لندن - أ ف ب - ساهم الجنرال اوغوستو بينوشيه الذي سمح له امس بمغادرة لندن بعد اجراءات قضائية ضده استمرت 16 شهراً، في ارساء اسس لعمليات قضائية مؤيدة لحقوق الانسان، الأمر الذي ثبته أخيراً اعتقال حسين حبري الذي سمي ب"بينوشيه افريقيا". وكان مسؤولو منظمات الدفاع عن حقوق الانسان والحقوقيون الذين وقفوا الى جانبها، سعوا الى تجاوز شعورهم بخيبة الامل لعدم اكتمال القضية بعد 16 شهراً من اثارتها. وأكدوا ان الافلات من العقاب لم يعد حتميا للطغاة في الماضي والحاضر والمستقبل. ولم تمر اعادة كتابة القانون الدولي من دون صعوبة. فمحضر الاتهام تقلص شيئاً فشيئاً مع توالي الجلسات امام القضاء البريطاني المعروف بمحافظته وهي صفة تجعل مساهمته اكثر اقناعاً. فعندما اوقف في لندن في تشرين الاول اكتوبر 1998 بطلب من اسبانيا، كان الجنرال سيحاكم بتهم قتل واخفاء اكثر من 3500 معارض في عهده، بين 1973 و1990. وعندما اعلن قرار وزير الداخلية البريطاني جاك سترو الافراج عن بينوشيه لأسباب صحية، كانت التهم تقلصت لتنحصر في ارتكاب عمليات تعذيب. ولم تؤد الجهود التي بذلتها بلجيكا ومنظمات عديدة للدفاع عن حقوق الانسان من بينها منظمة العفو الدولية سوى الى ارجاء الافراج عنه. الا ان الخبراء في الحقوق يؤكدون ان فشلها يجب الا يحجب تقدما كبيرا حققته. وذكر هؤلاء الخبراء نقطتين في هذا المجال، احداهما، تتعلق بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول الحاليون او السابقون التي لم تعد تشكل ضمانة ضد كل الاخطار. كما رأوا ان الصفة العالمية وغير القابلة للتقادم لبعض الجرائم ضد البشرية، ثبتت رسميا، بينما كانت السيادة الوطنية التي لا تمس، ذريعة تستخدم لمنع اي تدخل في شؤون البلاد. وعبر ريد برودي مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" المشاركة في الملف التشيلي، عن ارتياحه في بداية شباط فبراير الماضي لتوجيه التهمة في دكار الى الرئيس التشادي السابق حسين حبري "لتواطؤه في عمليات تعذيب". ويشكل هذا الاجراء سابقة في افريقيا التي تشهد مجازر باستمرار. وقال برودي حينذاك: "انه بينوشيه افريقي. لدينا هنا رئيس اجنبي سابق اعتقل في بلد آخر لجرائم ارتكبها في بلاده". وفي الاجمال، تشكل قضية بينوشيه "اكبر مساهمة قدمت للقضاء الدولي بعد محاكمات نورمبرغ" للقادة النازيين في 1945 و1946، حسبما رأى استاذ القانون البريطاني مايكل بايرز. وشاطرته منظمة العفو الدولية هذا الرأي. وقال ريد برودي امس، ان "العالم اصبح صغيرا اليوم للذين يرتكبون فظائع". واثبتت هذه القضية حصول وعي دولي لا سيما نتيجة للمجازر في كوسوفو او في رواندا. فإلى جانب بريطانيا التي وافقت على توقيف "سناتور لمدى الحياة" على ارضها بعد مرور 15 يوماً من استقبالها له بحفاوة بالغة، واسبانيا التي اصدرت مذكرة تطالب بتسليمه رغم الاضرار المحتملة التي يمكن ان يسببها ذلك لعلاقاتها "الاساسية" مع تشيلي، شاركت ديموقراطيات غربية عديدة مثل بلجيكا وفرنسا وسويسرا، في هذه القضية معبرة عن رغبة في محاكمة رجل تشيلي القوي السابق على اراضيها. وأخيراً قال محامي احدى المنظمات غير الحكومية في نهاية هذه الاجراءات ان "فرصة محاكمة بينوشيه في تشيلي تساوي احتمال ذهابه الى الجنة". وأياً تكن مواقفهم، يعزّي انصار حقوق الانسان انفسهم، بفكرة ان "الديكتاتور" السابق الذي يبلغ من العمر 84 عاماً والذي كان يلقى منذ فترة دعم الولاياتالمتحدة وتستقبله الدول بحفاوة، اصبح "مداناً معنوياً وميتاً سياسياً". وخلافاً للمخاوف التي عبرت عنها سلطات سانتياغو، لم تؤد قضية بينوشيه الى اخراج عملية الانتقال الديموقراطية والمصالحة الوطنية عن مسارها. والدليل على ذلك ان الجنرال يعود الى بلاده التي بات يحكمها اول رئيس اشتراكي منذ سلفادور الليندي الذي اطاحه بينوشيه قبل 27 عاماً.