الشرفة المفتوحة على حديقة مصطنعة والمحاطة بأسلاك من الحديد. الشرفة الوحيدة في هذه الغرفة احتوت على شاعرة قديمة وكاتبة قصة وباحثة قانونية وأنا وأكواب مملوءة بالصهيل. هبطت روحك من زنزانتها المعدنية وراحت تتجول بيننا كفرس عاشقة تذوب في التراب. الحوار السفسطائي العقيم عن معارك سرابية، عن حرية المرآة والأدب النسائي، عن مدن ومحطات خرافية، عن حقائب منفية في ذاكرة الوطن، عن غيابات حقيقية وأخرى مفتعلة، عن هذا النهار الشتائي المميز في غرفة فندقية مبهرة. أغمض عيني وأسير في اتجاه الشمس. حان أن نهدأ قليلاً أمام المرآة التي التهمت جسدي وجسدك دفعة واحدة، وقذفتنا الى الجهة الأخرى، حيث كنا ندحرج أحلامنا على قرني ثور هائج، وكنا نردد أحكاماً مسبقة لما سوف يحدث. على العشب سقطنا ملفوفين بمادة غريبة لزجة بعض الشيء وطرية. كان ارتطامنا مسلياً وقاسياً. الزرافات المنقطة تصطاد الفراشات. الحمار الوحشي المدلل يرقص على أنغام زنجية. النسر والبطريق العجوز والديك الحبشي المربوط في احدى قدميه بجرس من ذهب، والبجعة المبللة بالماء كنا نحتضنها بفرح. في هذه الغرفة الفندقية خرج الجني من فانوسه السحري، وسقى زهرة الجسد بالعطر، وبعثر حزمة الضوء في الفراغ، فصعدنا السلالم سلمة سلمة، ممسكين بجمرة الشوق، وتاركين للريح أن تدفعنا من الخلف. ببطء نصطدم بالمفارش ونلتحف بجثة اللهفة. في هذه الغرفة، كان سركون بولص يحدق من مركب نوح وكانت لينا تعيش هنا، وكنا على مقربة من حانات لم ندخلها من قبل، ومقاه دمشقية مزحومة بالشعراء، وحدائق لم تعبرها الريح ولم تغطها العتمة. نثرنا لهفتنا فوق الأرصفة، أرصفة روما القديمة، عند تمثال موسى جلسنا قليلاً. كان بلون الرصاص ولون الخرافية. والقاهرة تلك المدينة العاشقة تحدق في هيكل مقدس، شوارعها المكتظة بالبشر. عند الحدود تاهت أقدامنا، ونسينا أين تركنا الحقائب: في أي مطار؟ في أي ميناء؟ عند أي محطة؟ نسينا أين تركنا قبعتنا الشتوية، ونظارتنا الشمسية المشتركة. نسينا جواز السفر وصورتنا الفوتوغرافية، وبقينا عند الحدود. القاهرةالمدينة العاشقة تدعونا للدخول. والشرفة هي الشرفة. مذاق آخر للتصحر. روحك التي ذوبتني. كنت أرتجف في يوم شديد الحرارة، ليلة الحمى، والشراشف البيضاء المعطرة بماء الرغبة. الشرفة هي الشرفة، في هذه الغرفة الفندقية، بصحبة شاعرة قديمة وكاتبة قصة وباحثة قانونية. كانت روحك تطاردني حتى النهاية. * شاعرة قطرية.