في "الحياة" 8/4/2000، كتب داود الشريان عن فضيحة محاسب يمارس الطب، وفهمت النصف الأول من كلامه، ولم أفهم النصف الآخر. وهذا الذي التقطه الشريان من صحيفة "الجزيرة" يعدّ أمراً في غاية الخطورة، لاسيما في بلداننا العربية والإسلامية، وهو منتشر لا في الطب فحسب، بل يمتد إلى التعليم، والقضاء، وورشات الإصلاح، ووكالات السيارات ... أذكر أن أحد رجال الأعمال، شبه الأميين، بنى مسجداً، واختار له شخصاً، يكون للمسجد خطيباً وإماماً ومؤذناً ومنظفاً في آن واحد، وحضرت خطبته ذات مرة، فإذا به لا يحسن قراءة آية، ولا حديث، ولا قصيدة، ولا جملة واحدة صحيحة، خالية من أخطاء النحو. غاية ما عنده أن يرفع صوته، ولا يكاد يبين، إنه مجرد صياح. وصادفني رجل الأعمال هذا، وقال لي: اخترت هذا الخطيب أيضاً معلماً لابني، يعلمه العربية، فما استطعت أن أقول له: إنك جاهل، وغير متعلم، ولا تعرف العربية، ولا تستطيع أن تحكم على علم هذا الخطيب، وإن ولدك مصيره الفشل! ومرة أخرى، وقعت في خلاف علمي، مع إحدى الجهات، في عمل منشور، فكتبت في ذلك الى رئيس هذه الجهة، وبعد أخذ ورد، وجدت أن هذا الرئيس كان مستوراً، فافتضح أمره، كان يحتكم الى من هو متهم، فتوقعت عن الكلام معه، لأني رأيته لا يرقى لأن يكون حَكََماً على القضية المثارة، ورأيت أن من يعملون معه يتراوحون، في هذه المسألة، وعلى هذا المستوى، بين الجهل والدجل، وغالباً ما يؤثر هذا الرئيس راحة البال، ولا يدري أن هؤلاء يميلون، نفسياً وغريزياً، الى التشبث بما فرط منهم، ولو كان باطلاً، وإلى مدافعة ما يراه غيرهم، ولو كان حقاً، ويظنون هذا السلوك من المهارة والذكاء ... وكنت أتمنى لو أن صاحب المستوصف كلف خاطره بطلب شهادة هذا المحاسب الطبيب. إن لجان التعاقد قد لا تجيد التعاقد، وترى في باطن الأمر أن الفحص الحقيقي الموضوعي يتطلب كثيراً من المعلومات التي تفتقر إليها هذه اللجان. نعم إنها لا تفهم في هذا، ... فلماذا العلم والتعب؟ إنهم أعضاء في لجان للاختيار والتعاقد... تحسبهم خبراء، ولو جاء من يعلمهم ويحاسبهم، لقالوا: هذا متشدد، والتمسوا كل حيلة لاستبعاده، والحق أن الأمر لا يتعلق بتشديد وتيسير، إنما يتعلق بعلم وجهل ...