جريدة "الرياض" الصادرة عن مؤسسة اليمامة الصحفية مقرها الرياض. وعنها تصدر الدورية الشهرية كتاب في جريدة التي تمثل أحد المشاريع الثقافية العربية المشتركة وتتناوب على طباعتها وتوزيعها بعض الصحف الرائدة في الوطن العربي. ومنذ ما يزيد على ربع قرن رأس تحرير "الرياض" الاستاذ تركي السديري وما زال. والسديري من الرؤساء السعوديين القلائل الذين يدين لهم تاريخ الصحافة النسائية السعودية في مرحلة مبكرة منه، بالفضل في تشجيع ودعم قلم المبدعة السعودية، واعطائها مكانة فكرية على صفحات جريدته، تليق باجتهادها وسعيها الى المشاركة في تنوير مجتمعها، ما اسهم في بلورة طاقة الكاتبة والصحافية السعودية واحترافها الكتابة فجاء حضورها كثيفاً وفاعلاً زاد الرأي العام السعودي في المنطقة الوسطى في شكل خاص اقتناع بما تملكه من فكر ناضج وموهبة لم تكن تلقى حتى وقت قريب الرعاية والتشجيع والتقدير اللائق بها. وآخر وقفات السديري التاريخية مع القلم النسائي السعودي كانت الشهر المنصرم عندما اصدر باسم جريدة "الرياض" قراراً بتوظيف صحافيات القسم النسائي في الرياض اللواتي كن يعملن قبل ذلك متعاونات، وهن ست سعوديات: هيا المنيع، نوال الراشد، بارعة ابراهيم، أمل الحسين، هدى السالم، هيام المفلح، وصحافية فلسطينية هي سحر رملاوي، والقرار ينص على تفريغ الصحافيات واعطائهن الحقوق الصحافية الممنوحة لزملائهن الصحافيين كاملة من مرتب ثابت وبدل سكن وبدل نقل وحقوق تأمينية وغير ذلك. والقرار من شأنه ان يؤسس مستقبلاً مضموناً للصحافية في المملكة وهو بشارة مشجعة للصحافيات العاملات حالياً تبعث على الطمأنينة والراحة المتأتية مع الشعور بالأمان الوظيفي، والاستقرار المهني والمعيشي. ومع العودة الى مرحلة سابقة من تاريخ الصحافة النسائية السعودية يتكشف لنا ما قام به تركي السديري في هذا المجال منذ ان تولى رئاسة التحرير من ذلك قراره بتعيين اول مديرة تحرير سعودية في صحيفة يومية هي الدكتورة خيرية السقاف التي تعمل حالياً استاذة في جامعة الملك سعود، وتكتب في جريدة "الجزيرة" زاوية يومية. وقرار "الرياض" الحالي كونه الاول ايضاً على مستوى الصحافة النسائية السعودية يجعله يشكل حدثاً فريداً لم تبادر اليه صحيفة محلية اخرى، كونه اسس لاستحداث وظيفة نسائية جديدة لم تكن مسجلة في نظام الخدمة المدنية الخاص بشؤون العمل وقوانينه. وهي وظيفة "صحافية". وصحافيات جريدة "الرياض" السعوديات خريجات جامعيات اختلفت اختصاصاتهن الدراسية التي لم يكن من بينها الاعلام لأن هذا الاختصاص ما زال من الاقسام الدراسية التي تتيحها الجامعات السعودية للطلاب من دون الطالبات. وصحافيات "الرياض" اعتمدن في بداية مشوارهن على ما لديهن من ميول وموهبة فطرية وحبّ للاطلاع والمعرفة. لكن السديري لم يكن يكتفي بما لديهن من ملكات، ومن منطلق تقديره لقيمة القلم النسائي السعودي المثقف اثبت رعايته مجدداً لهن فأعد باسم "الرياض" برامج تدريبية خاصة بصحافياتها، وألحقهن ببعض الدورات التدريبية ايضاً التي كان يدرسها اساتذة متخصصون في الاعلام على حساب صحيفة "الرياض". واضافة الى ذلك كانت "الرياض" تقيم على فترات ورش عمل تدعو اليها بعض الخبيرات العاملات في الصحف العربية والاجنبية ووكالات الانباء العالمية لتدريب صحافياتها. كل ذلك الاعداد سبق اصدار القرار بتوظيفهن رسمياً. ومبادرة "الرياض" مناسبة للتعرف عن قرب على نماذج متطورة لعدد من الصحافيات السعوديات اللواتي ما زلن يكافحن في ميدان العمل الصحافي على رغم ما يواجهن من معوقات مهنية واجتماعية وهي وإن خفت وطأتها عن سابق عهدها ما زالت تعوق تطور الصحافة النسائية في المملكة. ومن صحافيات القسم النسائي في "الرياض" هيا المنيع التي تتولى رئاسة القسم منذ عشر سنوات وتعمل ايضاً مديرة تحرير في الجريدة، والمنيع تكتب المقالة منذ عام 1983، وما زالت لها زاوية في "الرياض". والى بدايتها تعود بنا هيّا المنيع: "كنا آنذاك مجموعة من الفتيات الصغيرات عمراً ذوات التطلع والطموح، اذكر منهن ماجدة جارودي، موضي الزهراني، ولاء حواري، ايمان الدباغ، قماشة السيف. ومع تلك البداية لا انسى فضل شخصية ساهمت في عملية تدريبنا وهي الصحافية المصرية سوسن مصطفى التي كانت تشرف في حينه على ملحق نسائي اسبوعي هو "البيت والمجتمع". وتأسيس القسم النسائي يعد نقلة نوعية في مفهوم العمل الصحافي للمرأة حيث انتقلت من العمل الصحافي خلف ثقب الباب الى مساحات اكثر اتساعاً، وصحب ذلك مبادرة رئيس التحرير الاستاذ تركي السديري بتعيين اول مديرة تحرير سعودية في الصحافة السعودية هي الدكتورة خيرية السقاف التي ازدانت ترويسة الجريدة بإسمها. ومنذ تلك الفترة بدأ العمل الصحافي يأخذ شكلاً اكثر نضوجاً وانسجاماً مع مفهوم المهنة". وتنظر مديرة التحرير المنيع الى قرار التوظيف بموضوعية وتراه فريداً بكل المقاييس وهو قرار شامل لا يخص صحافيات جريدة "الرياض" فقط "بل هو مرتبط بالمرأة السعودية اجمالاً والصحافية السعودية على وجه الخصوص. التثبيت تأكيد على ان الصحافة النسائية تجاوزت خطوط التهميش وتأكيد على انها جزء من المنظومة الاعلامية وتحديداً الاعلام المقروء حيث اصبحت الصحافة النسائية مهنة". وتعبّر هيا المنيع نيابة عن القسم النسائي عن اهتماماتهن المشتركة ومساعيهن المستقبلية: "نسعى لتحقيق فلسفة عمل خاصة بالقسم لعل ابرز محاورها: قضايا المرأة بأبعادها التنظيمية كونها نصف المجتمع ليس بالرقم بل بالعمل والتأهيل والتشريع، ونحن نتميز عن غيرنا في اننا نشارك في العملية الصحافية بكل اشكالها وأبعادها، فللمحررة الحق ان تشترك بنتاجها في القسم الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والاخباري بل لا نمنعها عن السياسية او حتى الرياضة ان وجدت نفسها في ذلك". وأما الصحافية سحر رملاوي فهي تعمل منذ ثماني سنوات في القسم النسائي، وتعد الوحيدة التي درست الاعلام ولها مجموعة قصصية ايضاً. تنتقد رملاوي النظرة السلبية السائدة للعمل الصحافي وترى ان للمؤسسات الصحافية دورها في تلك النظرة، وتقول سحر: "ما زال الشعور العام بأن الصحافة عمل مَن لا عمل له، قائماً والواقع كنت ممن تأثرن بهذا الرأي، وقبل قرار التوظيف لم اكن اسمي نفسي امرأة عاملة، مع انني عملت في الجريدة متعاونة لبضع سنوات، والضرورة تقتضي تعديل ذلك الشعور بهامشية العمل الصحافي واقعياً وعملياً. ويتحمل مهمة ذلك في شكل اساسي المؤسسات الصحافية والمسؤولون فيها، الذين يستطيعون فرض قيمة المهنة واعطاءها حقها من التقدير كونها "صاحبة الجلالة" اذا ما ضمنوا حقوق الصحافيين المادية والمعنوية. والقرار شهادة اعتراف بمكانة وفاعلية الصحافة وهو ما يجعل النظرة الاجتماعية التي تتأثر بالعامل الاقتصادي تتحول من سلبية الى ايجابية، ولذلك فإن هذه الخطوة الرائدة جديرة بالثناء وجزيل الشكر وهذا اقل ما تستحقه ليس منا فحسب، بل من كل الصحافيات السعوديات، وأتمنى ايضاً ان يسارع رؤساء التحرير في الصحف الاخرى المحلية والخليجية في اتخاذ قرار مثل هذا من شأنه ان يعجل في تطوير الصحافة النسائية وتقدمها". وقبل تناولها لقرار توظيفها تتحدث امل الحسين التي تعمل منذ 8 سنوات عن دور الصدفة في حياتها الصحافية. تقول امل: "دخولي مجال الصحافة كان بمحض الصدفة، لكنها المفتاح الذي كنت اجهله عن شخصيتي وميولي، من خلال تلك الصدفة السعيدة اكتشفت ما كنت اريده لنفسي بالفعل وهو ما يشكل الآن المنحى الاساسي لحياتي وتطلعاتي". وترى امل الحسين: "التوظيف من شأنه ان يمنحنا قيمة خاصة نحن في امس الحاجة اليها. فحصولنا على حقنا من الحماية عندما نتعرض لمساءلة او محاسبة تصدرها جهات قد نفضح قصورها ونعلنه يعطينا كثيراً من الشجاعة والاطمئنان ايضاً لأننا اصبحنا صحافيات منتميات فعلياً الى صحيفة وذلك يخولها حق مسؤولية الدفاع عنا، والوقوف الى جانبنا ما دمنا على حق". ولا تكتفي امل الحسين بمنحة توظيفها وزميلاتها، وترى ان ذلك كان فرصة للتعبير عن طموحات اخرى تتطلع اليها: "على رغم ذلك فإننا نطمح الى القيام بأدوار تثبت فاعلية الصحافية وأثرها الاجتماعي، وتحقيق ذلك يكون باعطائنا صلاحيات اخرى، وهذا ما نتوقعه ونأمله من صحيفتنا التي تفاجئنا دائماً بسخائها ومواقفها المساندة لنا". هيام المفلح التي تجمع بين تجربتين ابداعيتين هما كتابة القصة القصيرة والتحرير الصحافي تتأمل بداية عملها في الصحافة وتقول: "حبي للكتابة والتعبير، وهوايتي الادبية جعلاني اثابر في عملي الصحافي، ومع مرور الوقت ازداد تعلقي به على رغم ان عائده المادي لا يوازي الطموح والجهد خصوصاً عند مقارنته بالمهن الاخرى. التي يكون عائدها المادي مرتفعاً والجهد المبذول فيها هو بالتأكيد اقل مما نبذله من جهد ذهني وجسدي وملاحقة للخبر ميدانياً وصياغته واعداده وما الى ذلك". وتصف المفلح متطلبات التوظيف التي لم تكن سابقاً مسؤولة عنها: "الآن ستزداد المسؤولية والحاجة الى اثبات كفاءة الصحافية السعودية التي نمثل نموذجها، وهذا يضاعف فينا طاقة التحدي للصعوبات التي قد تنجم عن المهنة وما تورثه من ردود افعال غير مرضية احياناً بالنسبة للأطراف الاخرى. وعموماً فهذا السلوك الريادي هدية تستحقها الصحافية السعودية التي اعطت وما تزال تعطي بسخاء ودأب بالغيْن". وبين لغة الادب واللغة الصحافية تمارس هيام المفلح شكلاً من التحدي: "الادب افادني وميزني من حيث الصياغة والذكاء في انتقاء الاسلوب المؤثر في القراء، وأكسبني القدرة على اختيار الموضوعات المختلفة وأفادني العمل الصحافي وليس اللغة الصحافية بأن صرت اكثر تلمساً لقضايا الناس وأكثر تواصلاً معهم وأكثر قرباً من الواقع الذي يقابله الخيال الادبي فيتكامل بهما الابداع أيّاً كان". وتنقل هدى السالم مشهداً مع ردود الفعل التي تلقتها وزميلاتها من الوسط الثقافي والصحافي والاجتماعي، والسالم التي تعمل في القسم النسائي منذ خمس سنوات تأخذ على قرار التوظيف عدم اعتباره سنوات الخبرة والعمر الوظيفي في المهنة: "يسعدنا ان نشعر بالامان من خلال تفرغنا للعمل في مؤسستنا. والواقع ان ما وصلنا من تهاني وتبريكات بهذه الخطوة فاق كل التوقعات وبرهان اكيد على احساس وحاجة المجتمع لقلم وجهد هذه الصحافية التي لا تزال تبحث عن حقوقها وهويتها! وكم تمنيت على الصعيد الشخصي ان تؤخذ سنوات الخدمة التي مضت في حساب الخبرة الوظيفية لكي لا اشعر انني بعد خمس سنوات من العمل المتواصل ابدأ من جديد، اننا نعمل بإخلاص ونبذل جهوداً كبيرة في خدمة مجتمعنا ولا نفرق بين العمل ليلاً او نهاراً، العمل في ساعات الدوام المحدد او خارج ساعات العمل وأعتقد ان صحفنا تستحق هذا الاخلاص، فالإعلام رسالة عظيمة مصداقيتها بالدرجة الاولى هي ضمير الصحافي". وتختلف وجهة نظر هدى السالم مع ما تراه بعض زميلاتها من ناحية نظرة المجتمع السعودي الى الصحافية المحلية ولكنها تكتشف عن حاجات اخرى اكثر اهمية ما زالت تنقص الصحفية السعودية ومن الضروري اشباعها، تقول هدى السالم: "الصحافية السعودية لم تعد بحاجة الى اثبات دورها اجتماعياً. فقد اتضح ذلك من خلال ما انجزته من اعمال صحافية منذ سنوات طويلة لاقت بعدها التفاعل والصدى المطلوبين، إنها بحاجة للدعم الاكاديمي الذي يصقل التجربة بالعلم، الجميع يقرأ كتاباتها ويتفاعل ويستجيب ويناقش، ولكنه لم يضع لها مقعداً تعليمياً انه امر طالما حلمنا به، ولعل اهتمامنا بالدورة التدريبية الصحافية الاولى التي اقامها مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر التابع لجامعة الملك سعود اكبر دليل على حرص الصحافية السعودية على تطوير نفسها". والحديث عن الصحافية السعودية يتجه بنا الى موقف المجتمع السعودي من نتاجها الفكري. فمع تحوله من الرفض لعمل المرأة في مجال الصحافة مثلما رفض دراستها للطب او الهندسة وما يشبه ذلك من مجالات مخالطة الرجال الى القبول بعملها في مهنة الصحافة، ازداد تجاوبه مع اعمالها الصحافية، وصار يعبّر عن رأيه في ما تكتبه تعبيراً علنياً وشخصياً ايضاً. تقول الصحافية هدى السالم: "هناك تفاعل اجتماعي محلي معه الصحافية السعودية لكنني اراه ما زال تفاعلاً ناقصاً كونه يرتبط باهتمامات من يعبّرون عن مواقفهم لنا في جانب خاص بهم، وهذا ما ادى الى تفاوت حضورهم المعبر عن رأيهم وأعتقد ان ما نعيشه من نهضة فكرية وتنموية شاملة حالياً سيكون له تأثيره الايجابي في تنمية الوعي العام ما يجعله يقيم تفكيره ويجعله اكثر حيادية وجرأة ايضاً وأكثر حضوراً". وتنصف الصحافية هيام المفلح موقف المجتمع السعودي القارئ ازاء الصحافية وأعمالها: "المجتمع السعودي يتحلى بصفة طيبة هي حب التعبير عن موقفه تعبيراً تلقائياً جداً، من ذلك الاتصال المباشر ومنهم من يكتب رأيه بأسلوب بسيط مباشر ويرسله عبر الفاكس، وأحياناً يكون حديثهم الينا لنكتب عن بعض المشكلات الواقعية التي يواجهونها في ميادين التعليم والتربية مثلاً". وترى امل الحسين ان تجاوب المجمع مع الصحافية السعودية يتطور عاماً بعد عام: "تعبير الرأي العام السعودي عن موقفه ازاء ما يلفت انتباهه من كتاباتنا افضل حالاً الآن مما كان عليه من قبل، فالتفاعل مع ما نكتبه قائم سواء المؤيد منه او المعارض له، وهو ما يؤكد ان مجتمعنا الآن اضحى اكثر قبولاً لتبادل الرأي والمناقشة".