ما الذي يمكن قوله عشية انعقاد المؤتمر العام السادس لاتحاد الكتّاب العرب وسط هذا المنعطف الزمني النوعي؟ وما الذي يحمله الكتّاب العرب في اوراقهم التي يدخلون بها قاعة المؤتمر العام، المفترض ان يعقد في تموز يوليو القادم؟ لقد سبق انعقاد المؤتمر في سورية انعقاد المؤتمر السنوي المهم الذي شهد الحوار التاريخي بين الكتّاب وبين السيد فاروق الشرع وزير الخارجية، والذي يُذكّر بحوارات نوعية اخرى قديمة. لكنه، على كل حال، يعطي اهمية جديدة للمؤتمر العام السادس باعتبار ان الحوار الذي نشأ قبل شهور أثار اهم قضية يعيشها الانسان العربي الآن، وهي الصراع العربي - الاسرائيلي وتاريخية هذا الصراع والموقف من عملية السلام والتطبيع. وجرى ذاك على ارضية "ان نكون معاً" و"ننطلق من موقع واحد" كما قال السيد الشرع. وقبل سنوات، ومع بروز قضية الموقف من ادونيس دخل ايضاً العماد اول مصطفى طلاس بصفته عضواً في اتحاد الكتّاب العرب: دخل قاعة المؤتمر السنوي وتحدث من الموقع نفسه. اي ان السياسة السورية لم تغفل ابداً دور الكاتب واهمية موقفه من عمليات السلام، وهي قناعة ثابتة نقرأها في الموقف السياسي لسورية، وقد تأكدت على مدار سنوات ومواقف كثيرة. وهكذا، فالكتّاب معنيون بما تفرزه الجبهة الساخنة لمعركة السلام. ونتذكر ببساطة دور الكتّاب، او المثقفين العرب بوجه عام، في مواجهة التطبيع بعد انطلاق كمب ديفيد: قد تنامى هذا الدور من مصر وسورية والاردن وفلسطين الى موريتانيا. فمقاومة التطبيع، وهي الفعل الذي اعلن المثقف العربي عن مسؤولية القيام به، مرهونة بالجبهة المفتوحة امامها وسعة هذه الجبهة، وبظروف الأداء الثقافي المقاوم. اي ان الكتّاب هم طليعة هذه المقاومة وبالتالي فان ممارستهم لها ينبغي ان تكون على ارضية الانفتاح على افكار مختلف التيارات الثقافية العربية وفهمها لمعنى التطبيع، والتعامل معها بطريقة قبول الآخر بحيث لا تمسّ قضايا جوهرية كحرية الرأي والتعبير، اللهم الا اذا وصل الامر الى درجة الخروج عن خط الامان الوطني. وهنا لا بد من ايضاح ان جبهة مقاومة التطبيع الاساسية والفاعلة هي جبهة الشعب التي اثبتت متانتها وحصانتها على مدار السنوات السابقة. فتكون المهمة الاولى امام المثقف او الكاتب، اذن، هي الاعداد لتدعيم ثقافة المواجهة الشعبية البديلة عن ثقافة التطبيع، ولا يعني هذا حجب الآراء حتى لو تعارضت، طالما انها على الارضية الوطنية نفسها. وهذا جميعاً يعني ان فسحة لا بد ان تفرض نفسها في حرية الحركة بين السياسي الذي يخوض معركة السلام لاستعادة الحقوق والارض، وبين المثقف الذي يخوض معركة التطبيع لأنه يرى ان الصراع صراع وجود، "وانه ما كان يوماً ولن يكون ابداً نزاعاً على الحدود" كما جاء في وثائق المؤتمر الخامس للكتّاب. والثقافي في هذه الحالة هو ورقة وطنية قوية في يد السياسي، لكنها ورقة نشأت عن تعاهد ضمني وطني وتاريخ مشترك في الصراع مع العدو. ان الكتّاب العرب يدخلون الى مؤتمرهم العام السادس وفي جعبهم اوراق وقضايا كثيرة. واذا كانت افرازات معركة السلام اهمها، فان قضايا كثيرة تفرض نفسها ايضاً، من بينها: قضية حقوق الكاتب وقانون النشر. قضية الترابط والابداع المسموع والابداع المرئي. موضوع المساءلة القانونية. قضية الحياة المعيشية للكاتب ومستوى المردود. موضوع الاستهانة بالكتّاب من قبل بعض الكتّاب او الصحافيين ومعالجة هذه النقطة بالحوار والرد. اداء الكاتب والمطلوب منه. اضافة الى قضايا اخرى تفرض نفسها، وتجعل من المفيد الحوار حولها، وتوسيع دائرته للخروج بنتائج ايجابية يتم البناء عليها في المرحلة المقبلة. لقد مضى زمن طويل على قيام اتحاد الكتّاب العرب في سورية، وعشية قيامه كانت هناك اتجاهات كثيرة ينتمي إليها الكتّاب. ولا يمكن لأحد من اجيالهم الجديدة أو القديمة نكران قوة وزخم الحركة الثقافية التي كانت سائدة في سورية ولبنان في الخمسينات والستينات. كانت كوكبة الرواد أصيلة في ثقافتها وغنية في ابداعاتها، وفي الوقت نفسه كانت تعمل وتناقش وتحاور على أرضية الانتماء الوطني والقومي ومن قناعة ثابتة بضرورة احترام آراء الآخرين. ومن هذه الأجواء انطلق اتحاد الكتّاب العرب. وبين المؤتمر العام الأول 1977 والمؤتمر السادس، مضت رحلة طويلة تمتد أكثر من عشرين عاماً هي في جوهرها مرحلة القفزات المتوالية والمنعطفات الحادة التي شهدها القرن العشرون عالمياً واقليمياً ووطنياً. وفي هذه الرحلة تعرف الكتّاب بعضهم على بعض، وتعرفت الأجيال الجديدة على أسلافها، وجرت بعض المحاولات للتفاعل بين هذه الأجيال والأحيال التي سبقتها، ولوحظ ان هناك انكفاء من بعض رواد الأجيال الأولى، وقيل إن ثمة ظروفاً تبرر هذا الانكفاء. لكن ومهما قيل عن هذه الظروف، فإن حالة تشبه القطيعة وانعدام الثقة قد سادت، ونتيجة لها وقع الكتّاب الرواد في حالة جهل بمن سيأتي من بعدهم. وشيئاً فشيئاً وجدت الأجيال الجديدة من الكتّاب نفسها في واد آخر غير الوادي الذي تعرفت فيه على ثقافة كتّابها ممن تأثرت بهم. ويبدو هذا الكلام قاسياً ومراً، لكنه يحاكي الحقيقة بنسبة كبيرة. فاجتماعات جمعية القصة والرواية لا يسمع بها الكتّاب الذين أسسوا هذين الفنين، أو انهم لم يحضروا مرة واحدة للانصات إلى هموم الكتّاب الجدد. وربما ظن بعضهم انه لا يوجد كتّاب غيرهم! هذه الاستهانة بالأجيال الطالعة دفعت بعض الأصوات الجديدة لتعلن بجرأة: ما الجديد عند الروائي حنا مينه، وما هذه المباشرة الفجة غير الابداعية عند محمد الماغوط، مثلاً؟! وهنا ينعدم التواصل وتُعزى الأسباب إلى واقع تشعبت ظروف بؤسه الثقافي على رغم تطور مذهل شهدته وسائل الاتصال. ففي سورية الآن ثلاثة نماذج من الكتّاب، يمكن تصنيفهم حسب الشهرة والوصول إلى القارئ: الأول: هو الكاتب "المعتّق" المعروف الذي يحفظ اسمه قطاع مهم من الناس ويتداول البعض كتبه أو يعرف عنها شيئاً ما. وهذا النوع برز في الخمسينات والستينات، واستفاد من وفرة الصحف والعدد الكبير من القراء ضمن عدد قليل من السكان، كما استفاد من نهوض الحركة الوطنية والسياسية. والثاني: هو الكاتب "المنتمي". وهذه التسمية لا تسيء إلى النوع الأول، لكنها تدل على ان الذين ينضوون تحت هذا النموذج هم الذين استفادوا من نشاط الأحزاب التي رعتهم والتي ربما كانوا ينتمون إليها، فشهرتهم ودافعت عنهم وأعطتهم الكثير ليحققوا انتشارهم. الثالث: هو الكاتب "الغريب" الذي هو غريب عن أجواء الشهرة، ولم يتمكن من تحقيق أي نجاح. فلم تتوفر له ظروف نجاح النموذج الأول ولا ظروف النموذج الثاني. لكن الدولة أحياناً تشجعه باقتناء كتبه. ويقوم اتحاد الكتّاب بمحاولات مريرة لدفع مثل هؤلاء إلى دائرة الفعل الثقافي في ظروف صعبة، هذا إذا ما كانوا ينتمون إليه. ومثل هذه الأفكار تستدعي الحديث عن آليات النشر وسوق الكتاب والدعاية له، وهل المستقبل سيفتقر الى الكتاب المطبوع في إطار ثورة المعلوماتية وانتصار التلفزيون والانترنت. لقد سبق لاتحاد الكتّاب ان ناقش كل هذه المسائل، وطرح الكثير من الحلول لها، ثم استبدلها بحلول جديدة. ولم تتوقف عملية البحث. لكن كل هذه المحاولات تتوقف عند حالة مهمة هي استخدام الشاشة الصغيرة والانترنت من أجل طرح ثقافة وطنية هادفة في أجواء مشحونة بما هبّ ودبّ في عالم الاستهلاك. وانشاء علاقات جيدة وقوية مع وسائل الإعلام، وفتح حوارات ثقافية معها حول دورها وأهدافها هو من أفضل السبل التي تؤدي بنا إلى تحقيق الحالة الأمثل للانتشار الثقافي الجاد، خصوصاً إذا قامت هذه الوسائل بالتعريف الموضوعي بالكتّاب العرب ونتاجاتهم الفكرية. وهناك، الى ذلك، مجموعة من القضايا العالقة التي تنضاف الى هموم وطموحات الكاتب العربي ابرزها: قضية حقوق النشر وتنظيم هذه المسألة وحمايتها والسعي لاصدار القوانين اللازمة لذلك وتوقيع اتفاقات عربية - عربية بهذا الشأن. وايضاً مسألة الترابط بين الحقوق المتعلقة بالابداعات المكتوبة او المسموعة او المرئية بما فيها الانترنت. وقد خطا اتحاد الكتّاب العرب خطوات مهمة في هذا الشأن. وهذا فضلا عن قضية المساءلة القانونية للكاتب، والمردود المادي لعمله، ووضعه الصحي، ومعنى تقاعده وغير ذلك.