من هي شوشو؟ من هو سعيد؟ ابراهيم؟ صلاح؟ تحية؟ هدى؟ من هم كل هؤلاء؟ وما علاقتهم بزلزال تشرين الأول أكتوبر 1992؟ وإذا لم يكن هناك زلزال محوراً لأحداث الفيلم، هل يتغير في الأمر شيء؟ كل هذه الاسئلة تطرح نفسها وتقفز إلى ذهنك بمجرد الانتهاء من مشاهدة فيلم "كرسي في الكلوب" للمخرج الشاب سامح الباجوري في أول أفلامه الروائية، ومن تأليف هاني فوزي، مؤلف فيلم "أرض الاحلام" لداود عبد السيد. الاجابة عن هذه الاسئلة ترد لاحقاً. يبدأ الفيلم بلقطة لشوشو لوسي وهي تتأمل وجهها في مرآة الحمام التي يكسوها البخار، بينما نستمع الى صوت أغنية افراح شعبية تؤديها مجموعة من النساء. ويصاحب هذه اللقطة نزول التترات.. استعداد شوشو للزفاف الليلة هو سبب تجمع النساء وصخبهن، نرى بينهن صديقتها تحية إنتصار ويدخل صلاح محمد شرف خطيب شوشو السابق غاضباً لأنها تركته لتتزوج من سعيد صلاح عبدالله وتدور معركة محتدمة كلامية بداية مشكلة الايقاع في الفيلم يهدد فيها شوشو بإفشاء وجود علاقة حسية بينهما، الى والدها وعريسها المرتقب، بينما تعيره شوشو بفقره موضحة أنها اختارت سعيد لأنه سيلبي احتياجاتها المادية، وتصف شاربيه بشريط اللحام. ثم نرى سعيد الذي يعمل في الخليج ويرغب في الزواج سريعاً، بينما تعارض امه علية الجباس اختياره شوشو، ونرى اشقاءه الثلاثة الصغار وهم يشتركون في الملامح والنظارات الطبية والسمنة ولا نعرف سر اختيار المخرج هذه الانماط، ربما لتحقيق تأثير كوميدي. قدم السيناريو شخصية هدى سلوى محمد علي صديقة شوشو التي تصرخ وتضج بالشكوى، لأنها تعيش مع والدة زوجها في شقة شديدة الضيق قابعة تحت خط الفقر. وفي المشهد التالي نرى هدى الى جوار شوشو، في صالون التزيين وقد حلت الضحكات محل اللعنات، كأنها تحولت امرأة اخرى. بينما نرى صديقتهما تحية صاحبة الصالون تتبادل النظرات مع المزين الشاب عمر شريف عواد ثم يقدم السيناريو ابراهيم مدحت صالح صديق سعيد الذي يصطحب شوشو وتحية وهدى، من صالون التزيين بسيارة مستأجرة ومزينة، وهكذا تكون الفرصة مهيأة ليقدم مدحت اغنية تحمل اسم "سايسو"، تبدأ الأغنية داخل السيارة وتستكمل داخل الحارة وسط أهلها، والراقصات والاوراق اللامعة الملونة المتناثرة. تعود شوشو وصديقاتها الى المنزل لترتدي فستان الزفاف وتنصحها هدى بحشو صدرها بالقطن وهي تقول لها "الرجالة بيحبوا كده ...". يدخل العريس ليرى عروسه وهو يكاد يغشى عليه من فرط الإثارة محاولا تقبيلها، في هذه اللحظة يبدأ الزلزال، ليعلنه الباجوري من خلال لقطات ذكية وتفاصيل موحية لا تفتقد الطرافة، باستثناء عامل الزمن. العلاقة مفقودة بين الزمن الفيلمي والزمن الواقعي، ولم تستطع مهارة المونتير الموهوب خالد مرعي رتق اواصرها. شوشو ما زالت محتجزة في انتظار المنقذ داخل المنزل الذي يتفكك قطعة تلو اخرى، بينما بدا واضحاً اصطناع الخامات التي استخدمها مهندس الديكور مختار عبدالجواد، وبدا ايضاً اصطناع التفكك المتعاقب والدمار المنظم لاجزاء المنزل، وكذلك فرق الجودة بين اللقطة المصورة سينمائياً والمنقولة للفيديو من اجل الغرافيك. سعيد أمام المنزل، ضعيفاً وحائراً، يطلب من صديقه ابراهيم انقاذ عروسه شوشو. ينجح ابراهيم في انقاذها تمهيداً لتحوله من صديق للبطل إلى بطل، ويقرر المنزل أخيراً ان ينهار تماماً بعد خروجهم مباشرة. الجميع وسط الانقاض حزانى، بينما صلاح يرقص فرحاً لانه مالك المنزل المنهار وبالطبع سيستفيد من ثمن الارض. لا نرى آثار الزلزال على الاماكن والوجوه. نرى فقط لوحة معلقة على المصعد تشير الى انه معطل بسبب الزلزال، حين ينتقل العريس وعروسه واسرتاهما الى منزل الزوجية ويضطرون الى صعود 13 طبقة، تحدث خلال عملية الصعود معركة حامية الوطيس بين شوشو وأم سعيد في مشهد شديد الطول ينتهي بقرار شوشو إنهاء مشروع الزواج - على رغم معارضة ابيها وابراهيم - وحمل حقيبة ملابسها والذهاب عند صديقتها تحية. داخل مصعد عمارة تحية، يحدث تابع آخر للزلزال، فتحتمي شوشو بحضن ابراهيم بسبب الخوف طبعاً، فيتطوع لايصالها الى منزل صديقتها، حيث نرى زوجها رجل الاعمال الثري امين خالد صالح متوتراً ومحاولاً الاطمئنان إلى أملاكه وعماراته، وهل اصيبت في الزلزال أم لا؟ نسمع ولا نرى. شوشو وتحية تتابعان اخبار الزلزال عبر التلفزيون. فجأة تهرع تحية ذاهبة للاطمئنان الى عشيقها مزين الشعر عمر وتترك شوشو في السيارة وتصعد لتكتشف ان عمر بدوره يخونها أيضاً. وحين تثور عليه وتصفعه يرد عليها ببرود "ما انتي كمان بتخوني جوزك". تستمع شوشو الى كل ما حدث، عبر الباب. تحية منهارة بسبب خيانة عشيقها وتحاول تبرير خيانة زوجها الثري بأنه يهينها ويضربها ويخونها أيضاً، وتطلب منها شوشو ان تقود السيارة بدلاً منها ولا نعلم بأي منطق تجيد شخصية مثل شوشو القيادة واين تعلمتها؟. المنطق الوحيد هو منطق لوسي البطلة لا منطق شوشو الشخصية التي لا نعلم عنها اي شيء سوى انها فقيرة ومقهورة من الرجل، ولديها تطلعات مادية وترغب في الزواج، وهي ملامح شديدة العمومية تشترك في اغلبها كل شخصيات الفيلم النسائية اللاتي يعتبرن تنويعاً على شخصية شوشو في شكل او بآخر. آن الأوان وبمنطق لوسي، نراها تغني أغنية آن الأوان حين تنفرد في شقة تحية الفارهة، وهي تستمتع بكل مباهج الحياة المحرومة منها، مشرباً وملبساً وحماماً. داخل حجرة الملابس تبدل شوشو في فلاشات متلاحقة، الكثير من الاثواب، وبينها ثوب رقص! على رغم أن تحية صاحبة الشقة ليست راقصة. وهنا يظهر منطق لوسي جلياً واضحاً، وتظهر ايضاً إشكالية اخرى في الاغنية، هي تعامل سامح الباجوري مع التقنية بمنطق الكليب والاعلان، لا بمنطق الدراما. المقصود بالطبع ليس محاولة التجويد في جماليات الصورة، بل ذلك هدف محمود في حد ذاته. لكن النقلات السريعة وحركات الكاميرا البانورامية السريعة ولَّدت هذا الاحساس. استطاع سمير بهزان ان يحقق ما اراده الباجوري في هذا المشهد الذي اقتربت اضاءته من إضاءة حلم تستيقظ منه شوشو في تابع آخر من توابع الزلزال. يصل ابراهيم بالحقيبة التي نسيتها في السيارة، وتطلب منه إيصالها الى منزل عمها وفي الطريق تشتبك معه وتنزل من السيارة تاركة الحقيبة مرة اخرى لتذهب في تاكسي. اسفل منزل العم، ينتظرها صلاح الخطيب السابق هل تتذكرونه؟ ويجدد عرضه بالزواج. تقبل شوشو بعدما تبدلت بها الحال. يصطحبها صلاح الى فندق وهناك يحاول اغتصابها بدافع الانتقام. ثم يلقي لها بمبلغ من النقود لاحظ أننا في الليلة نفسها، فهل نجح صلاح في بيع الأرض بهذه السرعة؟. تعود شوشو منكسرة الى منزل العم، ولكن لتجد ابراهيم، هذه المرة، في انتظارها بعدما سلم الحقيبة الى والدها. نعم مرة اخرى ابراهيم والحقيبة. تبدأ مشاعر الحب في النمو بين شوشو وابراهيم، ولم لا؟ فهو المنقذ في أول الفيلم والحريص على ايصالها والمحافظ على الحقيبة. يصطحبها الى احدى الحدائق، ويغنيان معاً وسط الناس قد أيه حلوة الحياة ولا نعرف سبباً لهذا التفاؤل المباغت. يفشل سعيد في البحث عن عروس قبل رجوعه الى الخليج، بينما تعود شوشو الى شقة تحية لاسترداد فستان الزفاف، فتجد امين بمفرده. يحاول إغواءها بالنقود، رجل آخر شرير يسعى الى اغتصاب بطلتنا الجميلة. يمهد هذا المشهد لآخر يدور فيه نقاش بينه وبين ابراهيم عن صفة كون المرأة سلعة، الرجال هم المتسببون في جعلها كذلك. شخصية طريفة يخوض سعيد تجربة جسدية مع عاهرة شابة معتزة عبد الصبور، هي شخصية من أكثر شخصيات الفيلم طرافة واكتمالا رغم صغر دورها. يعود سعيد محاولاً إعادة عرض الزواج على شوشو، لكنها تصر على الرفض. يصطحب سعيد العاهرة الشابة في سيارته عارضاً عليها الزواج محققاً حلمها بالتوبة والاستقرار، بينما تكاد تقع شوشو مرة اخرى في شرك أمين، عندما يعرض عليها الزواج، فتركب سيارته ليصدم ابراهيم وينطلق بسيارته. لكنها تلوذ بالفرار من سيارة أمين وعلى وجهها علامات الاختناق. تسير بمفردها فتجد ابراهيم في انتظارها كالعادة، متى إذاً سيتزوجان؟ لست ضد النهاية السعيدة ولكن ضد أن تتحرك الاحداث من دون سياق يحكمها. وقع هاني فوزي في أفخاخ عدة. الاول صعوبة حبك الدراما الأفقية التي تنسجها التفاصيل لا الاحداث، لكنه لم يوفق في جمع هذه الخطوط المتناثرة في باقة متجانسة أو سياق متناغم، فبدت علاقة المشاهد ببعضها بعضاً اقرب الى النغمات الناشزة. الثاني يتركز في عدم دقة رسم الشخصيات التي لم تمتزج بالحدث الرئيسي ما أدى الى الاسئلة الكثيرة التي طرحتها في أول المقال: من هؤلاء؟ وماذا يريدون؟ وما علاقة كل ما يحدث بالزلزال؟ هل كان انهيار منزل شوشو كافياً بمفرده من دون زلزال؟ أما الشرك الأكبر فهو انحسار زمن الاحداث في يوم واحد، وعدم ضبط الزمن في هذه الحال يؤدي الى خلل في إيقاع السيناريو، ويتسبب في انتفاء العلاقة بين الزمن الحقيقي والزمن الفيلمي كما أسلفنا، وإن كان الحوار على درجة كبيرة من الحرفية، وخرجت الكوميديا من المعاني المزدوجة التي جمعت بين الطرافة والذكاء في آن، باستثناء جمل قليلة خاصة بشخصية شوشو. وبالطبع هذه المآخذ على السيناريو لا تقع على عاتق هاني فوزي بمفرده، بل المسؤول عنها مبدئياً سامح الباجوري ايضاً. اعتقد أن طاقة الباجوري تركزت في إبراز صورة البطلة، المنتجة لوسي، فلم يتحقق في شكل واضح الجو العام الذي سعى الى تحقيقه، وإن كان هذا لا ينفي طموحه البادي على الشاشة وموهبته كمخرج. أداء لوسي تحول من بعد الزلزال صراخاً، واعتقد ان ثمة فرقاً بين أداء شخصية تحت ظروف عصيبة وتحول الانفعالات صراخاً. واجتهدت انتصار وسلوى محمد علي في أداء دوريهما في حدود الشخصيات المرسومة على الورق. أما مدحت صالح فعليه أن يفكر ملياً قبل أن يقدم على تجربة التمثيل مرة اخرى. صلاح عبدالله اثبت قدرته على القيام بأدوار غير تقليدية والتعبير عن طاقته الكوميدية على شاشة السينما. محمد شرف في مشاهد قليلة عبر نقلات صعبة في الشخصية تشي بموهبته كممثلة، معتزة عبدالصبور اجادت في اداء دور العاهرة واثبتت في أول أدوارها قدراتها كممثل. كوميدية ولعبت على التناقض بين الصوت الرفيع والشكل الطفولي من جهة، وطبيعة مهنة العاهرة من جهة اخرى. "كرسي في الكلوب" بداية طيبة لسامح الباجوري، ولكن اعتقد أن المحاولات المقبلة ستكون اكثر جدة، خصوصاً إذا تخلص من سطوة البطل - المنتج، وتناسى أنه آت من عالم الاعلانات.