ويقال إن فيه عرش إبليس لعنه الله، فوق البحر المظلم، يتشبه بالباري عز وجل، ويحمله نفرٌ من الأبالسة والعفاريت العظام .... وفيه هيكل سليمان النبي عليه السلام، وفيه جسده وهو قصر عجيب في جزيرة، وفيه مواضع لا تزال على مر الزمان ترمي ناراً ترتفع على مئة ذراع. وفيه أسماك طول الحوت مدة أيام ... وفيه مدائن تطفو على الماء وتغيب ... وفيه الدردور، موضع يدور فيه الماء فإذا سقط فيه مركب لم يزل يدور فيه حتى يتلف .... وفيه جزائر تُنبت الذهب وبها معادن الجوهر، وفيه ثلاثمئة جزيرة عامرة مسكونة، فيها ملوك عدة... ويقال إن في هذا البحر قصراً من البلور، على قلعة تضيء طول الدهر بقناديل فيه لا تنطفئ. وبعد هذا بحر لا يدرك عمقه ولا يضبط عرضه تقطعه المراكب بالريح الطيبة في شهرين ... وفيه سمكة يحكي وجهها وجه الإنسان تظهر في الماء، وفيه أسماك طيارة تطير ليلاً وترعى الندا، فإذا كان قبل طلوع الشمس رجعت الى البحر. وفيه سمكة تكتب مرارتها الكتابة فتقرأ بالليل. وفيه سمكة خضراء دسمة من أكل منها اعتصم عن الطعام أياماً كثيرة لا يريد ذوقه. وفيه سمكة لها قرنان كأنهما قرنا السرطان، يرميان بالليل ناراً .... وفيه حيات عظام تخرج الى البر فتبتلع الفيلة، وتلتف على صخور في البر فتتكسر في أجوافها ويسمع لها صوت هائل، وفيه حية يقال لها الملكة لا تظهر إلا مرة واحدة، وربما احتال فيها ملوك الزنج فأخذوها وتطبخ حتى يخرج ودكها ويدهن به الملك فتزيد في قوته ونشاطه ويستعمل من جلود هذه الحية - وهي منمرة - فرش إذا جلس عليها صاحب السل ذهب عنه السل .... وقيل إن بمدينة بقمولية، وهي القسطنطينية الأولى، كنيسة في جوف البحر، وربما تنكشف يوماً في السنة، فيحج أهل النواحي إليها، ويستعدون لها قبل ذلك فيقيمون فيها يومهم ويتفرقون ويهدون إليها بدنهم فإذا كان العصر بدأ الماء في الزيادة فينصرفون ويبادرون الخروج عنها ولا يزال الماء يغطيها فتغيب إلى رأس السنة أيضاً. ويقال إن في بحر الهند حيواناً يشبه السرطان، فإذا خرج من الماء صار حجراً يُتخذ منه كحل لبعض علل العين. من "أخبار الزمان" للمسعودي المتوفى عام 956م. دار الأندلس، بيروت، 1966.