قال وزير المال والمواصلات الكويتي الشيخ أحمد عبدالله الصباح إن الاقتصاد الكويتي يقف على عتبة الانتقال إلى مرحلة تنموية جديدة تعتمد اقتصاداً متنوعاً ودخلاً متولداً من عناصر انتاج متجددة. ونفى الشيخ أحمد في حديث إلى "الحياة" ان تكون الكويت تواجه وضعاً مالياً خطيراً، مشيراً إلى التركيز على القضاء على عجز الموازنة "والذي أصبح وشيكاً". وأضاف ان الحكومة ستعمل على ترشيد الدعم للسلع والخدمات بهدف السيطرة على الهدر والتوجه إلى دعم الانتاج والاستثمار بدلاً من الاستهلاك. وأكد الوزير الكويتي أن حكومته ستواصل العمل لتوفير فرص عمل لمواطنيها ضمن القطاع الخاص، لافتاً إلى أن السياسة العامة تهدف إلى اتمام عملية التخصيص بالتزامن مع تنشيط الاقتصاد "ليتم استيعاب الزيادة في العمالة الوطنية واحلالها تدريجاً محل العمالة الوافدة". وذكر ان الحكومة في صدد التقدم هذه السنة بمشروع قانون لتطبيق نظام ضريبي "عادل وفعال". وفي ما يأتي نص الحديث: بعد تحسن أسعار النفط، هل لا تزال الكويت تواجه وضعاً مالياً خطيراً مقارنة مع الثمانينات عندما كان الفائض المالي يصل إلى نحو 15 في المئة؟ - أولاً... اسمحي لي أن أصحح لك بعض المقولات غير الصحيحة. الأولى تتعلق بكون الكويت كانت "تواجه وضعاً مالياً خطيراً". هذا غير صحيح، فهناك فرق بين وجود عجز كبير في موازنة الحكومة بسبب انخفاض أسعار النفط إلى أقل من النصف، وبين كون ذلك يشكل وضعاً مالياً خطيراً. الموازنة العامة لم تحقق عجزاً في كل الاعوام في النصف الثاني من التسعينات، اذا نظرنا اليها ككل وبعد الغاء اثر التقلبات السنوية لاسعار النفط على الايرادات النفطية. هناك دراسات متعددة أوصت بحلول عدة لمشكلة الهيكلية الاقتصادية التي تتسم في عجز القطاع العام، كفصل الأجور عن الريع الاجتماعي الذي كان يدفع في الأصل للأسر الكويتية، وانهاء ضمان الحكومة العمل للجميع، وإلغاء دعم الأسعار، وتنفيذ برنامج تخصيص كبير، وتقديم الريع الاجتماعي لجميع الكويتيين؟ - هذه الجوانب التي تتعلق بالتكيف الهيكلي للاقتصاد الكويتي ليست بالضرورة مواطن ضعف، بل تشكل جزءاً من عملية تحول اقتصادي بعيدة المدى. إذ ان الاقتصاد الكويتي يقف الآن على عتبة الانتقال إلى مرحلة تنموية جديدة تقوم على اقتصاد متنوع ودخل متولد من عناصر انتاج متجددة من عمل ورأس مال. ودخول المرحلة الجديدة يتطلب عدداً من التغيرات. ويهمني في هذا السياق ايضاح ان السياسة المالية والاقتصادية للحكومة تنحو تجاه زيادة نسبة الأجور المكتسبة في اجمالي دخل القطاع العائلي من خلال زيادة انتاجية العمل بشتى الوسائل. أما في ما يتعلق بتوزيع الأدوار الاقتصادية بين الحكومة والقطاع الخاص، فهذا أمر طبيعي وتطوري، إذ ساهمت الحكومة في بناء القدرة المالية والفنية للقطاع الخاص على مدى العقود السابقة، وحان الوقت لمساهمته بدرجة أكبر في النشاط الاقتصادي. هل تراعي الكويت أن تتم معالجة هذه المشاكل الملحة، وأن تتخذ اجراءات السياسات اللازمة في إطار اقليمي مع دول مجلس التعاون؟ - الهياكل الاقتصادية لدول مجلس التعاون يجمع بينها اعتمادها الكبير على القطاع النفطي. ولذا فإن متطلبات التحول والتغيير تتشابه لتشابه الظروف والهياكل الاقتصادية. ومع هذا فإن لكل دولة خصوصياتها وتجاربها الذاتية ومقيداتها، ونحن بطبيعة الحال نتشاور دائماً ونتبادل التجارب مع كافة الدول الأعضاء في المجلس لتنسيق السياسات وتعميق التعاون الاقليمي بينها. معالجة العجز الهيكلي في الموازنة يمثل أشد المشاكل الاقتصادية التي تواجه الحكومة. هل هناك برنامج زمني لسد العجز ومن ثم بناء رصيد الاستثمارات الخارجية من جديد؟ - عملية الاصلاح الاقتصادي بكافة مكوناتها تعمل على إعادة هيكلة كل من الموازنة العامة وإطارها الاقتصادي، نظراً إلى الترابط العضوي بينهما. ونحن نرى أن تشجيع النشاط الاقتصادي الانتاجي بكل متطلباته، بما فيه زيادة نسبة الاستثمار في كل من الموازنة العامة والاقتصاد، كفيل بتحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي، في وقت تنخفض نسبة الانفاق الاستهلاكي المحلي سواء العام أو الخاص. هل هناك تقديرات حول قيمة الاستثمارات الخارجية قبل الغزو وبعده، وما السياسات التي تتبعها الكويت لتنمية هذه الاستثمارات، وما هي الخريطة الجغرافية لتوزعها؟ - كان للغزو أثر كبير على تآكل الاستثمارات الخارجية سواء لجهة أثره على انتاج النفط والعائدات النفطية أو كلفة الدفاع ونفقات إعادة البناء. إلا أن الاستثمارات الخارجية بدأت تتعافى بعض الشيء في النصف الثاني من التسعينات مع إزالة آثار العدوان وتخفيف الضغط عليها من حيث الوفاء بمتطلبات تمويل عجز الموازنة والتي أصبحت تنحو نحو التوازن. يعزى عدم كفاءة الاقتصاد الكويتي إلى الدعم الذي تقدمه الحكومة لأسعار السلع والخدمات. ما هي السياسة التي تتبعها الدولة لتحديد مستحقي الدعم وإلغائها عن الآخرين؟ - نحن على طريق التحول التدرجي عن سياسات الدعم وترشيدها وقصرها على فئات مستهدفة من ذوي الدخل المتدني والمستحقين، وسيكون ذلك من خلال إطار وسياسة اجتماعية محددة المعالم هي الآن محل إعداد من قبل الجهات المختصة. ما هي السياسة والآلية التنفيذية لعملية التخصيص، وكيف تتعاملون مع العمالة الوطنية وكيف ستستثمر عوائد عملية التخصيص؟ - قانون التخصيص في سبيله إلى التصديق عليه وسيلي ذلك مباشرة إقرار الإطار التنفيذي للعملية ومسار الاعداد لها سواء بترشيد الهياكل المالية للشركات المزمع تخصيصها أو خلق الإطار العام والبيئة الاقتصادية المواتية لعملية التخصيص ذاتها وإدارة الاصول التي يتم تخصيصها. أما في ما يخص وجود عمالة فائضة في النشاطات التي يتم تخصيصها، فإن السياسة العامة للحكومة تهدف إلى أن تتم العملية في الوقت ذاته الذي يتم فيه تنشيط الاقتصاد، وبالتالي قدرته على استيعاب الزيادة في العمالة الوطنية والفائضة، مع إعداد الكوادر الفنية الكويتية اللازمة. في ظل تأرجح الايرادات النفطية، هل تفكرون بتطبيق نظام الضرائب لزيادة العائدات الحكومية؟ - بناء نظام ضرائبي فعال وعادل هو من ضمن المقومات السيادية للدولة ومن الأدوات الرئيسية لإدارة الاقتصاد، خصوصاً في مجال توزيع الدخل، إضافة إلى كونه أحد المصادر السيادية المتجددة لايرادات الموازنة. ونحن في سبيل تقديم مشروع سياسة ضريبية في هذا الشأن السنة الجارية. يتردد ان وزارة المال تلعب دور "إعداد الموازنة" من دون أن تساهم بدور فعال في إدارة عجلة الاقتصاد الكويتي... فهل تتفق مع استحداث حقيبة جديدة للاقتصاد؟ - تركيز السياسة المالية في الماضي على البعد المالي للموازنة فرضته طبيعة المرحلة السابقة "النفطية" للاقتصاد، إذ كانت الموارد تفوق المصروفات، في حين كان الاقتصاد المحلي صغير الحجم ويعتمد بالدرجة الأولى على الانفاق الحكومي. إلا أن هذا الوضع تغير الآن. إذ لم تعد الايرادات النفطية كافية في حد ذاتها، كما أن حجم الاقتصاد المحلي بدأ ينمو، وأهم من ذلك كله وجود فائض عمالة ظاهر أو مقنع، الأمر الذي فرض توجه وزارة المال نحو إعداد الموازنة في إطارها الاقتصادي الكلي بغية تحقيق أهداف النمو والتوازن الاقتصادي وإعادة هيكلة الاقتصاد والموازنة في آن.