تصلح الذكرى الثلاثون ل"يوم الأرض" العالمي بؤرة لانطلاق نظرة جديدة ومعمقة الى البيئة Environment قوامها ادراك الاعتماد المتبادل بين حياة الكوكب الأزرق وعيش الجنس البشري. وقبل ثلاثين عاماً في 22 نيسان ابريل 1970، ظهر هذا التداخل على نحو جليّ. ليس لأن التلوث الصناعي للهواء والمياه لم يكن أمراً معروفاً قبل العام 1969، حين رأت الأعين مشهداً مذعراً: كتلة نار مهولة تنزلق على سطح مياه نهر كوهوجا في كليفلاند بفعل طبقة زيتية من مخلفات وقود الصناعة. لكن عقل الجيل الذي تمرس بالتمرد ضد المركّب الصناعي العسكري وتظاهر ضد حرب فيتنام واستمرار مظاهر التمييز العنصري والذكوري، التقط اللحظة للتفكير في حياة الكوكب والاحتجاج لمصلحتها. وفي العام التالي، خرج عشرون مليوناً ليفترشوا شوارع الولاياتالمتحدة، في تكرار على مستوى أرفع لظواهر "وودستوك" واحتجاجات الثورة الجنسية وتظاهرات الطلاب وغيرها. وشهدت الحركة البيئية بداياتها الأولى التي أكدت ان الارادة الواعية والمنظمة يمكنها ممارسة فعل انساني موجه الى تصحيح ما يحيقه انفلات النشاط والاستثمار البشري من خراب في بيئة الأرض. كوكب مهدد وقلق!! من عين الفضاء، عبر المجسات والرواصد والمراقب المثبتة في الأقمار الاصطناعية لمشروع "أيوسديس" الذي تنهض به وكالة "ناسا"، تبدو الأرض كبشرها تماماً: حية ومعانية وتقاوم في محاولة لإدامة ربقة أنفاسها وسوائلها. تجمع اقمار "أيوسديس" التفاصيل "المألوفة" للبيئة، مثل حال المحيطات والبحار والأنهار والمياه الجوفية والغابات وعناصر التصحر والجفاف وتلوث الهواء وتراكم غازات الصناعة وارتفاع حرارة الأرض وأعداد الأنواع الحيوانية والنباتية وغيرها. وسرعان ما تبيّن ان هذه العوامل في الطبيعة وثيقة الارتباط بنشاط الكائن الذي يهيمن عليها ويسودها. وتظهر معطيات الرصد التداخل والتشابك في عناصر البيئة بالمعنى الواسع التي تشمل كثافة الإعمار البشري والميل الى سكنى المدن وامتداد الشوارع الاسفلت ومستوى الدخل والعلاقات الاجتماعية وغيرها. اذ منذ الثورة الصناعية وتفلّت مفهوم الفردية، باتت حياة الأرض متداخلة تماماً مع حياة الكائن البشري وأهوائه. ويعيش الكوكب هاجس موت حياته من "الداخل"، مترابطاً مع القلق من ارتطامه بالكويكبات Astriods وبما يرين على مستقبله من فناء مع انطفاء الشمس خلال البلايين السبعة المقبلة من السنين. وعلى رغم التنامي المذهل لحركات البيئة وأحزابها ونشاطاتها، ودخولها قلب السياسة والاقتصاد، الا ان ما من حدث وازى ما حصل عام 1970. لكن متظاهري "سياتل" أعطوا بعض الأمل بأعداد أقل بكثير من عشرين مليوناً، أعادت انعطافة "سياتل" ربط الحفاظ على البيئة وحياة الأرض مع السعي الى حفظ شروط العيش الانساني لمئات الملايين المطحونين والمهمشين على هذا الكوكب.