إن أمكن إعتبار انترنت سوقاً واحدة محددة المعالم والجغرافيا فهي سوق تقليدية مليئة بالحيوية على رغم أنها الأضخم من نوعها على الاطلاق، إذ بلغ عدد روادها النشطين زهاء 120 مليون متسوق أو ما يعادل 40 في المئة من العدد الاجمالي لمستخدمي انترنت. جاء ذلك في دراسة استطلاعية أجرتها إحدى المجموعات المتخصصة في أبحاث الأسواق الحديثة في كانون الأول ديسمبر الماضي وأصدرت نتائجها بداية الاسبوع الماضي. واكتشفت مجموعة "انغيز ريد" في دراستها أن زبائن السوق الالكترونية لا يختلفون كثيراً عن رواد الأسواق التقليدية فالغالبية تبدأ عملية التصفح كمن يتوجه إلى السوق لتلبية حاجة محددة ويعرف وجهته مسبقا. وهناك في المقابل فئة لابأس بها، تقدر بنحو 24 في المئة من إجمالي عد المتسوقين في بيئة انترنت، تحرّكها في الغالب متعة التجوال و"التسكع" في الأسواق وتقدم على الشراء بدافع من قرار لحظي أو بحكم المصادفة. شمولية وتمتاز الدراسة بشموليتها إذ بنت نتائجها على استطلاعات مباشرة وهاتفية مع شريحة عشوائية ضمت زهاء 28 ألف مشارك من مستخدمي انترنت في 34 بلداً. وقال أحد مسؤولي المجموعة التي تتوزع مكاتبها الرئيسية في كنداوالولاياتالمتحدة ل"الحياة" إن الدراسة راعت في اختيار البلدان اعتبارات تقليدية مثل التمثيل الجغرافي والكثافة السكانية وشملت بلداً عربياً واحداً هو مصر، لكنها لم تنتقص من أهمية تطور نشاط التسوق الالكتروني في بلدان عربية أخرى لا سيما البلدان الخليجية. وعلى النقيض من دراسات واستطلاعات كثيرة سابقة تناولت عناصر الأمان المتاحة في مجال التسوق الالكتروني ومدى ثقة المستهلك بفعاليتها وجدت الدراسة الجديدة تطوراً ملفتا يفيد أن الغالبية العظمى من مستخدمي انترنت "راضية تماما" عن تجربتها الشخصية على هذا الصعيد، بينما لم تعرب سوى أقلية ضئيلة عن مخاوف جدية إزاء احتمال التعرض إلى لحوادث الغش أوالاحتيال جراء وقوع بطاقات الائتمان أو أرقامها في أيد غير أمينة. إلا أن هذا التطور الملفت لم يأت بلا مقدمات. ايتيال وتعتبر حوادث الاحتيال التي يتعرض لها حاملو بطاقات الائتمان عموما مشكلة خطيرة في رأي الكثير من المراقبين وتقدر خسائرها بزهاء 1 بليون دولار سنويا. وأكد مسؤول إحدى المؤسسات العالمية التي تصدر بطاقات الائتمان أخيرا أن حوادث الاحتيال تزايدت بنسبة 40 في المئة سنوياً في الأعوام الثلاثة الماضية. وأشار على وجه الخصوص إلى أن مدفوعات التسوق الالكتروني لا تزيد عن اثنين في المئة فقط من اجمالي حجم التعاملات المالية ببطاقات الائتمان لكنها تشكل هدفاً لنحو 50 في المئة من حوادث الاحتيال. لكن المسؤول نفسه أوضح أن غالبية الحوادث التي تسجلها تعاملات التسوق الالكتروني لا ترقى إلى رتبة الاحتيال بمعناه التقليدي، لافتاً إلى أن الحالات الأكثر شيوعاً تتعلق بمستهلكين ينكرون أنهم طلبوا الحصول على بضائع أو خدمات من مواقع بعينها، خصوصا المواقع الحمراء، أو بمستهلكين يقولون أنهم لم يتسلمو ما طلبوا الحصول عليه، أو أن البضائع وصلت متأخرة عن الموعد المتفق عليه مسبقا أو مستهلكين يحتجون على وجود بنود إضافية في كشف الحساب. التشفير وتعتقد مجموعة انغيز ريد في دراستها أن تطور تقنيات التشفير وانتشار استخدام برمجيات الأمان المخصصة للتسوق الالكتروني ساهمت في طمأنة المتسوق وإن لم يكن في إزالة مخاوفه كلياً من احتمال التعرض الى محاولات الاحتيال. لكنها لاحظت في المقابل أن استخدام بطاقات الائتمان لتسديد قيمة المشتريات عبر انترنت لا تزال ظاهرة أميركية إلى حد كبير، وأن الأسواق الأخرى، الآسيوية والأوروبية، تفضل استخدام أساليب بديلة للدفع. وأظهرت الدراسة أن الغالبية العظمى من المتسوقين في الولاياتالمتحدةوكندا75 في المئة من إجمالي المتسوقين تسدد قيمة مشترياتها في السوق الالكترونية بواسطة بطاقات الائتمان. ووجدت في الوقت نفسه أن هذه النسبة تقل عن 50 في المئة في الأسواق الآسيوية والأوروبية حيث تتنافس بطاقات الائتمان بضراوة مع أسلوب الدفع نقداً عند التسليم الذي تبدو الأكثر تفضيلا، أو بواسطة الحوالات المصرفية. وعلى صعيد تنوع نشاطات التسوق الالكتروني في العالم اكتشف معدو الدراسة أن استخدام انترنت في مجال الخدمات المصرفية على وجه الخصوص هو أكثر شيوعا في الأسواق الأوروبية وجنوب أفريقيا والبرازيل منه في أسواق أميركا الشمالية، كما لاحظت على الصعيد نفسه رواج عمليات شراء المسجلات في أميركا الجنوبية وآسيا وبلدان الشرق الأوسط مثل مصر وتركيا عن طريق تحميل الملفات الموسيقية عبر انترنت. إنفاق لكن الأميركيين والكنديين لا يزالون الأكثر انفاقاً في مجال التسوق الالكتروني إذ انفردوا بنحو 54 في المئة من إجمالي مدفوعات عمليات الشراء في العام الماضي. وبلغ متوسط انفاق المتسوق الأميركي في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام المذكور 828 دولاراً في سبع عمليات شراء وبلغ انفاق المتسوق الكندي 720 دولاراً بينما بلغ المتوسط العالمي لانفاق زبائن التسوق الالكتروني نحو 500 دولارا، بمعدل 170 دولارا شهريا. وحاول معدو الدراسة الاجابة على واحد من الأسئلة المعقدة التي تحير أصحاب مشاريع التسوق الالكتروني: كيف يمكن اجتذاب المتسوقين إلى المواقع؟ ووجدوا أن غالبية المتسوقين 71 في المئة تخطط لمشترياتها مسبقا وتعرف تماما أين تجدها، بينما "يتجوّل" الباقون في السوق الالكترونية لإشباع متعة التجوال وربما بدافع حب الاستطلاع وغالبا مايعثرون بالمصادفة البحتة على شيء ما يجدونه يستحق الاقتناء أو يلبي حاجة طارئة. وذكر أحد المشاركين في الدراسة أن الاعلانات والمشافهات تلعب دوراً مهماً في توجيه المتسوقين إلى المواقع لكنه لفت إلى أهمية العادات السلوكية التي تدفع بعض المتسوقين إلى التجوال على غير هدى. وقال: "لاأستطيع أن أقلل من أهمية تلك المتعة التي يجدها المرء عند التجوال في الاسواق. والجميل في انترنت أن المرء لا يعرف محطته التالية ولا أين سينتهي به المطاف، ولا شك أن المتصفحين أصبحوا مولعين بالتسوق الحر". نتيجة مثيرة وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مثيرة مفادها أن نشاط التسوق الالكتروني لا ينحصر فقط في نسبة الأربعين في المئة من إجمالي عدد مستخدمي انترنت في العالم، أي 12 مليون متسوق، إذ أن نسبة 52 في المئة من هذا العدد الاجمالي تخصص جزءاً من نشاطها التصفحي لجمع المعلومات عن المنتجات والخدمات التي يرغبون في شرائها خارج السوق الالكترونية، وربما من أحد المتاجر التي تملك موقعا شملته نزهة التصفح في المقام الأول. ويرى معدو الدراسة أن جمهور انترنت الذي يتصفح بهدف جمع المعلومات عن المنتجات والخدمات خليق بأن يحظى باهتمام أصحاب مشاريع التسوق الالكتروني لأنه يشكل الاحتياط الأكثر احتمالا للتحول إلى جمهور متسوق. وأشاروا، على سبيل المثال، إلى أن 60 في المئة من المتسوقين الفعليين يفضلون التعامل مع السوق الالكترونية ليس فقط لما تتيحه من فرص للحصول على أسعار تنافسية بل أيضا لما تتيحه من مرونة وسهولة في التسوق. الكتب ولا تزال الكتب هي الأكثر رواجا بين البنود الرئيسية للمشتريات في السوق الالكترونية وتنفرد بنسبة 37 في المئة تليها أجهزة الكومبيوتر والبرامج بنسبة 21 في المئة لكن المسجلات الموسيقية رفعت حصتها إلى 20 في المئة وكذلك الملبوسات التي قفزت حصتها إلى 17 في المئة. وفي المقابل حافظت المعاملات المصرفية على حصة بنسبة 20 في المئة من نشاطات التسوق الالكتروني تلتها عمليات تجارة الأسهم بنسبة ثمانية في المئة. وخلص معدو الدراسة إلى أن أعداد رواد السوق الالكترونية في تزايد مستمر وأن التجربة الأولى كافية في الغالب للتحول إلى عادة يصعب التخلص منها. وأشاروا إلى أن نسبة 75 في المئة من الذين شملتهم استطلاعات الفصل الأخير من العام الماضي أكدت نيتها زيادة انفاقها في العام الجاري، وأعربوا عن اعتقادهم في احتمال ازدياد هذه النسبة مع استمرار تراجع مخاوف المتسوقين من حوداث الاحتيال. وعلى رغم أهمية النتائج التي توصلت إليها دراسة مجموعة "انغيز ريد" وشموليتها إلا أنها لم تتطرق إلى مسائل أصبحت موضع قلق متزايد لا سيما مدى تأثر التجارة المحلية بالتسوق الالكتروني العالمي. ويبدو أن المبادرات الرامية إلى حماية التجارة المحلية انحصرت حتى الآن في ما أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في كانون الأول ديسمبر الماضي في بند تشجيع التجارة الالكترونية وحماية المستهلك، وهي مهمة تنوي الاستمرار في العمل لتفعيلها بمساعدة الدول التي تتسم بشيوع كبير في استخدام انترنت مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا.