العرب. وأنا اختار المواضيع الهادفة ذات القيمة والتي تخدم المجتمع. يقال إنك سنباطية الهوى.. ما صحة ذلك؟ - طبعا، وهذا شرف عظيم لي، وياحظه من عاصر الفنان العملاق السنباطي، ومن تتلمذ على يد السنباطي أصبح عملاقاً مثله، وهذا شرف لأي فنان لأن فضله كبير على الجميع، وأولهم سيدة الغناء أم كلثوم، وهو الذي علمها الغناء وزخرفة الجملة الموسيقية. فالغناء له زخرفة مثل زخرفة الإبداع الهندسي وهو ابرع من زخرف الجملة الموسيقية، ونحن جيل العظام: السنباطي وأحمد صدقي وعبدالوهاب وفريد الأطرش والموجي وسيد مكاوي وكمال الطويل وفؤاد حلمي، وعبدالعظيم محمد وحلمي بكر... هذا هو الجيل الذي أثرى الفن، وكان علامة بارزة فيه. هل انتهى عصر التطريب؟ وهل الملحنون هم السبب؟ - عصر التطريب لا ينتهي، والأصالة لا تنتهي، ولكن احياناً تأتي فترات فيها معاناة اقتصادية وحروب، فيفرغ صبر البعض ولا يستطيع أن يستوعب الأعمال الجيدة، ولو لم تكن هناك أصالة لما حقق مسلسل "أم كلثوم" مثل هذا النجاح العظيم. الاصالة باقية، والتغيير الحالي للأسوأ وليس للأحسن، على رغم استفادة الفنانين الحاليين من التكنولوجيا التي نفترض أن ترتقي بالأعمال، وبعض مطربي هذا الجيل أصواته صنع ماكينات. ما مقياس نجاح الفنان وظهوره على الساحة؟ - أيام زمان كانت الموهبة هي الأهم، كذلك الحضور، لأن الأذن هي التي تحكم، والفن حالياً اسهل مهنة يمتهنها الإنسان. ورأس مال الفنان حالياً ليس الصوت الجيد والموهبة والألحان والكلمات، وإنّما المظهر والأغاني التي تدعو المستمعين الى الرقص. لا أريد التعميم، لأنه يوجد مطربون جيدون مثل هاني شاكر ومحمد ثروت والحجار وكاظم الساهر ومدحت صالح وجميع مطربي الخليج. وفي مقابل كل منهم، توجد مئات المطربين الذين اساءوا للفن. وعموماً البقاء للأصلح، والديموقراطية في الغناء هدامة، ومفهوم الديموقراطية هي الأدب في كل شيء في الحوار والاستماع. ما رأيك في الأغنية الشبابية؟ - أي أغنية أسمها شبابية؟ تلك تسمية خاطئة. في الماضي كانت توجد أغاني سريعة الإيقاع، وأعتقد أن من اطلق عليها "أغنية شبابية" هم اصحاب الاصوات الضعيفة المهزوزة، ويتذرعون بهذه التسمية إذ لا يوجد اغنية شبابية، بل توجد قوالب غنائية معروفة اسماؤها الشعبية والطقطوقة والقصيدة والوطنية والموشح والدور والمونولوغ. والأغنية الجيدة لها مواصفات معينة وليست مقصورة على عمر معين، ولكن تسمعها كل الأعمار والاجيال وتبقى خالدة. والعصر الحالي لا يمكن تسميته عصر فن، لأنه لا توجد كلمة جيدة ولا لحن جيد ولا أصوات كثيرة. وإدخال الآلات الغربية شوه الألحان ولم يضف إليها. وإذا كان لا بد من التعامل مع الآلات الغربية، فلنطعم بها أعمالنا، ولكن ليس بالشكل الذي يطغى على العمل الشرقي. هل التلفزيون سبب هبوط الأغنية؟ - السبب هو التلفزيونات العربية من دون استثناء، وكذلك الفضائيات وشركات الكاسيت، وهذا مخطط استعماري يهدف الى القضاء على اللغة العربية والفن العربي الأصيل. لماذا أقدمت على تجربة الفيديو كليب؟ - صورت ثلاث أغان فقط عبر الفيديو كليب، وأنا لا أحبذ الفيديو كليب بصورته الحالية. وفي الأغاني التي صورتها خدمت السمع أولاً ثم العين. وفي أغنية "زمن الوفا" لم يظهر سواي ورجل مسن. ولا يوجد في اغنياتي رقص ولا بنطلون ضيق ولا 50 صورة في الكادر. لأن المشاهد يسمع فيقول "الله" ويرى بعينه فيقول "يا سلام". الأغاني التي في أفلامنا القديمة تشبه تماماً الفيديو كليب، بل هي افضل منه. إبهار الرؤية حالياً يأتي على حساب السمع. بماذا تنصحين المطربين العرب الوافدين الى القاهرة؟ - المطربون العرب الوافدون الى مصر لا يعملون حساباً للمستمع المصري. كنا من قبل نخشى أن نغني في بلدي تحفل بعمالقة في الغناء. والمطرب العربي الذي يأتي الى مصر يعلم أن المطرب المصري الموجود في الساحة ليس افضل منه، فلماذا لا يذهب إلى مصر والابواب كلها مفتوحة أمامه، ومصر دائمة الاحتضان للمواهب، وشعبها ذوّاقة، لكن أغلب المغنيين حالياً غير قادرين على اجتياز اختبارات "الكورس". هل أنت من أنصار مبدأ الخلافة الفنية؟ - لا يوجد شيء اسمه الخلافة الفنية، ولا أحد يخلف أحداً. وجيلنا مختلف، لأن لكل مطرب أو مطربة أداء مختلفاً، ولا يوجد شبه بينهم. أما حالياً فالكل يكاد يكون متشابهاً. فبعد رحيل أم كلثوم لا يوجد من يشبهها في الصوت، ثم إن أم كلثوم نجحت مع مجموعة عظيمة مثل أبو العلا محمد والقصبجي والسنباطي وزكريا أحمد وبيرم والموجي. قدمت عدداً من أغاني أم كلثوم بصوتك مثل "الاطلال" ألم تخشي المقارنة أو اتهامك بالتقليد؟ - إطلاقاً، لم أقلد أم كلثوم، ولم أقدم أغنيات لها بصوتي لكي يقارن الناس بيني وبينها، أنا اسمع أم كلثوم منذ كنت صغيرة، وقد غنيت نحو 15 أغنية بصوتي ولم يكن ذلك من أجل احتلال مكانتها، لأنني نجحت في عصر أم كلثوم، والعمالقة الكبار، ولي شخصيتي الفنية وأدائى المميز، وصوتي لا يشبه صوت أحد، ولكنني عندما أغني أغنية لأم كلثوم فهذا من باب حبي لها. قدمت نحو 16 فيلماً، فلماذا توقفت؟ - قدمت في مصر تسعة أفلام وفي بيروت سبعة أفلام وآخر فيلم كان في عام 1970 واسمه "عنتر يغزو الصحراء". السينما تأخذ من الفنان، وأنا أصلاً مطربة مسرحية، نجحت في السينما كمطربة، والسينما تحد من نشاط المطرب، وقد اعتذرت عن أعمال عدة في بعلبك وبيروت في الستينات بسبب ارتباطي بأفلام في مصر. لماذا قال المخرج حسين فوزي "إنك لا تصلحين للتمثيل" في فيلم "العيش والملح"؟ - لم يهاجمني، ولكنه عندما بدأ تصوير فيلم "العيش والملح" لم يراع أنني من بيئة محافظة جداً وليست لدي خبرة. وقد صفق لي في المشهد الأول في الفيلم. ولكن عندما بدأنا في تصوير بقية المشاهد التي تحفل بالرومانسيات والغراميات فلم أفلح فيها، قال إنني صغيرة على التمثيل، وجميع أفلامي تقوم على الحب البرئ جداً والأغاني، وأنا أرفض المشاهد الساخنة. في إحدى حفلات "أضواء المدينة" عام 1992 في القاهرة اسدل الستار عليك.. فماذا حدث؟ - لا يجرؤ أحد أن يسدل الستار وأنا أغني، كان يفترض أن أؤدي وصلتي الغنائية في منتصف الليل بعد فهد بلان وبعدي هاني شاكر. لكن تأخرت الحفلة وصعدت الى المسرح الساعة الثانية فجراً، وهذا يحدث كثيراً في الحفلات لظروف خارجة عن الإرادة، وفي هذه الحفلة بعد انتهائي من الغناء تقدمت لأحيي الناس فاعتقدوا إنني انتهيت من فقرتي وكان الجمهور يطلب مني أغنية "يا أغلى اسم في الوجود يا مصر"، فأسدل الستار، ثم عادوا وفتحوه، وأكملت غنائي. عاصرت بعض معارك الأمة العربية، وغنيت كثيراً من الأغاني الوطنية مثل "يا أغلى أسم في الوجود يا مصر"، و"أنا النيل مقبرة للغزاة" و"صوت المآذن" وغيرها، ما سر نجاح تلك الأغاني؟ - كل الحروب بدءاً من حرب 1948، وتلك الأغاني كانت صادقة ومعبرة، كانت عن الحدث والمناسبة التي قدمت من أجلها، وهدفها ليس المادة. ثم إن الشعب العربي كله كان يتفاعل معها لأنها تعبر عن قضية. توجد أرض عربية محتلة ويوجد شعب عربي مشرد هو الشعب الفلسطيني. وفي عام 48 غنيت قصيدة للفلسطينيين للشاعر بولس سلامة يقول مطلعها: يا زائراً مهد عيسى غير مضطرب لا تأمن الدرب صار الدرب آتون/ يا قاصد المسجد الأقصى أما لمحت عيناك في حائط المبكى ثعابين". أنا أول مطربة غنت لفلسطين. وفي عام 1952 غنيت في مصر "ليوم النصر" ثم غنينا في مناسبة العدوان الثلاثي "انا النيل مقبرة للغزاة" و"أنا الشعب ناري تبيد الطغاة" ثم "يا اغلى اسم في الوجود يا مصر" و"عيون البرتقال" و"المناضل الشهيد" و"أمة الحق". وغنيت للجزائر اغنية "يا طير يا طاير خد البشاير من مصر وأجري على الجزائر" و"ما أحلى الغنا بعد الرصاص ما تكلم على الجزائر يا سلام وسلم" و"صوت المآذن" و"عدي يا سفاين عدي". في مناسبة عبور القناة وفي عام 1974 غنيت نشيداً لسورية "سورية يا حبيتي أعدت لي كرامتي" لمساندة سورية للشعب الفلسطيني. ثم غنيت للبنان "باق ومجدك لم يغرب ولم يغب يا درة في جيش الشرق والعربي" ثم غنيت لقانا واطفالها، واخيراً للاسرى العرب. هل كان زواجك من محمد سلمان بتوجيهات من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؟ - الرئيس الراحل عبدالناصر لم يفرض علينا الزواج، ولكنه نبه والدي. وعبدالناصر كان يحب الفن والفنانين وكان يحب سماع أصوات فنانين معينيين وكان يحب صوتي وصوت محمد قنديل، وكان يقول صوت نجاح سلام صواريخ هدامة على اسرائيل. وفي إحدى الحفلات التي حضرها نزلنا لنسلم عليه أنا وسلمان، وكانت الجرائد بدأت تكتب عنا، فقال لوالدي - رحمه الله - بأننا مناسبان بعضنا لبعض، فلماذا لا يتزوجان؟ فرد والدي عليه قائلاً حاضر يا رئيس. وفعلاً تم الزواج، وقدمت وسلمان "لبيك يا علم العروبة كلنا نبقي الحما" وأعمالاً سينمائية وأغاني مثل "بدي عريس ويوم النصر". هل تقبلين ان يلحن لك ملحنون شباب؟ - يهمني العمل فقط دون الاسماء. وفي اغنية "من العصر وأنا متذوقة" جاءني فتحي حجازي وهو ملحن جديد فلحن لي الاغنية في زمن العمالقة مثل السنباطي واحمد صدقي والموجي. أنا لا أرفض عملاً من دون أن أسمعه واقتنع به وأقيم هذا العمل. والموهبة لا تتوقف على اسم فنان كبير. وقد يمتلك ملحن جديد موهبة ويقدم عملاً جيداً. من تعجبك من مطربات الجيل الحالي؟ - أحب أنغام وأصالة وغادة رجب وذكرى، ولكنهن يبحثن عن الاغنية التي ترقّص الناس. ومن المطربين علي الحجار وهاني شاكر ومحمد رشدي ومحمد الحلو ومدحت صالح وكاظم الساهر ومعين شريف وصبحي توفيق وجورج وسوف. الرئيس اللبناني الهراوي منحك وسام "الأرز" وهو أعلى وسام لبناني، فما المناسبة؟ - الرئيس الهراوي متذوق للفن ويحترم الفن الجميل وقد رأى أنني لست فنانة لبنانية فقط، ولكني سفيرة للفن اللبناني والعربي بدليل أنني عندما حضرت الى مصر غنيت بموهبتي ونشرت الاغنية في شمال افريقيا كلها. وفي نظره ان الفنان أخلاق وتربية ومعشر وأسرة وسمعة، ولذلك كرمني وكنت أول من كرمها. وهذا شيء جميل وقد حصلت على أوسمة وجوائز عدة من الدول العربية كلها وباريس. عدد من المطربين زار اسرائيل، ما رأيك، وهل وجهت لك دعوات للزيارة؟ - وصلتني دعوتان أو ثلاث لإقامة حفلات هناك فرفضت طبعاً على رغم المبلغ المغري الذي عرض علي. واذا وجهت اليّ دعوة من الرئيس عرفات لزيارة غزة فسأرفضها اذا ختم جواز سفري بختم اسرائيل. ولن أذهب الى فلسطين إلا بعد تحريرها. أما بخصوص من زار اسرائيل من المطربين المصريين، فلا تعليق لي وكل واحد حر. ماذا يشغلك حالياً؟ - كل انشغالي بالعبادات والقراءات الدينية. وبالنسبة للغناء فقد انتهيت من مجموعة من الأدعية الدينية للإذاعة والتلفزيون المصريين، وأغنية عن الاسرى، والبوم "زمن الوفا". وللأسف لم يوزع في مصر بعد، ولكن هناك محاولات مع شركتين لتوزيعه قريباً في مصر. وسأشارك في مهرجان الاغنية في دار الأوبرا المصرية قريباً.