وفي الخامسة وعشر دقائق عصر امس وصل موكب الصليب الأحمر الدولي الذي أقلّ الأسرى اللبنانيين المفرج عنهم من السجون الاسرائيلية. فلا الانتظار كان عادياً ولا الوصول أيضاً، اذ لم يشف المنتظرون الذين كانوا تنادوا منذ الصباح الى معبر كفرتبنيت، غليل انتظار الافراج عن أبنائهم سنوات طويلة، ولا حظي المفرج عنهم بقُبل الامهات والآباء والأخوة في أول شبر محرّر تطأه أقدامهم منذ سنوات طويلة. مرور الموكب على المعبر وسط تلك الجموع التي جاءت من غير منطقة لم يكن أحد يتوقعه، اذ تأكد للحاضرين جميعاً ان استقبالاً سيُجرى هنا خصوصاً ان "حزب الله" أحضر عشرات العناصر ببزات عسكرية سود، اصطفوا على جانبي الطريق منذ العاشرة صباحاً رافعين أعلام سراياهم، اضافة الى مكبرات الصوت التي لم تتوقف عن بث الأناشيد الحماسية. وبعدهم جاء عناصر حركة "أمل" لتتداخل أعلامهم بأعلام "حزب الله" وكذلك أناشيدهم، وكاد بعض التصرفات يثير اشكالاً بين الفريقين، لكنه سرعان ما سوّي. أما ذيول التصرفات هذه فلم تنته بل انتقلت الى الأسرى في الباص الذي اقلهم، قبل ان يصل الى حاجز الجيش الذي تجاوزه مسؤولو الحزب والحركة قبل نحو عشر دقائق من بلوغ الموكب مع المعبر اللحدي. وفي محاذاة المعبر، استقبلهم مسؤولو الحزب والحركة وساروا أمامهم بسيارات ليعبروا حاجز الجيش من دون ان يتوقفوا حيث طال انتظار ذويهم من دون ان يعرف السبب. لكن بعض الذين شاهدوا الاستقبال قالوا "ان الأسير المحرّر بلال دكروب رفض أن يشارك عناصر من تنظيم آخر في حمله احتفاء بعودته"، مشيراً الى "ان الحلّ كان ذهاب الأسرى الى بيروت". ولدى وصولهم الى منطقة الاوزاعي خرج الناس لاستقبالهم ناثرين الرز وأطلقوا الألعاب النارية، وتابع الموكب سيره باتجاه حارة حريك. ودكروب معتقل منذ 14 عاماً "حين كان ملتزماً المقاومة المقاومة المؤمنة"، على ما قال أبوه ل"الحياة" صباحاً. وأوضح ان ولده اعتقل في بلدة تبنين في اجتياح جزئي نفذه الاسرائيليون بعد عملية في قرية بيت ليف. وسئل هل يسمح لإبنه بأن يشارك في أعمال المقاومة بعد تحريره؟ قال: "يكفينا هذا القدر، سنكلمه أنا وأخوته كي لا يشارك في المقاومة في ما بعد، فهو خدم عسكريته وليخدم غيره الآن. اذ يكفينا عذاب 14 عاماً". فالحاج محسن عمار 70 عاماً الذي اشتعل رأسه شيباً، لم يستطع أن يلمس ولده أحمد الذي اعتُقل قبل 14 عاماً، على المعبر وهو الذي جاء قبل يومين معتصماً احتجاجاً على قرار المحكمة الاسرائيلية تأجيل الافراج عن ابنه. وأمس راح يركض خلف الباص لاهثاً، على كبر سنه، وطارقاً بيده على نافذة الباص لينتبه أحمد اليه. ومثله أيضاً فعلت والدة الأسير محمد عبدالهادي ياسين وهي عجوز لم تزل تعاني اعتقال أولادها واحداً تلو الآخر منذ أول اجتياح اسرائيلي. كل الذين أمضوا على المعبر نهارهم عادوا الى بيروت في موكب كبير خلف الباص، الا عجوزاً مصابة بسرطان الجلد، أحضرت صورة ابنها كامل أحمد شحادة الذي غابت عنها أخباره منذ العام 1990. وكلما سمعت بخبر افراج عن معتقلين في اسرائيل تحضر صورة ابنها، الذي لم يعد من عملية شارك فيها ولم يفد عنه المحررون سابقاً سوى انهم كانوا يسمعون اسمه حين كان ينادى عليهم، ولم تستفد أيضاً من الذين حُرروا اليوم. ولم يؤكد الاسرائيليون أو أي جهة ثانية وجود ابنها. وخلال الانتظار الطويل حين كانت حرارة الشمس تؤلمها كانت تلجأ الى فيء زيتونة كما فعل كل الناس بما فيهم مقاتلو "حزب الله".