"أنا لم أفعل شيئاً، فأنتنّ جميعاً شريكاتي في عمل الخير"، قالتها سعاد الحسيني الجفالي بتواضع وخجل اثناء حفلة التكريم التي اقامتها لها الأسبوع الماضي سيدات "الملتقى" تقديراً لما بذلته من جهود وعطاء في أعمال الخير لفترة زادت على أربعين سنة، وذلك من ضمن نشاطات "الملتقى" وحرصه على تكريم المتفوقات اللواتي قُمن بخدمة المجتمع السعودي سواء بإبداعهن العلمي، او الفني، او الاجتماعي. وصفتها الزميلة امجاد علي رضا في كلمتها التكريمية امام حشد يزيد على مئة سيدة اجتمعن في دارة السيدة ناجية جميل عضوة الملتقى قائلة: "سعاد الجفالي طاقة متقدة بالحب، لغتها الانسانية، ودافعها الرحمة والتعاطف مع الغير، مسلكها الخير في كافة قنواته التي يجري فيها". تحدثت سعاد الجفالي عن انطلاقتها في عمل الخير، يوم دعت سيدات مجتمع جدة الى بيتها وقُمن بتأسيس أول جمعية نسائية في المملكة، سنة 1962. واليوم امتدت نشاطات هذه المؤسسة في مختلف مجالات الخدمة الاجتماعية، خصوصاً في تنمية قدرات المرأة، وإعانة الطفل. ولم تنس سعاد الجفالي بلدها الأول فلسطين الذي أُجبرت على مغادرته مع عائلتها في العام 1948، وإقامتها مع عائلتها في سورية، ثم في لبنان، حيث اكملت دراستها في كلية بيروت الجامعية سنة 1950، ثم انتقال العائلة الى السعودية، وزواج سعاد في جدة، من الشيخ احمد الجفالي. ونشطت سعاد بمؤازرة "دار الطفل العربي" في القدس الذي آوى يتامى مذبحة دير ياسين. وكان المغفور له الملك عبدالعزيز أول من دعم عملها. ولكي يستمر الدعم لدار اليتيم العربي، قامت سعاد الجفالي بتأسيس مشروع سيدات جدة المؤازرات لدار الطفل. فهنّ يجتمعن شهرياً لتقديم "طبق الخير"، ولمساعدة دار الطفل في نفقاتها. وبفضل هذا الدعم استطاعت الدار ان تتجاوز حدود إيواء الطفل الفلسطيني اليتيم، وأصبحت صرحاً ثقافياً يضم كلية للآداب، ومعهداً للآثار ومركزا للأبحاث الاسلامية. وتوّجت سعاد الجفالي عملها الخيري في تأسيس مركز العون للأطفال المعاقين في جدة العام 1985. ويعتبر هذا المركز فريداً من نوعه في الشرق الأوسط، وقدّرت كلفة تنفيذه وتجهيزه بأكثر من 30 مليون دولار. وقد تكفّلت اسرة المرحوم الشيخ احمد الجفالي بجميع نفقات المركز سنوياً. وهنا اوضحت السيدة سعاد بسرور قائلة: "ابنتي مها درست علم الطفل المعاق وتعاونت معي منذ انشاء المركز، وهي مسؤولة عن ادارته. لقد بدأنا بطفل واحد في بيت صغير، ثم توسعنا بسرعة هائلة، فانتقلنا الى البناء الجديد الذي تزيد مساحته على اربعين الف متر مربع، وتبلغ طاقته الاستيعابية اليوم نحو 250 طفلاً معاقاً ذهنياً. وكانت اصعب مرحلة في عملنا ايجاد معلّمات مدرّبات، بحيث يكون لكل طفلين اختصاصية واحدة تكون مهمتها التدريب، والمرافقة اليومية لهما منذ حضورهما صباحاً الى المركز حتى يحين وقت المغادرة الى المنزل. ويبلغ عدد العاملين في مركز العون اليوم نحو 175 موظفاً من الأطباء والاخصائيين الذين تم استقدامهم من بعض الدول العربية وألمانيا وبريطانيا". وعن ظروف تأسيس المركز، قالت: "كان للمرحوم زوجي الشيخ احمد الجفالي الفضل الأكبر في اذكاء روح العطاء في نفسي. وكان دائماً يشجعني ويساندني في عمل الخير. ولقد طال بنا التفكير حتى اهتدينا الى مشروع يحقق حلمنا الكبير بتأسيس مركز العون لخدمة المعاقين ذهنياً. وقد لمسنا ضرورة ذلك اثناء وجودنا في لبنان. ففي احد الأيام فوجئنا بضجة تثيرها مجموعة من الأطفال امام بيتنا في برمّانا، وهم ينادون: بابا ماما... واعتذرت عن ذلك معلمتهم، وأخبرتنا بأن الزي السعودي الذي كنا نرتديه ذكّرهم بآبائهم وأمهاتهم في المملكة. ونظراً لعدم توافر خدمة ورعاية المعاقين في السعودية حينئذ، قامت سفارة المملكة في بيروت بالحاقهم بمدرسة السيدة منيرة الصلح في بيت مري التي كانت تقوم بخدمة المعاقين... هنا فقط اتفق رأيي ورأي زوجي الشيخ احمد، رحمه الله، على ان نحقق ما نحلم به بتأسيس مركز العون للأطفال المعاقين عقلياً في جدة كي لا يحرموا من حنان الأهل وعطفهم". ثم تحدثت سيدة امام الحاضرات تصف معاناتها مع ابنتها المعاقة ذهنياً، فقالت: "كانت ابنتي نوف لا تنطق ولا تعي شيئاً، فأدخلتها المركز منذ كان عمرها ست سنوات. لقد قاموا بتعليمها وتأهيلها. وهي الآن في الثامنة عشرة من عمرها، فأدخلوها في دورة تدريبية في فن التجميل. وها هي الآن تعمل في صالة تجميل، وتتقاضى راتباً، وتعتبر انسانة لها قيمتها تماماً كالباقين". وأمسكت السيدة بيد ابنتها نوف، وكانت تحمل باقة من الزهر، فقدمتها للسيدة الجفالي التي تقبّلتها متأثرة. وأكدت سعاد الجفالي ان غاية المركز القصوى هي تدريب هؤلاء الأولاد، كالفتاة نوف، حتى يخرجون الى المجتمع مؤهّلين بمهنتة تعلّموها في المركز، لتساعدهم على مواجهة اعباء الحياة كأيّ فرد بكامل قواه العقلية.