خلال حرب تحرير كوسوفو، قارنت وسائل الاعلام الغربية سلوبودان ميلوشيفيتش بصدام حسين. جريدة "لوموند" الفرنسية الرصينة عادة خصصت احدى افتتاحياتها للمقارنة بين الديكتاتورين الصربي والعراقي ورأت انهما يشبهان بعضيهما كما يشبه الماء الماء حتى في الاسماء: سلوبودان - صدام. بدت لي وقتها هذه المقارنة ظالمة للصربي سلوبودان. كيف ذلك؟ لقد تغلب اخيراً زعماء المعارضة الصربية الثلاثة على خلافاتهم بضغط من دول الناتو، واستطاعوا تنظيم مظاهرة ضمت 855 الفا في بلغراد نددت بالديكتاتور وطالبت بانتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية مسبقة. وتفرقت المظاهرة دون ان يسقط قتيل واحد. هل كان بالامكان ان يحصل ذلك في بغداد؟ كان الحرس الجمهوري، بقيادة قصي صدام، ليبيدهم عن آخرهم من دون شك. وهل بالامكان ان يوجد معارضون داخل العراق وينسقون في وضح النهار مع"العدو"؟ كانوا سيلقون مصير حسين كامل هم وعائلاتهم بمن فيهم الاطفال الرضع. يوجد في صربيا 13 حزباً معارضاً ولا يوجد في العراق حزب واحد معارض. وما يزال ميلوشيفيتش في الحكم رغم هزيمته في كوسوفو ورغم انخفاض مستوى معيشة السكان، لكن ذلك بسبب عدم اتفاق احزاب المعارضة الثلاثة الكبرى وهي: حزب التجديد الصربي والحزب الديموقراطي الصربي والتحالف من اجل التغيير. وما يزال صدام في الحكم رغم هزيمته في "ام المعارك"، ورغم ان مستوى معيشة العراقيين انهار الى حضيض الحضيض، لكن ذلك فقط بفضل التصفيات الدموية والجماعية لكل مجموعة مدنية او عسكرية يشتبه - مجرد اشتباه - في ولائها له. وتوجد في صربيا سلوبودان 17 جريدة معارضة، سبع منها اعلنت افلاسها بسبب القانون الاستثنائي السائد الذي كبدها غرامات لا قبل لها بها، والعشر صحف الباقية قررت مقاطعة المحاكم وعدم دفع الغرامات. ومنذ حكم البعث العراق لم تصدر صحيفة معارضة واحدة. وتوجد في صربيا 6 اذاعات حرة و4 محطات تلفزيونية مستقلة، ويجب ان يكون الانسان مجنوناً لتخيل امكانية وجود مثل ذلك في عراق صدام، بل في 99 في المئة من الدول العربية والاسلامية. وحسب استطلاع للرأي العام قام به "مركز الابحاث السياسية" في بلغراد، فان 66 في المئة من عينة تشمل 1578 شخصاً سئلوا، يعتبرون ان حكم سلوبودان غارق في الفساد وفي سلسلة الاغتيالات والانتحارات الغامضة التي حدثت في الشهور الاخيرة. ولا يوجد في العراق ولا في اي بلد عربي معهد واحد لاستطلاع الرأي العام. ومصير سلوبودان معلق بالانتخابات البلدية التي ستجري آخر السنة، والانتخابات التشريعية التي ستجري سنة 2001، والانتخابات الرئاسية التي ستجري سنة 2002. اما في العراق فمصير صدام رهن بموته على فراشه كما تموت العنزة او باغتياله او بالانقلاب عليه من داخل العائلة او من خارجها. واما تغيير الحكم بواسطة الانتخابات فهذه سنّة ما زالت غريبة عن تقاليد العالم العربي. فما الفرق بين سلوبودان وصدام؟ هل هو الفرق بين صربيا والعراق أم بين الشرق والغرب؟ السؤال مفتوح...