} تسارعت وتيرة الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، وتهاوت المواقع العسكرية ل"جيش لبنان الجنوبي" في عمق المنطقة المحتلة على مقربة من الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، واحداً تلو الآخر، بعدما فقدت قوات الاحتلال السيطرة على هذه المواقع لتنقسم منطقة القطاع الاوسط في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون شطرين: شمالي شرقي وجنوبي غربي. وزحف الاهالي ابتداء من ساعات الصباح الاولى في اتجاه القرى المحررة مشياً عبر الاودية والجبال الوعرة، وفي مواكب سيارة في ظل مواكبة لسيارات الاسعاف تتقدمها جرافات تابعة لمؤسسة "جهاد البناء" حزب الله كانت تزيل الاتربة من الطرق. وكان استقبل الوافدون بالاهازيج ونثر الرز والورود وسط صيحات التكبير. وتمكن الاهالي من دخول القرى المحررة على رغم القصف الكثيف للمدفعية الاسرائيلية ولسلاح الجو للحؤول دون تقدمهم ما ادى الى مقتل اربعة واصابة نحو عشرة آخرين بجروح مختلفة. ورافقت ذلك مواجهات بين المقاومين ووحدات من "الجنوبي" كانت تنسحب في اتجاه مرجعيون. وافاد شهود عيان "الحياة" ان اكثر من مئة عنصر من "الجنوبي" سلموا انفسهم الى الجيش اللبناني، وعدد مماثل الى "حزب الله". ونقلت وكالة فرانس برس عن مصادر امنية ان مئات من عناصر "الجنوبي" فروا عبر الوديان من مواقعهم بعدما نزعوا ثيابهم العسكرية وارتدوا ثياباً مدنية وسلموا انفسهم الى "حزب الله" والاجهزة الامنية، في حين توجه ضباط وعائلاتهم عبر الحدود الى اسرائيل. وشهد الطريق الساحلي الذي يربط بيروت بالجنوب زحمة سير خانقة بوفود المواطنين والاهالي المتجهين الى القرى المحررة. أولى البلدات التي تحررت حولا، حين تجمع عدد من اهاليها مع ساعات الصباح الأولى في بلدة شقرا القريبة منها. ولما علموا ان عناصر "الجنوبي" بدأوا بإخلاء مواقعهم المحيطة ببلدتهم، اندفعوا نحوها، ما حمل القوات الاسرائيلية على قصف الأودية والطرق المؤدية اليها بالقذائف ورشقات القنص الغزيرة، لمنعهم من التقدم. ثم شنّت طائرات حربية اسرائيلية غارتين متتاليتين على محيط البلدة بعدد من الصواريخ، الا ان الأهالي واصلوا اندفاعهم نحو البلدة مشياً، سالكين الأودية والجبال الوعرة، فيما كانت جرافات تابعة لمؤسسة "جهاد البناء" حزب الله تشق طريقاً لاختصار المسافة، فعبرتها السيارات وتمكن الأهالي من دخول البلدة... فاستقبلهم سكانها بالزغاريد فيما سلّم من تبقى من عناصر "الجنوبي" وعددهم نحو 40 أنفسهم الى المقاومة والأهالي. وصودر العتاد والأسلحة التي كانت في مواقعهم. ومن حولا الى مركبا حيث سبق دخول الأهالي اطلاق المروحيات الاسرائيلية النار على مداخلها لمنعهم من ذلك، الا انهم أصرّوا على متابعة طريقهم نحوها عبر المسالك الجبلية وبالسيارات. وفور وصولهم الى مدخلها احتشد الأهالي لاستقبالهم ونثر الرز والورود عليهم. وكان في مقدم الواصلين النائبان علي خريس حركة أمل ونزيه منصور حزب الله ومسؤولون من قيادة الحزب الذين استمعوا الى مطالب الأهالي، فأبلغوهم بضرورة استعجال دخول الشرعية اللبنانية والاهتمام الانمائي. وسلّم عدد من عناصر "الجنوبي" انفسهم فيما التزم عدد آخر منازلهم فأرشد الأهالي عناصر المقاومة الى منازلهم... واعتقلوهم. والمشهد كان يتكرر في كل قرية. اذ راحت المدفعية الاسرائيلية تقصف محيط كل قرية متاخمة لقرية اخلاها "الجنوبي" لتوه. وبينما كانت المعلومات تتوالى عن بدء عناصر "الجنوبي" بالفرار، كان اهالي القرى المحيطة يحتشدون استعداداً لدخولها، بعد ابلاغ ساكنيها لهم ان الطريق اصبحت آمنة. وهذا ما حصل في بلدتي بني حيان وطلوسة اللتين فرّ من مواقعهما عناصر من "الجنوبي" نحو الشريط المحتل، وسلّم آخرون انفسهم تباعاً للأهالي والمقاومة. وبلدة بني حيان كانت شبه مهجورة اذ بقي فيها نحو 30 شخصاً، وحين سمعوا أبواق السيارات، خرجوا الى الطريق التي بدت قديمة، مزغردين وراحوا ينثرون الرز والورد. وقال بعضهم "إن بلدتنا ولدت اليوم من جديد". ولم يستطع بعضهم وصف السعادة التي اعترتهم وخصوصاً الوافدين الى البلدة بعد اكثر من 15 عاماً غياباً عنها. وفي بلدة طلوسة، تجمع الأهالي في ساحتها ونحروا خرافاً وأطلقوا زغاريد وبثوا أناشيد "حزب الله" الذي رفعت اعلامه فيها. وقال بعض ابناء البلدة العائدين "غداً تأتي الدولة وتفرض الأمن والنظام هنا". ودخل شبان موقع مشعرون في البلدة وأحضروا منه عتاداً. وكانت معهم سيدة من بلدة خربة سلم، وهي أم شهيد، فجالت في الموقع وأحضرت منه عتاد المقاوم رفيق زهوة رفيق ابنها وملابسه. ومن هناك زحف المواطنون وسكان القرى المحيطة الى بلدتي رب ثلاثين وميس الجبل. وبدءاً من ساعات الظهر، كثف الاحتلال الإسرائيلي قصفه على محيط المنطقة، لوقف تدفق الحشود التي تجمعت في الساحات العامة، وفيما راح البعض يزرع أعلام المقاومة أدى البعض الآخر الصلاة، وباشر شبان يحملون لوائح إسمية، البحث عن عناصر من "الجنوبي" بقوا داخل هذه البلدات ولم يسلموا أنفسهم. وكان أهالي ميس الجبل في قضاء مرجعيون أكبر قرى المنطقة بدأوا في ساعة مبكرة من الصباح بالتجمع في ساحة البلدة، استعداداً للتوجه في موكب من السيارات الى حولا المجاورة التي أخذ أهاليها يدخلونها فجراً. وانضم إليهم نحو 25 عنصراً من البلدة كانوا في عداد "الجنوبي" وساروا في مسيرة واحدة الى حولا حيث سلّم هولاء أنفسهم الى عناصر من المقاومة الإسلامية داخل البلدة ولم يتخلف منهم سوى شخصين تردد أنهما تركا البلدة فجراً وتوجها مع أفراد عائلتيهما الى إسرائيل عبر بوابة ال17. ولدى عودة الوفد من حولا انضم إليهم المئات من أبناء البلدة كانوا وفدوا من بيروت، ودخلوها قبل التاسعة صباحاً وراحوا يتفقدون منازلهم ويتبادلون التهانئ مع أبناء بلدتهم المقيمين الذين لم يغادروا وبقوا فيها صامدين. ويقدر عددهم بنحو 2500 نسمة من أصل 27 ألفاً. ونحو التاسعة صباحاً، وأثناء تزاحم السيارات للعبور من حولا الى ميس الجبل، بدأ الطيران المروحي الإسرائيلي يحلّق على ارتفاع مخفوض فوق مواكب العائدين، لتغير بعدها مروحية من طراز "أباتشي" وتدمر دبابة وآلية تركها "الجنوبي" على الطريق الدولية الواقعة بين البلدتين. وسرعان ما التهمت النيران الدبابة والآلية، وأعقب ذلك انفجارات على مرأى من المارة الذين اضطروا الى ترك سياراتهم على الطريق واللجوء الى أمكنة آمنة، خصوصاً أن جيش الاحتلال عمد من مواقعه في مستوطنة المنارة التي تطل على البلدة، إلى اطلاق النار من أسلحة رشاشة وصاروخية. حتى أن الأهالي شاهدوا بأم العين انفجار الذخائر التي كانت في داخلها، ما أدى الى تطاير الشظايا التي أصابت المواطن مسلم عبد مصطفى طه 26 عاماً بجروح. واللافت أن حركة العبور لم تتأثر بترهيب الاحتلال الأهالي الذين تمكن المئات منهم من الوصول الى بلدتهم، الى أن أخذت الحركة تخف تدريجاً. وظن الأهالي للوهلة الأولى أن جيش الاحتلال يحاول ترهيبهم لمنعهم من الاحتفال بتحرير بلدتهم، لكنهم فوجئوا بأن النيران أخذت تستهدفهم مباشرة ما أدى الى وقوع ضحايا. وأفاد شاهد عيان "الحياة" أنه تولى بالتعاون مع إخوته نقل جريح أصيب عند مدخل البلدة الى المستوصف لاسعافه، وشاهد جثة شاب ملقاة عند حافة الطريق، علم في وقت لاحق أنه استشهد متأثراً بجروحه البليغة التي اصابته في معظم أنحاء جسده. وفي العديسة حاول الاهالي الذين قدموا من بلدات مركبا والطيبة وحولا دخولها لكنهم تعرضوا لنيران من اسلحة رشاشة وقذائف صاروخية. وأدى القصف الى اصابة شخص اسمه عباس صولي من الطيبة كان يستخدم جرافة لفتح الطريق بين الطيبة والعديسة. وأفاد شهود عيان ان قوات الاحتلال التي بقيت داخل البلدة طلبت من الأهالي البقاء في منازلهم وحذرتهم من الخروج الى الساحة تحت طائلة تعريض حياتهم للخطر. وأكد هؤلاء ل "الحياة" ان عناصر من الاستخبارات الاسرائيلية صادرات عدداً من أجهزة الهاتف الخلوي. وأشاروا الى ان قوات الاحتلال تولت حماية قافلة عسكرية تابعة ل"الجنوبي" عبرت من بلدة كفركلا الى العديسة مؤلفة من دبابتين وملالتين. وتولت حماية جرافات اسرائيلية رفعت السواتر الترابية لعزل العديسة عن المناطق المحررة وإبقاء الطريق الدولية ما بين العديسة وكفركلا مفتوحاً من دون السماح بعبوره الا للذين يحملون اذونات خاصة من الاستخبارات الاسرائيلية التي اقامت مركزاً لها في منطقة مسكاف عام. وأفاد شهود عيان "الحياة" ان الأهالي سمعوا من داخل منازلهم، أصوات قذائف تنفجر على مقربة منهم وتحدثوا عن احتمال سقوط جرحى من الأهالي. ونحو الثالثة انسحب عناصر "الجنوبي" من البلدة وفر قسم منهم الى كفركلا فيما تموضع قسم في تلة الثغرة، وهي عبارة عن مرتفع عالٍ محاذٍ لمسكاف عام الذي عزز بالآليات وسلم 17 آخرون انفسهم. وبينما تردد ان مسؤول المنطقة الأمنية في "الجنوبي" روبين عبود أصيب بجروح خطرة ونقل الى مستشفى مرجعيون، ذكرت وكالات الأنباء الأجنبية أنه أصيب بانهيار عصبي. وتابع الأهالي تقدمهم نحو معبر بيت ياحون، احد المعابر الخمسة التي تربط الشريط المحتل بالمناطق المحررة. وبينما أعلنت الاذاعة الاسرائيلية انكفاء عناصر "الجنوبي" منه ومن مركبا الى مقر قيادة الفوج العشرين في مرجعيون، أفاد الأهالي ان عشرات من عناصر "الجنوبي" تركوا مواقعهم وأسلحتهم وتوجهوا نحو المراكز العسكرية التابعة للجيش اللبناني، ما بين بلدتي بيت ياحون وتبنين. فراحت المدفعية الاسرائيلية تقصف المنطقة بالقنابل، خصوصاً الدخانية ما أدى الى اصابة المواطنين باسم موسى برجي وخليل رياض دبوق. وفي هذا الوقت كانت طلائع قوافل الأهالي تتجه نحو بلدتي بيت ياحون وميس الجبل حيث اغارت طائرات حربية اسرائيلية على محيط البلدة الأخيرة أثناء دخول الأهالي اليها ما أدى الى مقتل شخصين هما: عبدالكريم علي عساف وابراهيم ماروني من بلدة شقرا، في حين قتل علي عبدالله جفال وحسين كرنيب في رشاف وحداثا. وجرح 20 مواطناً عرف منهم حسام فرحات وصادق فرحات وابراهيم علي شهاب وجعفر حسين فرحات وناريمان سمير غطيمي وابراهيم محمد شري وخليل رياض دقيق وعلي حسين فران وغالب سليم بيضون ونبيه محمد بزيع والطفل حسين محمود عباس ورضا سعد. وفي ساعات بعد الظهر زحف الأهالي في اتجاه قرى كونين ورشاف ومحيبيب وصف الهوا وسط احتفالات بالغة الحفاوة من الأهالي الذي وصلوا بالسيارات وسيراً، على رغم القصف الذي استهدف محيط هذه المناطق. ودارت اشتباكات بين عناصر من المقاومة الاسلامية وعناصر من "الجنوبي" على مدخل كونين التي استهدفت ايضاً بالقذائف الصاروخية وبالرشاشات الثقيلة ما دفع الأهالي الى الاختباء في المنازل. وفيما أعلن "حزب الله" في بيان انه بناء على قراره وجوب محاكمة كل المتعاملين مع العدو الاسرائيلي سلم أمس مديرية المخابرات في الجيش اللبناني دفعة أولى مؤلفة من 12 عميلاً استسلموا له خلال الأيام الأخيرة. وأفاد ان نحو مئة من عناصر "الجنوبي" استسلموا لمقاتليه أمس في القرى التي تحررت.