كرة القدم المصرية تتأخر يوماً بعد يوم، واقع لا يمكن الاختلاف عليه. ملف شائك فتحته "الحياة" وتغلقه اليوم بهدف الاصلاح وإعادة الكرة المصرية الرائدة الى سابق عهدها. وركزت الحلقة الاولى على سلبيات وزارة الرياضة وتدخلاتها الدائمة، والثانية على فوضى الاحتراف غير المدروس الذي حول نجوم الكرة المصرية الى كومبارس في أندية أوروبا، والثالثة على فوارق الثروة بين الأندية الكبيرة والصغيرة وسطوة ناديي الاهلي والزمالك، والرابعة على عدم استقرار الاجهزة الفنية والمسابقات وأثرها السلبي على المنتخب. وتختتم السلسلة اليوم بثلاثة عناصر بالغة الأهمية في اللعبة: الناشئون والحكام والصحافة. ومصر لم تحرز يوماً أي لقب عالمي في مسابقات الناشئين ولم تصل يوماً الى الدور نصف النهائي على الأقل، وسبق لنيجيريا وغانا والسعودية ان فازت بكأس العالم في مراحل سنية مختلفة، ووصلت قطر الى المباراة النهائية. ولم ينل حكم مصري شرف تحكيم نهائي أمم افريقيا منذ 18 عاماً، ولم يذهب حكم مصري الى كأس العالم من 1974 الى 1998 حتى اثبت جمال الغندور وجوده، وعدد الحكام الأجانب الذين أداروا مباراة الاهلي والزمالك يزيد على أقرانهم من المصريين في 40 عاماً. اما الصحافة فلا خلاف على سلبيتها الهائلة في أداء دورها حتى تحول البعض الى عامل هدم على خلاف ما يجب ان يكون عليه. تجاهل الناشئين يعاني الناشئون في مصر من قدر هائل من التجاهل والاهمال، والأندية الكبيرة التي تمتلك الامكانات الضخمة والملاعب الواسعة لا تعطي الى الناشئين حقهم الكامل. فكيف يكون الحالب النسبة الى الأندية الفقيرة أو الصغيرة أو التي لا تمتلك الملاعب. كل الاهتمام في الأندية يذهب الى الفريق الأول، والزمالك ينفق سنوياً عشرة ملايين جنيه على فريقه الاول، ولا تزيد النفقات على مليون جنيه لأكثر من عشرة فرق للناشئين في النادي. والقاعدة في الاهلي - وبقية الأندية - هي اسناد مهمة التدريب في الاشبال الى أي لاعب معتزل حديثاً، وبالطبع لا يمتلك هذا اللاعب خبرات او دراسات اومهارات كافية للتدريب، وهو بحاجة أولاً لمن يدربه على هذا العمل، ووجوده مع فرق الناشئين يقلل تماماً من فرص استفادة الصغار من مدربهم. ومسابقات الناشئين في مصر هزيلة جداً والاندية المشاركة فيها محدودة وعدد المباريات قليل، والمنافسة دائماً محصورة بين فريقين او ثلاثة، والأعجب ان بعض المدربين يتعمدون عدم إكمال مبارياتهم مع الاهلي أو الزمالك حتى لا تنتهي بنتائج كبيرة. وتنسحب تلك الفرق غالباً من الشوط الاول وهي مهزومة بهدفين أو أكثر، ومن الطريف أن عمرو ابو المجد المدير الفني لأحد فرق الناشئين في الاهلي اوصى لاعبيه بعدم تسجيل أي هدف في الشوط الاول خلال رحلة بعيدة للفريق في الصعيد حتى لا ينسحب الفريق المنافس باكراً. والملاعب التي تستضيف مباريات الناشئين لا تحمل دائماً الصفات القانونية، ما يقلل من الفائدة التي يحصل عليها اللاعبون ويزيد من فرص الاصابات بل ويدفعهم الى أسلوب غير سليم في الأداء، ويحاول اللاعب دائماً السيطرة أولاً على الكرة والاستحواذ عليها والسير بها قبل تمريرها ليضمن صحة التمريرة، ومحاولة التمرير من لمسة واحدة تؤدي دائماً لفقدان الكرة لأن الارض غير مستوية والكرات لا تكون من النوع الجيد باستمرار. مشكلة الناشئين في مصر تحتاج اهتماماً أكبر من المسؤولين، وضرورة وضع معايير للمدربين وإجبار الاندية على تشكيل فرق للناشئين وعلى إكمال المباريات وتنظيم مسابقات اقوى وتوفير ملاعب أصلح. ... وللتحكيم دور الخوف من الاسماء الكبيرة للأندية - لا سيما الاهلي والزمالك - ومن الجماهير الضخمة ومن ضغوط وسائل الاعلام ومن المسؤولين الكبار التابعين لبعض الأندية تسبب في إفساد التحكيم المصري لسنوات طويلة، واذا كان المستوى أرتفع نسبياً في الموسم الحالي إلا أن عودة التحكيم الى سابق عهده يحتاج وقتاً طويلاً. ويتحمل حكام كرة القدم مسؤولية ضخمة في انحصار المنافسة على الالقاب بين الاهلي والزمالك في معظم المواسم، ما دفع الأندية الاخرى الى المطالبة باستقدام حكام أجانب لإدارة مبارياتهما الحاسمة ضد الناديين الكبيرين، وفاز الاسماعيلي على الاهلي مرتين في نهائي الدوري عام 1967، في الاسماعيلية على يدي حكم يوناني وعام 1991 في المحلة على يدي حكم ايطالي، وحصل على كأس مصر من الاهلي بعد أن هزمه في النهائي تحت ادارة حكم فرنسي. ظاهرة استقدام الحكام الاجانب تفشت في مصر في الثمانينات والتسعينات، ووصلت الى حد استقدامهم لإدارة مباريات في دوري الدرجة الثانية، ما افقد الحكام الوطنيين الثقة في أنفسهم ودفع الجماهير واللاعبين الى الاساءة لهم باستمرار. ولم يجد الحكام يوماً سنداً قوياً لهم في اتحاد الكرة او في الصحافة، وهو ما زادهم ضعفاً وخوفاً وجبناً، وتضاعف استسلامهم لضغوط الجماهير والأندية. ووقف اتحاد الكرة دوماً مواقف سلبية ضد اعتراضات اللاعبين واعتداءاتهم على الحكام، ولم ينل أي ناد انسحب من مباراة في الدوري احتجاجاً على التحكيم أي عقاب، ما دفع لاعبي الزمالك الى الانسحاب من مباراتهم امام الاهلي بعد اربع دقائق فقط عام 1999 على رغم ان الحكم كان فرنسياً، لكن الاعتراض على التحكيم والانسحاب من المباريات صار هو القاعدة في مصر. والعلاج الوحيد لهذه السلبية الخطيرة هي عمل مدارس للحكام وهم في سن صغيرة، وتدريب جيل من الحكام الاكفياء والشجعان، ودفع اللاعبين المعتزلين باكراً الى التحكيم مع دعم كامل للحكام الحاليين وانزال اقسى عقوبة على اللاعبين الذين يتعرضون للحكام بالقول او بالفعل، وتشديد عقوبة الاساءة الجماعية من الجماهير ضد الحكام سواء باقامة المباريات من دون جماهير او نقلها الى ملاعب أخرى او خصم نقاط من الاندية التي تقع جماهيرها في الخطأ، ولا بديل عن وقف استقدام الحكام الاجانب. سلبية الاعلام وقع الاعلام المصري في هوة سحيقة منذ زمن بعيد، سقط في هوة التعصب للناديين الكبيرين الاهلي والزمالك. وانقسم الصحافيون بين طائفة "حمراء" تؤيد الاهلي ظالماً او مظلوماً وبين طائفة "بيضاء" لا ترى إلا ما هو في مصلحة الزمالك. واصبح الحكام ضحية دائمة لهذا التعصب، ولم يسلم المسؤولون في اتحاد الكرة أو مدربي المنتخبات الوطنية من اقلام الطائفتين. ومع ظهور المجلتين الخاصتين بالناديين في السبعينات ازداد الأمر شراسة، وتدهور الوضع بشكل هائل وازداد التعصب بين الجماهير. ولم يقتصر التدهور على هذا الحد، لكنه امتد ليطال نوعاً آخر من التعصب. وانقسم الصحافيون بين المدربين والمسؤولين، وصار هناك طائفة ترى في أي تصرف يقدم عليه صالح سليم رئيس النادي الاهلي نموذجاً للنجاح وطريقاً للتقدم، ومجموعة اخرى تعتبر محمود الجوهري المدير الفني لمنتخب مصر قديساً لا يجب الاقتراب منه. وزاد الطين بلة سعي البعض الى تشويه صورة العديد من الاشخاص لمجرد ابعادهم عن الاضواء، وافساح المجال لآخرين من اجل الصعود الى الصدارة. وتاه القراء تماماً في بحثهم عن الصدق أو الحقيقة. المهزلة وصلت ذروتها في السنوات الاخيرة بعد انتشار ظاهرة المصالح الشخصية، وازداد سعي الصحافيين الى رئاسة وعضوية مجالس إدارة الاتحادات والاندية الرياضية، وتحولوا في سبيلهم لتحقيق سعيهم الى شن اقسى هجوم على منافسيهم وانتهزوا فرصة انفرادهم بساحة النقد. وكانت الصفحات الرياضية المصرية مسرحاً لأغرب نقد - يحمل كل التناقض - في الشهور الأخيرة من خلال تعاملها مع المدرب الفرنسي جيرار جيلي ثم المدرب الوطني محمود الجوهري، وعلى رغم فوز مصر تحت قيادة جيلي على السنغال 1-صفر وبوركينا فاسو 4-2 في كانو في نهائيات أمم أفريقيا2000، إلا أن الرجل تعرض لأقسى نقد يمكن ان يناله مدرب في التاريخ. وعندما تولى الجوهري المهمة وفاز منتخب مصر على ملعبه في القاهرة ووسط جمهوره على منتخب موريشيوس المتواضع 2-صفر وفي الاسكندرية 4-2، في تصفيات كأس العالم خرج الناقمون انفسهم على جيلي بعبارات الثناء على الجوهري. امر الكرة المصرية عجيب بالفعل، وستظل تتأخر طالما بقى الوضع على ما هو عليه... والمشكلة ان المتضرر وهو الجمهور المحب لها في كل مكان لا يمكنه ان يلجأ الى القضاء لأن الحل ليس بيده.