الحياة عيد متنقل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجوالة. وأفضل مكان للفرجة والابتهاج بهذا العيد معرض "الألكترونيات والكومبيوتر" الذي عقد الاسبوع الماضي في مدينة هانوفر بألمانيا. مساحة المعرض 415 ألف متر مربع تعادل 90 ساحة لمباريات كرة القدم، وعدد المشاركين فيه نحو 8 آلاف شركة من أكثر من 60 بلداً، وقصده نحو 700 ألف زائر من كل أنحاء العالم. ويصعب الاحاطة بالأدوات والمعدات والآلات والتقنيات التي عُرضت في معرض هانوفر. وعود التكنولوجيا المستقبلية تداعب أكثر المخيلات إغراقاً في الخيال. شراء صحن سمك مشوي على سبيل المثال بواسطة هاتف الانترنت الجوال لن يكون كشراء سمك في البحر. ذلك لأن شاشة الهاتف في مطعم السمك متصلة بكاميرا مسلطة على حوض السمك. عن طريقها يستطيع الزبون اختيار السمكة ومتابعة عملية شوائها. وتكنولوجيا المستقبل تتيح تنّسم رائحة الشواء بواسطة برنامج كومبيوتر "يرقمن" ويبث رائحة الشواء، كما "يرقمن" المكالمات الهاتفية ورسائل الفاكس وصور الفيديو. وماذا بعد تنسم رائحة الشواء من رغبات يستطيع أن يحققها الهاتف الجوال في القرن الجديد؟...ملمس السمكة، أو رعشاتها الكهربائية تحت السكين؟! تزاوُج الجوال والانترنت يرسم ملامح القرن الجديد 21. هذه هي الرسالة الأساسية لمعرض هانوفر، الذي كشف عن حقيقة لا تصدق، وهي أن "أوروبا تتقدم الولاياتالمتحدة في الهاتف الجوال". ذكر ذلك كارستن شميدت الباحث في شركة البحوث المستقبلية الأوروبية "فورستر" Forrester. والمفارقة أن سبب تأخر الأميركيين يعود في رأي شميدت الى "بَلقنة" تكنولوجيا شبكات الاتصالات الجوالة. فالتنافس يجزِّئ التكنولوجيا في الولاياتالمتحدة، في حين التزمت أوروبا بمواصفات قياسية موحدة. ويتوقع تقرير صادر عن "فورستر" أن يستخدم ثلث الأوروبيين الانترنت الجوال عام 2004، وأن يبلغ حجم التجارة الجوالة خلال السنوات الثلاث المقبلة 23 بليون دولار. والأرقام تبعث على التفاؤل. حجم التجارة الألكترونية الدولية بين الأعمال بيزنس مع بيزنس بلغ في العام الماضي 145 بليون دولار. ويتوقع أن يزيد حجم التجارة الأوروبية بين الأعمال على ترليوني دولار عام 2004، وأن يتجاوز الحجم الكلي للتجارة الألكترونية في العالم، حسب توقعات شركة البحوث "غارتنر غروب" سبعة ترليونات دولار. ويعادل هذا المبلغ الحجم الكلي لاقتصاد الولاياتالمتحدة في العام الماضي 1999. وكلمة المرور في العيد المتنقل للقرن 21 هي "واب" WAP. الكلمة مستقاة من الحروف الاولى لعبارة "برتوكول الاستخدام اللاسلكي" Wireless Application Protocol. وهي بعبارة اخرى مقياس تصميم محتوى الانترنت للأجهزة الصغيرة. والبروتوكولات هي قواعد أو اصول التعامل في شبكة الانترنت. عمل البروتوكولات تنظيم التخاطب بين الأنظمة والشبكات والأجهزة المختلفة التي تتعامل مع الانترنت. بروتوكول الهاتف الجوال على سبيل المثال يتيح لحامله أن يصدر أوامر صوتية من بعيد يلتقطها ويتصرف على أساسها برنامج الكومبيوتر في أبواب المنزل أو السيارة أو حتى جهاز التكييف المنزلي. هذه التقنيات وبرامج الكومبيوتر التي تجعل الأدوات تفهم وتنفذ الأوامر الصوتية الصادرة لها ستدخل كل ما يخطر على البال من مستلزمات الحياة والعمل اليومية. وحصة الأسد ستكون للهواتف الجوالة المتصلة بالانترنت "واب" التي تتوقع شركة البحوث "غارتنر" أن تهيمن بشكل مطلق على صناعة الهاتف الجوال وتحقق مبيعات تبلغ البليون في الأعوام الثلاثة المقبلة. ونظرة على أجهزة الهاتف الجوالة الجديدة تبرر هذه التوقعات الوثّابة. فالشاشات الصغيرة للهواتف تتسع للتجول في الأسواق الألكترونية وشراء البضائع من بعيد. وتخدم شاشة الجوال كنافذة لمراجعة الحسابات المصرفية ولتحويل النقود وشراء الأسهم والمضاربة في بيوتات المزاد. وتعرض شاشة الجوال عناوين آخر الأخبار وفقرات النشرة الجوية ونتائج مسابقات كرة القدم وسباق الخيل. بل يتوقع الباحثون في شركة "فورستر" أن تقوم الهواتف الجوالة بدور المفاتيح للمنازل والسيارات وكبطاقات مصرفية وكيس نقود. كثير من هذه الخدمات بدأ يعمل في بلدان أوروبية عدة، حيث يمكن الاطلاع على عناوين الأخبار عبر الهاتف الجوال، أو جلب مذكرة مهمة في ملفات المكتب، أو حجز تذاكر على الطائرة، أو متابعة خط سير السيارة على خارطة المرور في شاشة الهاتف، أو مراجعة النشرة الجوية. وملايين الدولارات توظفها شركات "مايكروسوفت" و"سوني" و"أريكسون" و"نوكيا" ومئات الشركات الاخرى الكبيرة والصغيرة لتطوير برامج وأنظمة هدفها تحرير الخدمات من أسر أجهزة الكومبيوتر المكتبية والأسلاك الكهربائية ووضعها في الأجهزة الجوالة. وتحرر الابتكارات الجديدة الهاتف اللاسلكي نفسه من القيود، وتجعله مجرد زر سماعة حول الاذن وخرزة مذياع على الخد. وتطرح أجهزة جيب تقوم بكل شئ من نقل المكالمات الهاتفية الى عرض جداول المواعيد ورسائل الفاكس والبريد الألكتروني ونقل البث الاذاعي والتلفزيوني. وإذ تحقق أجهزة الانترنت الجوالة الأحلام يتساءل الخبراء: "لماذا"... وما حاجة الشخص الى مراجعة بريده الألكتروني أو متابعة حركة أسواق الأسهم فيما هو يتجول على شاطئ البحر أو يسترخي تحت ظلال شجرة نخيل؟ وهذا الهوس بمراجعة أسواق الأسهم أو سباقات كرة القدم ألا يقود الى الإدمان المضر بالصحة البدنية والنفسية؟ وهل يحل الاتصال عبر الأدوات محل الاتصال الشخصي المباشر؟ وما المخاطر الاجتماعية المترتبة على استبدال العالم الواقعي الملموس والتجربة المحسوسة بعالم افتراضي نراه ونلمسه عبر شاشة الجوال؟ وهل سيكون نشاط وحركية سكان الأرض في القرن الجديد في مستوى الأجهزة الجوالة؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة يمكن الحصول عليها في موقع هاتف "الواب"*. وهي أجوبة متفائلة على العموم وتنفي أن تزيد تقنيات الجوالة في عزلة الناس، بل العكس ستحقق حلم فلاسفة الاتصالات بتحويل العالم الى قرية صغيرة. ويشار بهذا الصدد الى راديو الترانزستر، أو الأجهزة الموسيقية الجوالة واكمان، التي لم تقض على الروح الاجتماعية للناس، بل خلقت أسباباً اضافية للكلام والتواصل والتعارف. فكيف بالأجهزة الجوالة الجديدة التي تستطيع أن تحقق الاتصال المباشر في اتجاهين بالكلام والصوت والصورة ما بين طلبة جامعة العين في الامارات وقاعة المحاضرات في جامعة بيركلي في كاليفورنيا؟ موقع هاتف "الواب" www.wapforum.org