كثيراً ما أثارت مواقف بورقيبة ردوداً عنيفة وجدلاً واسعاً في العالم العربي. فهو التزم خطاً متحالفاً مع الغرب ومعارضاً للمعسكر الاشتراكي السابق. وعلى أساس هذه الرؤية ربط علاقات صداقة متينة مع الولاياتالمتحدة وأكثرية العواصم الغربية. وفتح جسوراً مع المؤتمر اليهودي العالمي. وأكد كثير من وزرائه السابقين انه تنبأ بانهيار الاتحاد السوفياتي منذ السبعينات وحتى عندما رتب له سفيره في موسكو محمود المستيري وزير الخارجية لاحقاً زيارة رسمية للعاصمة السوفياتية اشترط أن يستقبله الأمين العام للحزب الشيوعي ليونيد بريجنيف في المطار. ولما قيل له "انك لست أميناً عاماً للحزب الشيوعي لتطلب هكذا طلب"، علق قائلاً "وهل أن ريتشارد نيكسون أميناً عاماً للحزب الشيوعي في بلده؟". وأدت علاقات بورقيبة الجيدة بالغرب ومحاربته للمعسكر الشيوعي الى هزات مستمرة في العلاقات مع كل من ليبيا والجزائر، فيما حافظ على علاقات متينة مع العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني. إلا أن أعنف رد فعل تزامن مع الجولة العربية التي قادته الى كل من الأردن ولبنان وفلسطين في العام 1965 وألقى خلالها خطابه الشهير في أريحا واقترح قبول قرار التقسيم "لأنه يمنح العرب أكثر من خمسين في المئة من فلسطين" على أن يكون مرحلة نحو استكمال تحرير باقي الأراضي العربية. وطرح تجربة الكفاح التونسي ضد الاحتلال الفرنسي الذي اعتبره نموذجاً للفلسطينيين وحمل على ما اعتبره "وصاية" على القضية. وجاء الرد سريعاً وقوياً من غالبية عواصم المشرق، إلا أن أكثرية الذين عارضوه غيروا رأيهم لاحقاً، ومن ضمنهم الرئيس العراقي صدام حسين الذي قال لأحد وزراء الخارجية التونسيين الذين التقاهم بعد عزل بورقيبة "انا الذي قدت تظاهرات في بغداد أدت الى إحجامه عن زيارة العراق، لكنني أدرك الآن أنني كنت على خطأ. ليتنا سلكنا الطريق التي اقترحها لكان وضعنا أفضل". كذلك رد كثير من الزعماء الفلسطينيين الاعتبار لبورقيبة، وقالوا انهم لو انتهجوا خط المفاوضات منذ زمن مبكر لحصلوا على مكاسب أكبر من التي جنوها لاحقاً. ومن المفارقات الغريبة أن العرب الذين حملوا على بورقيبة في الستينات عادوا واقترحوا بلده لاستضافة الجامعة العربية ومنظماتها في 1979 في أعقاب القمة العربية الاستثنائية التي كرست اخراج مصر من الجامعة. ولم يكن بورقيبة متحمساً لاستضافة الجامعة فهو على عكس المتوقع لم يسع الى ذلك وانما بذل القادة العرب جهوداً لاقناعه بهذه الصيغة. ولم تغادر الجامعة تونس الا في 1990 بعدما تكرست عودة مصر إليها. المفارقة الثانية في علاقاته مع العرب هي ان الفلسطينيين الذين كانوا الأعلى صوتاً في معارضته طلبوا منه نقل مقر منظمة التحرير من بيروت الى تونس بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982. وبالفعل استضافت الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس معسكرات الفلسطينيين ومكاتبهم طيلة اثني عشر عاماً. وسرعان ما وجد بورقيبة داعية الحل السلمي نفسه طرفاً في الصراع مع اسرائيل التي ارسلت طائراتها في تشرين الأول اكتوبر 1985 لتقصف مقرات القيادة الفلسطينية في ضاحية حمام شط وتوقع عشرات القتلى بين التونسيينوالفلسطينيين. ويمكن القول ان بورقيبة حافظ على خط ثابت في سياسته العربية والدولية فهو عارض جبهة "الصمود والتصدي" ليبيا وسورية والجزائر واليمن الديموقراطية سابقاً ومنظمة التحرير ودعا دائماً الى الانفتاح والحوار ليس فقط مع الأميركيين وانما مع اسرائيل أيضاً. إلا أنه كان شديد الحرص على عدم التنازل عن الحقوق وتكريس حل عادل وشامل، ومن هذه الزاوية رفض جميع العروض التي قدمها أصدقاؤه الغربيون لفتح حوار منفرد مع الدولة العبرية.