منذ ربع قرن والفنانة العراقية المقيمة في عمان هناء صادق تحاول أن تقبض على تجليات الزي العربي التراثي، ونقله الى فضاء القماش، حتى غدت أزياؤها سفيراً لهذا الفن العربي. شاركت في الكثير من المهرجانات، ووضعت كتباً ومؤلفات وأبحاثاً عن الحلي والمطرزات وزينة المرأة العربية. "الحياة" التقت صاحبة كتاب "الوشم" بمناسبة مهرجان كاتانيا للأزياء بمدينة صقلية بإيطاليا الذي يبدأ في 25 تموز يوليو المقبل. ماذا تعني لك المشاركة في مهرجان كاتانيا بإيطاليا برفقة عدد من أشهر مصممي الأزياء في العالم؟ - تعني التحدي القائم بين حضارتي الشرق والغرب، كما تمنحني الثقة باستعادة الحيوية المنسية التي تتميز بها ثقافتنا العربية - الإسلامية. فالفنون التي أتناولها وأستقي من مناهلها في عملي غنية جداً، وأتمنى أن أتمكن من إظهار هذه الفنون بصورة جيدة في المهرجان، ولا أخيب ظن الجمهور العربي الذي سأمثله. ولماذا اختيار مدينة صقلية بالتحديد؟ - لأنها بلد العديد من المصممين الإيطاليين المشهورين، ولعلهم يريدون جعلها مركزاً للموضة في حوض البحر المتوسط، فضلاً عن أن الآثار الموجودة في هذه المدينة التاريخية العريقة موشومة بروح الحضارة العربية الإسلامية. وبماذا يتميز هذا المهرجان عن سواه من المناسبات التي شاركت فيها في مختلف بلدان العالم؟ - يتميز في كونه مخصصاً للإبداعات الجديدة في الموضة، بينما مشاركاتي السابقة كانت في اطار العروض الفولكلورية والفنون الشعبية. وكيف ستكون مشاركتك في المهرجان. ماذا ستعرضين هناك؟ - سأقوم بعرض ثلاثين قطعة من تصميماتي التي سأطعمها ببعض القطع الفولكلورية القديمة التي تضمها مجموعتي، وأتمنى أن تُبرز التصميمات التي سأعرضها بأنني لست أنا الفنانة، وإنما الفنان هو هذا التراث الجمالي العميق للشرق بتنوعاته الفنية الغزيرة. وهل تسعين لأن تكون أزياؤك ممثلة لأطياف الزي العربي في مختلف الأقطار؟ - نعم، والقطع المعروضة تمثل تراث جميع الدول العربية، لكنها لن تشير الى قطر بعينه، لأن الفنون العربية موحدة تعكس روحاً جمالية لا توفرها أزياء قطر وحده. بالإضافة الى ذلك ستشتمل العروض الاكسسوارات المتعلقة بالأزياء كالقبعات والخلاخل والتيجان وسواها، وكان الله في عون العارضات اللواتي اخترتهن قصيرات وسمينات نسبياً كي يعكسن حال المرأة العربية التي ترتدي هذه الأزياء! ما هي العوامل التي تتحكم في اختيارك لأزيائك؟ - تتحكم فيها بالدرجة الأولى المعرفة بطبيعة الأزياء العربية، وقد سبق لي أن قمت بدراسة لأزياء عدد من الدول العربية في الخليج والمغرب العربي والشرق الأوسط، أمدتني بمخزون واسع من المعرفة لأزياء هذه البلدان ونقوشها وطبيعة أقمشتها، وهو ما عزّزته مطالعاتي للكتب القديمة المتصلة بتصميم الملابس، وكذلك إيحاءات الشعر، والخط العربي بأنواعه وتشكيلاته. كيف تبدأ فكرة التصميم؟ - تبدأ أولاً في المخيلة، ثم تنتقل الى الورق. وبواسطة القلم والممحاة تتبلور الخطوط الأولية للزي، وبعد ذلك يأتي اختيار الألوان، حيث ان طريقة تصميم الزي العربي تقتضي الاستعانة بعدة ألوان أساسية وفرعية. وبعد أن تكتمل التصميمات واختيار الألوان نختار الأقمشة المناسبة للزي، ونسلم كل ذلك الى الورشة المعنية بخياطة الزي. ما طبيعة القماش الذي تختارينه؟ - بعض التصاميم تحتاج الى قماش قوي، وبعضها متهدل. وفي الحالين أختار القماش الطبيعي والحرير الأصلي، وأنأى عن استعمال الحرير الصناعي لأن مسألة التلوث تدخل في صناعته وتنتج عنها، ومصانع الأقمشة صارت تُحدث تلوثاً بيئياً كبيراً في العالم، وبالتالي فلا أستعمل القماش الصناعي، حتى يكون العالم نقياً من التلوث. يضاف الى ذلك أن الأقمشة يتعين أن تعكس صورة التراث بصفائه ونقائه، والقماش الصناعي لا يعمّق تلك الصورة بل يخدشها. هل تستعينين بالكمبيوتر في تصميماتك؟ - ابنتي التي تخرجت أخيراً من الجامعة تستعمل الكمبيوتر في تصميم الأزياء، وهي تعمل معي، بل وتفوقت عليّ في خيالها وحرفيتها، وهي تستعمل الكمبيوتر الذي تخلو التصميمات التي يقدمها من الأخطاء البشرية. أما أنا فما أزال استخدم القلم والورقة، لأن في ذلك مصدر متعة لي، فأغيّر وأقصّر وأعرّض كما أشاء، وحتى خياطة الثوب تتم بالطريقة اليدوية، حيث ان استخدام الماكينة لا يتجاوز 20 في المئة من انجاز الزي. العمل اليدوي إنساني وحميم، وقريب الى القلب على رغم أغلاطه. أحياناً تبدو أزياؤك كما لو كانت مخصصة للعرض أكثر منها للإرتداء والاستعمال، حتى صار لدى بعض الناس اعتقاد بأنك تصممين الأزياء لتكون جزءاً من اكسسورات المنازل والأمكنة. ما مدى صحة ذلك؟ - هذه فكرة مغلوطة على رغم أنها شائعة، أنا أصمم أزيائي وألبسها لأنني مقتنعة بها، وأحياناً يكون سعرها غالياً فلا أتمكن من اقتنائها فأشعر بالحزن. وقد ثبت لي من التجربة الشخصية المباشرة أن هذه الأزياء مطلوبة بدلالة الإقبال عليها لارتدائها. كما أنني لا أجد ضيراً من أن أركب المترو بباريس وأنا مرتدية القفطان مثلاً. يضاف الى ذلك أن تشجيع انتاج مثل هذه الأزياء يمنح أولئك الذين يعملون بأيديهم فرص عمل لتحسين شروط حياتهم الاقتصادية، وعلى المدارس والمراكز التربوية اعادة ثقة الطلبة والناس بأزيائهم وتراثهم. أمام هذه الصعوبات، كيف تقومين بتسويق أزيائك؟ - بصعوبة، لأنها أشياء غير متداولة على نطاق واسع. ولكن السيدات والنساء المثقفات في الأردن هن اللواتي يلبسن بضاعتي، بالإضافة الى نساء الخليج اللواتي يلبسن أزيائي بفخر، وليس بخجل. وإذا أصبح لدينا زي عربي يحافظ على تراثنا ويصون ابداعاته، فالفضل في ذلك يعود الى أهل الخليج. وهل لديك الاستعداد للانخراط في أزياء الموضة الحديثة؟ - كلا، فالأزياء العصرية ليست شغلي. صحيح أن لدي ذوقي الخاص بالأزياء، ولكنّ مرجعيتي تراثية، وليس لدي الاستعداد للتخلي عنها، لأنني غير مقتنعة بالأزياء الحديثة. ويشرفني نتيجة هذا الاعتقاد أن أوصف باللاعصرية. فليس كل ما يحصل في هذا العصر يعد جميلاً، كما أن العصرية ليست في المظهر، واللباس أخلاقيات قبل أن يكون زياً. ومع ذلك فأنتِ في عروضك للأزياء تستعينين بطقوس مسرحية حديثة تعتمد على الحركة والإضاءة والموسيقى وغيرها من العناصر المسرحية... - صحيح، والسبب في ذلك لا يعود للعصرنة، بل لقصة الأزياء ذاتها التي تعكس تاريخ مجتمع ما وحضارته. أما عروض الأزياء الحديثة التي يكون هدف منظميها عرض أكبر كمية من الملابس بأقصى سرعة ممكنة، فلا يناسبني. فالأزياء لدي مرتبطة بالأسطورة. ففي مهرجان جرش 1998 قدمت عرض شمس وقمر المستمد من قصة شعبية رافقتها العناصر المسرحية كي تعطي صورة حضارية بالصوت والصورة والإيقاع الحركي والبصري والموسيقي، وبمشاركة عشرين عارضة. وما هي شواغلك الأخرى؟ - لدي طموح أن تستلم أحد سواي عملي هذا لأتفرغ لبحوثي وكتاباتي التي تحتاج الى وقت كبير. فبعد أن أصدرت كتاب الوشم عن وزارة الثقافة الأردنية قبل نحو 13 عاماً، أنجزتُ بحثاً عن زينة المرأة العربية في الأمس القريب، ولدي كتاب عن الحلى الفضية بثلاث لغات عربي - انكليزي - فرنسي، وليس في وسعي طباعته لأنه يحتاج الى نحو 20 ألف دولار. ومن المؤكد أنني التصقت بالأزياء التراثية العربية حتى باتت جزءاً مني. فبالأزياء هذه أشعر بالثقة والقوة، فهي ليس قماشاً يكسو الأبدان، انها عنوان حضارة ورمز كبرياء، ورافعة من الروافع الأساسية لمكافحة الاحباط الذي يلف حياتنا العربية.