سادت حالة من الغضب أوساط المثقفين المصريين من مؤيدي نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر في مصر إزاء موقف الحكومة من الأزمة التي فرضت نفسها بشدة على الساحة الداخلية. وشهد الصراع بين مؤيدي نشر الرواية ومعارضيها خسارة جديدة للفريق الأول إثر تصريحات أدلى بها شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ورئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب البرلمان الدكتور أحمد عمر هاشم، وهو في الوقت نفسه رئيس جامعة الأزهر، صبت في اتجاه إدانة وزارة الثقافة التي صدرت الرواية عن أحد أجهزتها. وتعهد الأمين العام لحزب العمل السيد عادل حسين "مواصلة الحملة ضد الكفر"، واعتبر أن إقالة وزير الثقافة السيد فاروق حسني "يمكن أن تكون أقل إجراء مقبول بعد الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها في حق الإسلام والمسلمين". وقال حسين ل"الحياة": "هناك اتجاه في الدولة يسعى نحو حملة مضادة ضد حزب العمل". ووصف موقف الحكومة من القضية بأنه "متخبط"، واضاف: "الحكومة تفعل الشيء ثم عكسه تماماً". واعتبر أن مواقف هاشم وطنطاوي "تعكس حجم الجرم الذي وقع ضد الإسلام". وتابع "لاپبد أن يُبعد حسني عن موقعه، وطالما الفحش موجود فالحملة ستستمر حتى تحقق نتائجها". وفي السياق نفسه نقلت "وكالة أنباء الشرق الأوسط" تصريحات ادلى بها شيخ الأزهر الذي يزور الرياض حالياً أكد فيها على أن وزارة الثقافة "ارتكبت خطأ فادحاً بعدم عرض رواية "وليمة لأعشاب البحر" على الأزهر لأخذ الرأي فيها من الناحية الدينية". واستنكر طنطاوي ما "قام به بعض طلاب جامعة الأزهر من تخريب واعتداء على الأشخاص ومنهم رجال شرطة"، ووصف التظاهرات بأنها "تصرف يتنافى مع أحكام الدين وخروج على القواعد الشرعية والآداب الإسلامية". وقال: "نحن نرحب بالتعبير عن الرأي ولكن بأسلوب قانوني مهذب وحكيم، ولو اعتصم الطلاب في مساكنهم أو في المسجد وقالوا نحن لن نخرج من هنا إلا إذا جاءنا ما يفيد أنه تمت إجراءات معينة لحجب هذه الرواية مثلاً أو محاسبة المسؤولين عن نشرها فنحن نرحب بذلك، ولكن الخروج الى الشارع والقاء الحجارة على الناس فهذا ما لا يرضاه أحد"، مشيراً الى أنه اتصل برئيس جامعة الأزهر خلال وجوده في السعودية منذ يوم الاثنين الماضي واستوضح منه الأمر، فقال له إن الطلاب اعتصموا ثم خرجوا الى الشوارع. واضاف طنطاوي "نحن لا نحاسب على التعبير عن الرأي ولكن على التصرفات غير المقبولة لبعض الطلاب". وواصل هاشم عرض موقفه المعارض للرواية، وأكد أن طلاب الأزهر "لم يكن لهم أية مطالب سوى الاحتجاج على الرواية"، ونفى أنباء ترددت عن مقتل اثنين من الطلاب متأثرين بجروح أصيبا بها اثناء المصادمات التي وقعت بين الطلاب والشرطة. وقال هاشم انه استقبل جميع "أبنائه" من طلاب الجامعة وصلى بهم صلاة الفجر والجمعة أول من امس، كما التقاهم في مؤتمر طلابي بعد ذلك "وجميعهم حاضرون وفي أمن وسلام وان المدينة الجامعية في جامعة الأزهر يسودها الهدوء التام والاستقرار والسلام"، مشيراً الى أن الطلاب "استجابوا لدعوته وانصرفوا الى أماكنهم بعد أن فطنوا لما يحاك ضد الأمن والاستقرار فأعلنوا إعزازهم لمصر رئيساً وحكومة وشعباً ولجامعة الأزهر ورئيسها وكل أسرة الجامعة". ونسب هاشم إطلاق الشائعات إلى "أيد خفية تريد الشر بالوطن وبالشباب"، مشيراً الى أن أحد الطلاب اعتذر باسمهم في المؤتمر الطلابي الذي ضمهم مع رئيس الجامعة ووجههم فيه إلى الحفاظ على جامعتهم ومستقبلهم ورددوا خلفه صيغة التوبة الى الله". وفي المقابل عبّر تجمع المثقفين المستقلين المصريين عن استيائهم من موقف الحكومة ومسؤوليتها "في وضع المثقفين في موقع الاتهام"، وأبدوا اعتراضهم على "استغلال بعض القوى الإثارة الدينية في مواجهة الإبداع". وكانت نيابة أمن الدولة وجهت تهمة "ترويج مطبوعة تحض على العيب في الذات الإلهية" الى اثنين من المسؤولين عن نشر الرواية هما رئيس تحرير سلسلة "آفاق الكتابة" الأديب ابراهيم أصلان ومدير تحرير السلسلة القاص حمدي أبو جليل. وأعلنت اللجنة التحضيرية للتجمع رفضها "للنداءات التي اثيرت حول الكتابات الإبداعية التي تدفع ببلادنا في اتجاه فتنة لا يقدر على التنبؤ بما ستصل إليه من تهديد للوطن وقمع للحريات وقيم الدولة المدنية التي كافح الشعب المصري على مدى قرنين من أجل ترسيخها". واعتبر البيان أن خروج تظاهرات لطلاب الأزهر "ناتج عن ظروف قاسية يعيشونها، وتحت تأثير كتابات وخطب تستغل مشاعرهم الدينية". وحمّل مسؤولية الدماء التي سالت من الطلبة ورجال الشرطة "الى هؤلاء الذين يتوسلون بالدين من أجل مكاسب حزبية ضيقة والأجهزة الأمنية التي تعاملت مع التظاهرات بشراسة في ظل صمت أجهزة الإعلام القومية وتخليها عن دورها في شرح الحقائق وتوضيحها". وأكد البيان على أن "دعوة اللجنة الدينية في مجلس الشعب إلى إحراق الكتب وإعطاء المؤسسة الدينية حق الرقابة على الإبداع وملاحقة المبدعين انتكاسة في مسار الثقافة المصرية وتدمير لإنجازاتها". واضاف أن "المبدعين المصريين يشعرون بالقلق الشديد من صرف المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية وتفريقهم، وهو ما دأبت عليه كل التيارات السياسية التي تعلي مصالحها على مصالح الوطن والمواطن". واختتمت اللجنة التحضيرية بيانها بإعلانها "أسفها الشديد لتراجع نقابة الصحافيين عن عرضها استضافة مؤتمر لمناقشة الأزمة وسبل الخروج منها". وكان من المقرر أن يعقد مؤتمر واسع للمثقفين بالتعاون مع لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصريين مساء اليوم لاتخاذ مواقف محددة اتجاه الدعوات التحريضية ضد الثقافة والمثقفين التي تفجرت على أثر قضية رواية "وليمة لأعشاب البحر"، إلا أن نقيب الصحافيين ابراهيم نافع رفض عقد الاجتماع في مقر النقابة.