اتفق كبار منتجي السيارات الأميركيين "فورد موتور" و"جنرال موتورز" و"ديملر كرايزلر" على دعم مواقعهم في انترنت بإنشاء سوق الكترونية ضخمة ينتظر أن تتيح لهم ولشركائهم المحتملين من المنتجين الآخرين خفض النفقات الادارية لمشترياتهم بنسبة تصل الى 90 في المئة وتحقق لهم في الوقت نفسه أرباحاً قدرها بعض المراقبين بنحو خمسة بلايين دولار أميركي بشكل عوائد سنوية لخدمات السوق المقترحة. ويدعو الاتفاق الى استخدام تقنيات الاتصال وعناصر الأمان التي توفرها التجارة الالكترونية لاقامة سوق تبادلية متكاملة. ومن شأن هذه السوق أن تقيم آلية موحدة تسمح للشركات الثلاث المؤسسة تلبية حاجاتها من قطع الغيار والمواد الأولية وتضمن لكل واحدة منها الاحتفاظ باستراتيجياتها الخاصة في مجالي الانتاج والتوريد وذلك بتطوير رموز تشفيرية لا تشجع على ممارسة النشاطات التجسسية. ووفق التفاصيل القليلة التي أعلنت عن الاتفاق المتوقع وضعه بشكله النهائي في وقت لاحق من الفصل الجاري ستتيح آلية السوق الالكترونية لمنتجي السيارات المشاركين نشر لوائح طلبياتهم ودعوة الموردين لتقديم العروض ثم اتخاذ القرارات وانجاز الصفقات. كما ستتيح للموردين أنفسهم تأمين احتياجاتهم من المواد الأولية باستخدام الآلية نفسها مقابل رسوم أو اشتراكات لم تتضح طبيعتها أو تفاصيلها. مئات بلايين الدولارات وينتظر أن تشهد السوق المقترحة عقد صفقات تصل قيمتها الى مئات البلايين من الدولارات سنوياً الا أن الحجم الفعلي للسوق يمكن أن يتضاعف مرات عدة اذ أن اعلان الاتفاق الذي ترافق مع توجيه دعوة مفتوحة لمنتجي السيارات الآخرين للانضمام الى المشروع أثار ردود أفعال ايجابية دعمت توقعات المراقبين في أن يرتفع عدد المشاركين لاحقاً الى نحو 10 منتجين ونحو 100 ألف مورد. وأكد مسؤولو الشركات الثلاث المؤسسة على أهمية الاتفاق على صعيد انترنت. اذ أن نجاحه سيؤدي الى إقامة أضخم مشاريع التجارة الالكترونية حتى الآن، في حين ركز رئيس شركة "فورد" جاك ناصر على أهمية انترنت في ما يتعلق بالصناعة وقال في بيان مشترك أن الاتفاق المشار اليه الذي أعلن نهاية الاسبوع الماضي يعتبر "تطوراً دارماتيكياً مثيراً ومثالاً جديداً على مدى عمق التحول الذي تحدثه انترنت في صناعة انتاج السيارات". وتشكل السوق التبادلية المقترحة التي يقدر أن يبلغ حجم صفقاتها نحو 240 بليون دولار سنوياً أضخم المشاريع على الاطلاق، ولا سيما في مجال التعاملات الالكترونية بين الشركات "business-to-business". وتتجسد أهمية المشروع بشكل أوضح عند اضافة صفقات منتجي السيارات الآخرين كمشاركين محتملين علاوة على صفقات الموردين الذين تقدر قيمة مشترياتهم من المواد الأولية سنويا بنحو 500 بليون دولار. توقعات معلنة وتدعم أرقام السوق المشار اليها فعلياً التوقعات المعلنة عن تطور حجم أعمال التجارة الالكترونية بين الشركات التي تشكل نحو 80 في المئة من اجمالي حجم التجارة الالكترونية. وتشير مؤسسة "فورستر" الأميركية للأبحاث على سبيل المثال، الى أن قيمة صفقات المبادلات الالكترونية للشركات بلغت عام 1998 نحو 48 بليون دولار ثم ارتفعت الى 109 بلايين دولار العام الماضي ويتوقع أن تتضاعف كل ثلاث سنوات. ويعتبر مشروع السوق التبادلية لمنتجي السيارات إضافة متوقعة في موجة مستمرة من مشاريع التجارية الالكترونية التي يتوقع أن تكتسب زخماً كبيراً في المستقبل، خصوصاً في أميركا الشمالية. وسبق لصناعات عدة بينها صناعة المنتجات الكيماوية وصناعة توليد الكهرباء أن أنشأت أسواقاً تبادلية في انترنت لكن الاتحاد الأميركي للصناعيين أشار في دراسة نشرها أخيراً الى أن غالبية الشركات الأميركية 68 في المئة لا تزال خارج انترنت. وجاء في هذا الاطار المشروع الذي أعلنه تحالف من شركات أميركية وفرنسية وعملاق برمجيات مشاريع التجارة الالكترونية للشركات "أوراكل" الاثنين الماضي، لانشاء أول سوق تبادل عالمية لتجار التجزئة في انترنت. ويضم التحالف شركتي "سيرز" و"رويباك" الأميركيتين وشركة "كارفور سوبرمارشيه" الفرنسية علاوة على 50 ألف مورد وشريك وموزع وتقدر قيمة حجم مشترياته الاجمالية بنحو 80 بليون دولار سنوياً. وأعرب ناطق باسم "أوراكل" ل"الحياة" في اتصال هاتفي عن اعتقاده أن مشروع تجار التجزئة وقبله السوق التبادلية لمنتجي السيارات مؤشران أكيدان على التوجه المستقبلي المتوقع في مجال التجارة الالكترونية، وأكد في الوقت نفسه أن "أوراكل" وشركة التسويق الالكتروني الأميركية "كوميرس وان" ستشاركان في تنفيذ مشروع منتجي السيارات الذي يتوقع أن يبدأ العمل ككيان مستقل في وقت لاحق من السنة الجارية. دمج المشاريع وتقوم السوق التبادلية لمنتجي السيارات أساساً على دمج مشروعين مماثلين أعلنتهما فورد وجنرال موتورز في وقت متزامن في تشرين الثاني نوفمبر الماضي بالتحالف مع "أوراكل" و"كوميرس وان" على التوالي. لكنهما اكتشفتا أن إقامة سوق موحدة ستخدم مصالحهما بشكل أفضل. وكشف مسؤولون من الجانبين في مؤتمر صحافي أن انضمام "ديملر - كرايزلر" والدعوة المفتوحة لبقية المنتجين ليس نهاية المطاف، اذ تعقد مناقشات أولية مع عمالقة الصناعات الأخرى بينهم "بوينغ" و"جنرال الكتريك" و"ايرباص" للدخول شركاء في المشروع. ويرى المراقبون أن مبادرة منتجي السيارات ستلعب دوراً تحفيزياً مهماً في تنشيط مشاريع التجارة الالكترونية للشركات شرط اثبات فعاليته في تسهيل مهمة التواصل مع الموردين وقدرته على الحد من النفقات. ويبدو أن الأمال المعقودة عليه ليست هزيلة بأي حال. فرغم امتناع الشركات المؤسسة عن اصدار أي توقعات في شأن النفقات الا أن "جنرال موتوز" ذكرت أن مشروعها الخاص الذي أطلقت عليه اسم "TradeXchange" سيتيح لها توفير 90 في المئة من النفقات الادارية لطلبات الشراء. وتشير أدبيات صناعة السيارات الأميركية الى فوائد أكثر أهمية من التوفير في النفقات الادارية. فعلى سبيل المثال يتطلب تصميم سيارة جديدة وانتاجها في مركز صناعة السيارات الأميركية في ديترويت 24 شهراً وبليون دولار. وفي حال ساهمت عملية التواصل الدائم مع الموردين في اقتطاع شهر واحد من المدة المطلوبة فهذا يعني خفض الكلفة بنحو 40 مليوناً. ومؤكد أن توفير بهذا الحجم يعتبر مغرياً جداً بالنسبة لشركة مثل "فورد" التي خفضت نفقاتها بنحو ستة بلايين دولار منذ 1996 وتعتزم تحقيق خفض اضافي بنحو بليون دولار في السنة الجارية. ولكن على رغم ضخامة الوفر المتوقع أن يتحقق لمنتجي السيارات عبر الاستخدام المكثف لتقنيات انترنت الا أن المنافع المتاحة للمستهلك مباشرة تبقى طويلة الأجل. اذ تشير تصريحات بعض مسؤولي صناعة السيارات الأميركية الى أن المبالغ التي سيتم اقتطاعها من النفقات ستستخدم في تمويل إضافات جديدة للسيارات وتقنيات متطورة خصوصاً في مجال الاقتصاد في استهلاك الوقود وأنظمة التوجيه الالكترونية. وتنفرد بتقديم الفوائد المباشرة للمستهلك في أميركا الشمالية حفنة من شركات الوساطة المستقلة التي تقدم خدماتها للمستهلك ووكالات السيارات المشتركة في خدماتها. ويتلخص عمل هذه الشركات في إنشاء موقع في انترنت يتضمن قواعد معلوماتية عن أنواع السيارات الجديدة والمستعملة وطرازاتها وميزاتها وخدمات التمويل والحسومات المتوافرة. وتراوح المغريات بين حسم بمبلغ 500 دولار لسيارة ثمنها عشرة آلاف دولار وحسم بمبلغ 1600 دولاراً لسيارة قيمتها 17 ألف دولار. الا أن منتجي السيارات شرعوا أخيراً في التركيز على تقديم خدمات مشابهة وأعلنت شركة فورد في بداية السنة الجارية شراكات مع خدمة "carpoint.com" التابعة لشركة مايكروسوفت علاوة على شراكاتها مع "أوراكل" و"ياهوو". كما أعلنت في الاسبوع الماضي مشروعاً مشتركاً مع شركة "تريولوجي سوفت وير" التي عهدت اليها تطوير وادارة كل مواقعها الموجهة للزبائن واتاحة الخدمات نفسها لكل وكلائها في العالم.