تلقيت في يوم واحد الأسبوع الماضي رسالة بالبريد العادي يقول كاتبها انني تجاوزت حدود المجاملة المعقولة لملوك ورؤساء عرب، وإنني انسى موقعي أحياناً فألبس بزة السفير وأتنكر لمهنة صاحبة الجلالة، ورسالة بالبريد الالكتروني تسأل "هل تتبع الحياة خطاً معيناً في نقد الدول أم أنها سياسة مرسومة من جهات أخرى". الرسالة الثانية حملت توقيع "مواطن عربي" مع ان اسم صاحبها كان مسجلاً بوضوح في رأس البريد الالكتروني، وبما انه يعتقد اننا ننتقد بعض الدول، فلن أنشر اسمه، وإنما أقول للقارئ الآخر حميد الذي بعث برسالة طويلة ذكية من "منفاه" في نيوجيرسي، انني لا أذكر مدحاً أو قدحاً مارسته في الأسابيع الأخيرة والأشهر. ورأيي الشخصي ان القادة العرب كلهم، باستثناء واحد، يستحقون الانتقاد وبعضهم يستحق دق عنقه. وقد استثنيت احدهم حتى استطيع أن أقول لكل واحد منهم انه هو الذي استثنيت، ولعل ضمير أخينا حميد يعذبه اذا ذهبت الى بلد عربي بعد هذا التصريح ولم أعد. على كل حال القارئ حميد يقترح أن أنظم مواضيع مقالي اليومي، لأنني مجحف بحق بعض الناس أو القضايا، وهو يقترح اعمدة حكمة سبعة، فاكتب يوماً بعد يوم عن القضية الفلسطينية - السورية - اللبنانية الخ...، وعن الكارثة العراقية وملحقاتها، وعن المعهد الاميركي في زمن العولمة، وعن العالم الاسلامي، وعن مغامراتي الاعلامية وحضوري ارفع المؤتمرات، وعن رسائل المعجبين، مع اختراع معجبات حسان ان لم يوجدن. وأشكر الأخ حميد على رسالته كلها، وما نشر وما لم ينشر، وأقول انني أحاول، ورضا الناس غاية لا تدرك. وتلقيت بالبريد الالكتروني رسالة من القارئ اسامة في كندا قال فيها انه يقرأ "الحياة" على الانترنت مجاناً مع انها تباع في السوق بثلاثة دولارات كندية، وهو يقول انه يحب ذلك، غير انه يسأل كيف نكسب اذا كنا نقدم الجريدة مجاناً الى القرّاء. يا أخ أسامة، استرنا يستر عليك. لو كنا نعرف في التجارة هل كنا احترفنا الصحافة مهنة؟ أتوقف هنا لأقول للقرّاء جميعاً انني لست عنتر عبس زماني، وأفضل المواضيع السلمية. ومع ذلك فلا ازال أتلقى ما يقضّ مضجعي مثل ذلك البريد الذي يرسله رجل يهمه موضوع التطهير والختان، وأمامي رسالة جديدة منه أرفض قراءتها كلها. ثم انني تلقيت كتاباً كاملاً، بل كتابين بالعربية والانكليزية، بعنوان "سلامة الدم مسؤولية كل فرد منا" مع عنوان فرعي يقول "في الدم المأمون انقاذ للحياة". الكتاب أرسله المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية، وهو بالمشاركة مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. ولا أقول سوى أن الدم المأمون الوحيد الذي أعرف هو ذلك الذي يبقى في عروق صاحبه. وأخيراً تلقيت خلال 24 ساعة من نشر زاوية لي استخدمت فيها اغاني عربية شائعة مهاتفة طويلة من قارئ قال انني اذا كنت أقضي وقتي في الرقص والغناء، فكيف أجد الوقت لمتابعة القضايا السياسية والكتابة عنها. المكالمة هذه ذكرتني بالصديق المرعب المخرج مصطفى العقاد، وصفة الرعب هنا مردها انه ينتج افلام رعب طبقت شهرتها الآفاق، اما هو فناعم و"سمباتيك"، مع انه يعتقد انني خبير في الطرب الشرقي لأنني أتوكأ أحياناً على كلمات الأغنيات العربية. الأمر ببساطة هو انني اذا كنت سجيناً في طائرة، في رحلة ساعات، وسمعت شريط اغان عربية اعجبني اسجل منه بعض الكلمات. أما في الزاوية الأخيرة عن كلينتون وباراك في واشنطن، فلم أكن مسافراً، ولكن رأيت أن أكتب مهاذراً، فاتصلت بقريبة خبيرة في أنواع الطرب الشرقي، وشرحت لها كل وضع أريد اثارته وطلبت منها أن تساعدني. وهي اتصلت بصديقة لها لا تقل عنها طرباً، وعقدنا مؤتمراً على الهاتف، فكنت أسمعهما تدندنان باللحن، وقبل أن تعطياني الكلمات. وكان من نتيجة هذا المؤتمر الغنائي الهاتفي الذي استمر ساعة أو نحوها الأغاني التي استعنت بكلماتها في زاوية يوم الجمعة الماضي. كل ما أزيد هنا هو أن زوجتي كانت تسمع صديقتيها تغنيان على الهاتف، أو ترددان الألحان والكلمات، فتصرخ بهما من مقعدها أمام التلفزيون "لا تغنوا له، ما بيستاهل". استاهل ونصف، وأشكر صاحب المكالمة الهاتفية على اقتراحه أن أكتب نصاً مسرحياً من وحي الأغاني، وأعتذر عن عدم تنفيذه، فأنا من ناحية لا أرقص أو أغني، والفكرة من ناحية ثانية ليست جديدة، ومسرح الساعة العاشرة يقدم "اسكتشات" رائعة من هذا النوع تستحق أن يقصد الراغب بيروت لمشاهدتها وسماعها.