لا تسأليني رجاءً، أميركا لا أذكر في أي شارع أو مع مَن أو تحت أية نجمة لا تسأليني لا أذكر لون الناس ولا تواقيعهم لا أذكر اذا كانت لديهم وجوهنا وأحلامنا اذا كانوا يغنون او لا يغنون يكتبون من اليسار أو اليمين أو لا يكتبون ينامون في البيوت أو على الأرصفة أو في المطارات يمارسون الجنس او لا يمارسون لا تسأليني رجاءً، أميركا لا أذكر أسماءهم ولا أماكن ولادتهم الناس حشائش تولد في كل مكان يا أميركا لا تسأليني... لا أذكر كم كانت الساعة ولا تحت أي طقس أو لغة أو عَلَم لا تسأليني... لا أذكر كم ساروا تحت الشمس وكم ماتوا لا أذكر شكل القوارب أو عدد المحطات ... كم حقيبة حملوا أو تركوا جاءوا بتذمرات أو بلا تذمرات كفِّي عن السؤال يا أميركا واعطي يدك الى المتعَبين في الضفة الأخرى اعطي يدك دونما سؤال أو قوائم انتظار ما جدوى ان تربحي العالم وتخسري الروح يا أميركا؟ مَن قال ان السماء تخسر كل نجومها اذا مضى الليل دونما جواب؟ اتركي استماراتك للنهر واتركيني لحبيبي يا أميركا مضى وقت طويل أطول من حكايات جدتي في المساء ونحن ننتظر الإشارة لنرمي المحارة في النهر ندري ان النهر مليء بالمحار ولا تعنيه هذه المحارة الأخيرة ولكن المحارة يعنيها ذلك فلماذا كل هذه الأسئلة؟ تريدين بصمات أصابعنا بكل اللغات وأنا كبرت صرتُ أكبر من أبي كان يقول لي في الأمسيات التي بلا قطار: سنذهبُ يوماً الى أميركا سنذهبُ يوماً ونغني أغنية مترجمة او غير مترجمة عند تمثال الحرية والآن يا أميركا الآن أتيتك بلا أبي فالموتى ينضجون قبل التين لكنهم لا يكبرون يا أميركا يأتون ظلاً وضوءاً بالتناوب من منامنا وفي الشهب أو يتقوسون قزحاً فوق البيوت التي تركناها هناك ويزعلون أحياناً لأننا نتأخر عليهم قليلاً... كم الساعة الآن؟ أخشى أن يصلني بريدُك المسجل يا أميركا في هذي الساعة التي لم تعد تصلح لشيء فأداعب الحرية قطةً أليفة ولا أدري ما أفعل بها في هذي الساعة التي لم تعد تصلح لشيء... وحبيبي الذي هناك عند الضفة الأخرى من النهر يحملُ لي زهرة وأنا كما تعرفون لا أحب الأزهار الذابلة. ... صورة واحدة فقط يا أميركا أريدُها أريدُ تلك اللحظة الهاربة أبداً في الصورة أعرفها من جميع الزوايا اللحظة الدائرية ذات السماء. تصوري يا أميركا ان يخرجَ أحدنا من الصورة ويترك الألبوم مزدحماً بالوحدة أو أن تصبح الحياة كاميرا بلا أفلام. ... غداً يا حبيبي غداً سأنظر في عينيك لأرى في التغضنات الجديدة خطوط أحلامنا القادمة وحينما تضفر شعري الرمادي تحت مطرٍ أو شمس أو قمرْ ستعرفُ كلُّ شعرة أن لا شيء يحدث مرتين. كل قبلة بلدْ لها تاريخ وجغرافية ولغة وفرح وحزن وغزو وخرائب وأعياد وساعة تدق... وحينما يعاودك ألمُ الرقبة يا حبيبي لن تملك وقتاً للتأوه ولن تبالي سيثبتُ فينا الألم ويتدلّل مثل ثلج لا يذوب. غداً يا حبيبي غداً سيرنُّ في الصندوق الخشبي خاتمان طالما التمعا في يدين مرتجفتين من تشابك في الغياب. غداً سيعلنُ الأبيض عن ألوانه كلها فنحتفلُ بما كان ضائعاً أو مختفياً في البياض من أين لي أن اعرف يا أميركا أي الألوان كان أكثر ابتهاجاً أو صخباً أو غربة أو تفاعلاً مع باقي الألوان؟ من أين لي أن أعرف يا أميركا؟ متشيغان 1999 * شاعرة عراقية مقيمة في الولاياتالمتحدة.