ندوة "مستقبل العلاقات الكويتية - العراقية" لا تمثل تغييراً ولا انقلاباً في مواقف الكويت حيال النظام العراقي، لكنها بالتأكيد شروع في التفكير في المستقبل بمشاركة عراقيين معارضين وعرب آخرين. لم يتردد منظمو الندوة في القول انها كانت "حلماً يراود الخاطر" بسبب "حساسية" الموضوع، بل يؤكدون أنهم تأخروا في عقدها، لأن الفكرة ولدت بعد فترة قصيرة من العودة وانتهاء كابوس الغزو والاحتلال. ما كان يقال في ديوانيات الليبيراليين أصبح الآن أشبه بمؤسسة. وما كان يقال بما يشبه الهمس خرج الآن الى العلن. وما كان يتسبب في خناقات حادة في مجلس الأمة أو على صفحات الجرائد بات موضع نقاش. وهذا في حد ذاته مؤشر الى "صعود" تيار معين ليس فقط داخل الحكم وانما أيضاً في المجتمع. ومع ذلك، يظل الحذر محبذاً، كذلك عدم التسرع، لأن المقصود من الندوة ليس احداث صدمة داخلية تقلب صفحة الماضي القريب، وانما التخفيف من وقع صدمات مستقبلية يتوقعها كثيرون ويحاولون وضع أقرب تصور صحيح لها. لعلها خطوة كويتية موازية ومواكبة لتغيرات خليجية تمثلت في اقدام أكثر من عاصمة على إعادة العلاقات الديبلوماسية مع بغداد. ففي سنوات مضت كانت الكويت، حكومة وشعباً وصحافة، تهب غاضبة محتجة على أي كلام لمسؤول خليجي يشتم منه أنه يحاول، ولو بمجرد الكلام، استنكار الحصار على العراق أو رفض الموقف الأميركي حياله. وساد جدل طويل بشأن دول "الضد" ودول "المع". وانصب انتقاد شديد على وزير اعلام سابق لأنه لم يستبعد "فرضية" التعايش مع النظام العراقي اذا بقي ورفعت عنه العقوبات. وإذا، وإذا... لكن مجرد الافتراض كان بمثابة الكفر. لم تعد ردود الفعل كما كانت. ولا يعني ذلك ليونة أو قبولاً بالأمر الواقع. لكن مرور الوقت وطول الانتظار، انتظار تغيير في النظام العراقي، وتلكؤ السياسة الأميركية وتذبذبها، وتبدل الرأي العام العربي والعالمي... كل ذلك ساهم في إعادة صياغة المواقف الكويتية، سواء بمستواها الديبلوماسي الرسمي، أو بمستواها الاجتماعي، تحديداً لدى النخبة الثقافية و"البزنسية". وخلافاً لكل اتصالات المعارضة العراقية مع دول الجوار، فإن اتصالها وحوارها مع مختلف فئات المجتمع الكويتي أديا تلقائياً الى فتح ملف المستقبل. لأن الشعبين محكومان بالعيش والتعايش، والفعل والتفاعل، معاً. وحين أصبح المجتمع الدولي ملحاً في تركيزه على معاناة الشعب العراقي، فإن رد الفعل الكويتي كان سلبياً في البداية في تعامله مع ما اعتبره مجرد "بروباغاندا" من صنع النظام. لكنه توصل لاحقاً الى الفصل بين الاستغلال السياسي لمعاناة الشعب العراقي وبين حقائق هذه المعاناة. وما شجع على ذلك ان سيناريوات تغيير النظام والمرحلة الانتقالية، أياً كان شكل التغيير، كانت تنذر كلها بتداعيات مأسوية فضل الكويتيون أولاً عدم المبالاة بها، ثم اقتنعوا شيئاً فشيئاً بضرورة التهيؤ لها لتقليص سلبياتها. هذه التداعيات أصبحت تعنيهم مباشرة أكثر من سواها، باعتبار ان ابقاء العقوبات أو رفعها ليس قراراً كويتياً وانما قرار دولي، وان تخطيطات "الاطاحة" أو حتى الابقاء على النظام وحتى إعادة تأهيله ليست خيارات كويتية أو حتى عربية. قد تكون لهم تفضيلات وآراء في كل ذلك، وقد يُدعون الى المساهمة في هذا الخيار أو ذاك، فهم ليسوا محايدين لكنهم ليسوا صانعي القرار. مع ذلك فإنهم أدركوا ان عليهم التواصل مع العراقيين، فهم في هذه النقطة على الأقل يستطيعون أن يكونوا صانعي سياسة لهم فيها مصلحة. والمحاولة لا تزال في بداياتها. هذا لا يعفي الكويتيين من عتب شديد من جانب معارضين عراقيين يأخذون عليهم التردد و"استمرار الخوف من صدام". ما يعني ان المعارضين يدعونهم الى دور أكثر حيوية في "سيناريوات الاطاحة"، لكن الكويتيين كالأميركيين وسواهم يبحثون عن معارضة موحدة وفاعلة يدعمونها بمعزل عما إذا كانت هناك اطاحة أم لا