"ان الدور الرئيسي في هذا العرض يلعبه الماء. ففي جوف الرطوبة الحقيقية تقوم المياه باحتواء كل شيء وهي تقطر من دون توقف. هذا العرض يدعو الى التأمل في الانسان الذي ولد ويموت والذي يتحدث عن هويته ويناضل في سبيل الحصول على وجهه الحقيقي". هذا القول للكاتب دانييل سيمونس ضمن مجموعة من الشهادات المكتوبة في كراس المسرحية البولونية "ترطيب" التي عرضت أخيراً على خشبة مسرح الحمراء في دمشق بالتعاون بين المعهد العالي للفنون المسرحية والسفارة البولونية. وتعرض كذلك في بعض العواصم العربية ضمن جولة. وفاجأ المخرج "ليشيك موندجيك" المتفرجين منذ دخولهم القاعة إذ سلط الأضواء على الجمهور وحجب الكراسي الموجودة على الأطراف بواسطة ستائر سوداء مما أجبر المتفرجين على الجلوس في منتصف المسرح مقابل الخشبة مباشرة. وبما ان المشاهد ما زال محصوراً ضمن اطار العرض التقليدي والتنويعات البسيطة التي تجري عليه، بعيداً عن مشاهدة عروض تكسر أفق التوقعات، يمكننا تصنيف هذا العرض ضمن اطار العروض الأدائية التي تعتمد على التقنية، إذ ابتعد العرض عن الحكاية مستخدماً صوراً بصرية متلاحقة تكسر كل محاولة لإيجاد معنى ممكن من خلالها. لكن العرض استطاع على رغم مدته الزمنية القصيرة التي لا تتجاوز النصف ساعة ان يترك الكثير من الإيحاءات والتداعيات، فاللعب علي مستويات الخشبة خلق احساساً بالعمق وكذلك أوحى تحريك الستارة بالدوامة، هذا الشيء اللانهائي المتكرر. وخاطب العرض احساس المشاهد مخلفاً انطباعاً قوياً بعيداً عن أي محاولة لإيجاد مرجعية في الواقعة. وتداخلت في هذا العرض معظم الفنون بعضها مع بعض وطرح للمرة الأولى مفهوم خشبة المسرح التشكيلي الذي يصاهر بين فن المسرح والرسم التشكيلي الأكثر ذاتية من فن المسرح. وبدخول هذا الأخير المسرح، ألغي أهم ما يقوم عليه العرض المسرحي وهو الممثل. وبرز عنصر مهم هو الاضاءة التي اعتمدت عليها المسرحية في شكل أساسي بالاضافة الى الموسيقى التي لعبت دوراً كبيراً فيها. العامل الأهم هو المياه التي تقطر مضفية جواً من الرطوبة سابغة معنى للحياة واستمرارها. وكان المسرح في هذا العرض اطاراً لإظهار الفن التشكيلي في غير مكانه المعتاد في المعارض والغاليريهات وفي زمان آخر يفرضه مبدع العرض هو زمن حضور العرض المسرحي.