تحتفل الكويت الشقيقة هذه الأيام بأعيادها الوطنية، والكويت أكثر الدول جدارة بالحرية والاستقرار والازدهار، فقبل اجتياح النظام العراقي عام 90 كانت واحة من واحات الحرية حيث الالتزام بالدستور والاحترام للمؤسسات، والانتخابات البرلمانية، وحرية الكلمة، والموقف الداعم للقضايا العربية والاسلامية، وهي كذلك بعد التحرير. وهذه هي العوامل التي حققت التفاف الشعب حول الشرعية، وحافظت على استقلال الكويت، ومكنتها من تخطي المحن. ولقد مر على عودة الكويت حرة مستقلة تسع سنوات. ولكن نتائج الاجتياح وما سببه من كوارث للكويت، وللخليج العربي، وللعراق، وللأمة بكاملها، لا تزال ماثلة أمامنا. فمغامرة الثاني من آب اغسطس شكلت كارثة قومية بكل معنى الكلمة، اذ وجهت طعنة لمفهوم الأمن العربي، لا يزال يترنح تحت تأثيرها حتى يومنا هذا. وقننت التواجد الأجنبي في منطقة الخليج، وخلقت الى جانب حرب الخليج الأولى موروثاً تاريخياً سلبياً سيبقى أثره ولأمد طويل. والأخطر من كل ذلك سببت فقد الثقة في النفس، وفي الجيران، والخوف من المستقبل. وليست هناك وصفة سحرية لإمكانية تجاوز الأزمة، ولكن لا بد من تجاوزها، وليس من السهل تبسيط الأمور فتعرجات الأزمة لا تجعلنا أسياد الموقف، بل ان هناك أطرافاً أساسية، لها الكلمة النهائية، خاصة مع غياب الإرادة الذاتية. ولكن هذا الشعور لا يجب ان يدفعنا الى العجز، بل يتطلب منا ان نفكر في مجموعة من المنطلقات التي توجب علينا الحركة وتقودنا الى بر الأمان. وإن نقطة البدء هي السعي للتغلب على آثار هذه المحنة، بأن نزيل عقدة الخوف، ونفكر بصوت عال، ونخرج من التقوقع الذي فرضته. وان نستفيد من عبر التاريخ، فلسنا أول أمة تمر بمحنة من هذا الوزن الثقيل. ونقطة الانطلاق هي تعزيز بناء البيت الخليجي العربي لما استقيناه من دروس أهمها وحدة المصير في السراء والضراء، ولما اقتضته التطورات المحلية، والعربية، والاقليمية والدولية من تغيرات سياسية واقتصادية وثقافية. إن صيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي المنطلق الذي يجب ان نبني عليه، وعلى ما حققه من انجازات، والسير الى الأمام لتطوير العمل الخليجي المشترك، مما يمكننا من تشكيل قوة اقليمية لها وزنها وقدرتها على التعامل مع التحديات والكتل الاخرى في العالم. وربما تكون الوحدة الكونفيديرالية هي الهدف المنشود وقد تحدث وزير خارجية قطر في محاضرة له منذ اشهر عدة في جامعة قطر عن ذلك، وقال إن فهمه لتفكير أمير قطر يجعله يعتقد انه لا يمانع في ذلك. وربما كان قادة الخليج جميعاً لا يمانعون ايضاً ولا أكشف سراً اذا ذكرت انه في لقائنا كأعضاء للهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول الخليج العربية في بداية الشهر الماضي بالأمير عبدالله ولي عهد المملكة العربية السعودية لمسنا منه وضوحاً في الرؤية لمستقبل الخليج وايماناً بوحدته وإدراكاً لأهميتها قل ان يكون له نظير. ان هذه الوحدة اذا توصلنا اليها فإنها تعكس التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواحدة للمنطقة، كما تعكس وحدة المصير الذي ىفرض مثل هذا التوجه، وأخيراً تعني توفيراً للطاقات التي تهدر على مستوى كل دولة التي لا يمكن ان تكون وحدها قادرة على مواجهة التحديات مهما بلغت الأموال والجهود المبذولة. وانطلاقاً من التغلب على عقدة الخوف، فإن علينا في الخليج العربي ايضاً ان نسعى لعودة التضامن العربي، لأننا أحوج ما نكون اليه، وأكثر المتضررين لغيابه. ان عودته تشكل عامل توازن أساسياً لميزان القوى المختل لصالح اعداء الأمة. ويجب ان ندرك ان موازين القوى ليست مستقرة، والتحالفات تتغير، والأوضاع السياسية في المنطقة في حالة سيولة، والمصالح تتغير فتتغير معها التحالفات. وعلينا ان ننظر الى العلاقات مع دول الجوار باعتبارها عاملا أساسياً لاستقرار المنطقة. ولا بد من تكوين رؤية موحدة واضحة لمجلس التعاون لهذه العلاقات، قائمة على الاحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومعالجة المشاكل العالقة. وبالنسبة للعراق، الجار والشقيق، فإنه يشكل قوة اقليمية عربية مؤثرة، بحكم وضعه الجغرافي وخلفيته الحضارية وامكاناته البشرية والاقتصادية، ولقد نظر اليه اشقاؤه في الخليج، قبل محنة الثاني من آب اغسطس على انه يشكل السند والدعم. كما يشكل عامل توازن وردع تجاه القوى الغير عربية، وكان هذا الدافع الاساسي من دعمه في حربه الأولى مع ايران. ان الشعب العراقي الشقيق يمر بمأساة انسانية وانه في حاجة الى الدعم والمساندة. إن عيون القوى الاقتصادية الكبرى في العالم مصوبة نحو العراق لا تعاطفاً ولا دعماً، ولكن من أجل ان يكون لها النصيب الأكبر من اعادة إعمار العراق. شاهدت لقاءات مع مجموعة من الشخصيات الكويتية البارزة في تلفزيون الكويت خلال شهر رمضان المبارك تدور حول الكويت في القرن الواحد والعشرين، أدارها السيد يوسف الجاسم، ولقد لفت نظري مشاركة النائب محمد جاسم الصقر رئيس لجنة العلاقات الخارجية الذي دعا الى ندوة تتبناها لجنته تدور حول مستقبل العلاقات مع العراق، مع احتمال استمرار النظام الحالي لعشر سنوات مقبلة. وتساءل السيد الصقر هل كان هناك من يتوقع استمرار النظام الحالي كل هذه الفترة بعد هزيمته عام 91 على يد قوات التحالف. ان هناك تغييرات جذرية بدأت ملامحها تتضح في ما اصطلح على تسميته بمنطقة الشرق الأوسط. كل ذلك يتطلب منا في الخليج ان يكون لنا موقف مما يجري، ويتطلب منا ان نبادر الى طرح مبادرات لمعالجة ما تواجهه منطقتنا من تحديات، حتى يكون لنا دور في صياغة واقعنا ومستقبلنا، وإلا فرضت علينا الحلول التي تناسب الآخرين ومصالحهم، وما علينا حىنئذ الا السير مع هذه الحلول وان تناقضت مع مبادئنا ومصالحنا. ان علينا ان نتحرر من عقدة الخوف، ونثق في أنفسنا، لنستطيع ان نتصدى للتحديات التي تواجهنا، وإلا فقدنا الإرادة في التأثير وخضعنا للحلول المستوردة والمعلبة لقضايانا. * عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول الخليج العربية