لم ازر المغرب من قبل، لكنني كنت اعيش متخيله، عبر غاب من المرايا التي خلفتها الحقبة الاندلسية، متعقبا كل شاردة وواردة من تلك الأزمنة البلورية. حين كنا في بغداد مطلع السبعينات، كان اليسار العراقي على تماس واضح مع اقطاب اليسار المغربي، وبالاخص حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي. كانت ثمة زيارات تتم بين هذه الاجنحة، وثمة كتابات تضامن ووفود من كلا الطرفين، جائية ذاهبة، وكانت هناك كتب ادبية مغربية تطبع في العراق لرواد من كتاب القصة والرواية المغربيتين.. اسماء ابداعية انطبعت في الذاكرة منذ كنا في بواكير حياتنا الادبية، وهكذا كان المغربي و التونسي في العراق هما الاقرب الينا، حتى من بعض القادمين من الجوار. فعلى سبيل المثال، كانت بيوت الطلبة للاقسام الجامعية في بغداد تعج بطلبة مغاربة و تونسيين وجزائريين. وحين تركت بغداد في نهاية السبعينات و اقمت في باريس لفترة قصيرة، كانت علاقتي بابناء المغرب العربي علاقة عادية، مثلها مثل المشرقية، بحكم هويتنا ووجودنا المشترك على ارض أجنبية. قلت اني لم ازر المغرب من قبل، وكنت اعيش في متخيل عنه، ادخلني في اساطير يومية جاءتني محمولة من كلمات مسطورة في روائع لبورخيس ووليم بروز وبول بولص وجان جينيه وقصائد بيضاء للاميركي غوريغوري كورسو، المعروف بسوداويته في الكتابة الشعرية وبتجديفه الشعري الدائم ضد اميركا، ولكنه هنا يكشف عن شفافية غير معهودة لديه في قصائد مستوحاة من دهشة المغرب، فله قصيدة في "ثياب النساء المغربيات" التقليدية، واخرى "عرب في المقاهي" يتحدث فيها عن الاسترخاء الهنيء، المتوج بشاي النعناع، واخرى "رجل يدخل بحر طنجة" متحدثا فيها عن الدفء العجيب والأليف لمنظر البحر في طنجة. وما دمنا في حيز طنجة، وهذا ما اروم الدخول اليه، فانني عشت فتنة طنجة من خلا ل كتابات محمد شكري، التي ذهبت في متخيلها وحلمت بها. فالمبدعون وحدهم هم القادرون على خلق احلام عن مدينة ما، واحسب ان المدائن التي يصنعها الكتاب من لحم الكلمات ودمها وبروقها وقوتها، هي التي تبقى في ذاكرة التاريخ والزمن، وفي الذاكرة الجمعية للتشكيلات البشرية، عكس المدن المبنية من قبل الطغاة، المهددة بالزوال، لانها تحمل وسمهم، فائحة بروائح الذبح،بفعل منجزاتهم الهمجية. ان محمد شكري احالني الى يوتوبيا حقيقية، وشيد لي متخيلات سيميائية، سربها إلي على اشكال تحمل عناصر الاشراق و التشويق واللذة. لقد قرأت كل ما كتبه شكري، فأعجبت بأسلوبه الوضاء ، ذي الجملة السلسة والقصيرة، فضلا عن بنائه لمدينة من نور، شيدها داخل اعماقي، لذلك حفظت مدينة طنجة عن ظهر قلب، شوارعها ومقاهيها، حاناتها وفنادقها، اسواقها وبحرها واخيرا ناسها، دون ان ازورها، وهنا تكمن مهمة المبدع ورسالته الجوهرية للزمن، انه اعاد بناء مدينة طنجة وفق رؤيته ومخيلته وروحه ليمنحها بالتالي للآخرين، مثل لوركا وغرناطة، السياب وجيكور، نجيب محفوظ والقاهرة،نيرودا وتشيلي، اكتافيوباث والمكسيك. قلت لم ازر المغرب من قبل، ولكن اتحاد كتاب المغرب،اتاح لي أخيراً فرصة اللقاء بالمغرب،من خلال مهرجان الرباط الدولي في دورته الخامسة. السوق المؤدي الى البحر كعادتي حين احلّ بفندق ما، اعتبره للنوم فقط، والوقت المتبقي هو للتجوال البهيج في احشاء المدينة وتعاريجها السفلية. صباحا انطلقنا من فندقنا في العاصمة الرباط تجاه الشوارع والاسواق، باحثين عن البهجة والألفة المفتقدتين في البلدان الاجنبية المتجهمة، بدءاً من الوجوه، وانتهاء بالمناخ. قادتنا خطانا ونحن مع دليل عارف بأسرار المدينة، هو الروائي التونسي حسونة المصباحي، الى سو ق المدينة القديم وقلاعها التاريخية. قال حسونة: ها هي ذي "السويقة"، وهي سوق طويل، مسقوف بالقصب والاعمدة الخشبية القديمة. السوق يغرق بروائح من شتى الاصناف. بهجة السوق تتشظى في الدكاكين الصغيرة، مغمورة بروائح الحناء والزعفران والتوابل، باهظة السيماء. انه عيد متنقل للشميم وجس رقيق للمادة المعروضة، على نحو باذخ، داخل اكياس من القنب، مما يعطي للناظر حاسة اخرى، هي غير النظر واللمس، يعطي حاسة التناغم. هنا الانسان يتناغم فينفذ هو الى الرائحة، وهذا الضوع المجبول من مادة غابرة، كانت راقدة ذات يوم في بستان او في غابة. ونحن نقطع السوق مجيلين النظر في هذا العيد المتجول من الروائح و الالوان، روائح مسك ولوز وصنوبر، يستوقفنا مشهد الاديبات، القاصة ربيعة ريحان، والروائية اللبنانية هدى بركات و الشاعرة اليمنية هدى ابلان، وهن منخرطات في تعقب مصدر الشذى. كن يقفن بين اكياس الحناء ويتشممن هذا المسحوق الاخضر، الذي تخالطه الصفرة المعتقة وألوان فيروزية غامضة تندرج في نسيج المسحوق. اجتزنا السوق خفيفين دون اثقال ليؤدي بنا السوق الى قلعة حجرية، نتقدم اليها فنبصر البحر هاجعاً بين هذه الصخور الدالة على مكانة ماضية لهذا المكان، انه بيت السلطة القديم، الذي كان يحمي مدينة الرباط من الغزاة و القراصنة. ندخل المكان، واذا به مكان رهيب اسمه "اللوادية" حجري الملامح، تلوح على سماته لمسة نظيفة مشفوعة بهواء بحري، يجذبنا من ياقاتنا صوب المقهى المطل على البحر. نرى ثمة سواحاً يشغرون المكان، نأخذ مكاناً بينهم انا وخالد المعالي وحسونة المصباحي طالبين قهوة وشايا اخضر يهب منه نسيم النعناع. الشعر ونزهة حسان توزعت نشاطات وفعاليات مهرجان الرباط الدولي على قاعات ومسارح وغاليريهات العاصمة. فالمهرجان فيه تنوع في الأداء الابداعي الفني، غناء ومسرحاً وسينما وفنونا تشكيلية، شعراً ونقداً وندوات تتعلق بشؤون الكتابة الابداعية، وهذه الاخيرة كان موقعها ونصيبها من الاماكن هو منتزه كبير، يعرف باسم "نزهة حسان" ففي جزء من هذا المكان الاخضر نصبت خيام بمثابة ورشات عمل للابداع، ولكن الفضاء الممتع لهذا المكان كان هو الاساس. تشغل المساحة مقهى صغيرة، والحضور جمهور عام، يصغي بدقة وأناة للشعراء و الندوات الادبية، ويتدخل في النقاش، مثيراً أسئلته الحقيقية. في هذا المكان انصت لشعراء المغرب وكتابهم، وتلمست عن قرب الصيغ و التشكيلات والاساليب المتنوعة لشعراء يعملون بصمت، بعيداً عن المنابر العربية، ان لم يكونوا بعيدين أيضاً حتى عن منابرهم الوطنية. نخرج من "نزهة حسان" بعد ندوة تجر وراءها لذة واضحة، دارت حول التجربة الشعرية للشعراء: سركون بولص، امجد ناصر، علي الملاحي، وكاتب هذه السطور. قدم الندوة الشاعر ورئيس اتحاد كتاب المغرب حسن نجمي، وناقشها الروائي سالم بنحميش والناقد نجيب العوفي. كان الاصيل المذهّب قد مسّ المكان كله، ومن ثم اوغل في ألوان ماسية، شظاها مساء ناعم غمرته رطوبة ليلية. نخرج من المكان المشجر برفقة الاديب ادريس الخوري ذي الذاكرة الثقافية المتجولة، الى موعد عشاء عند وزير الثقافة الشاعر محمد الاشعري الذي شغل من قبل رئاسة اتحاد كتاب المغرب.. نصل الى بيته، كوكبة من المثقفين العرب والمغاربة، لنحيي امسية شعربة تلقائية في حديقة بيته الجميلة. نأخذ مواقعنا على العشب، واستجابة لطلبات الحاضرين، يقرأ الشاعر محمد الاشعري قصيدة، يليه الشاعر سركون بولص، والشاعر الجزائري علي الملاحي، ومن ثم طلب مني الشاعرالمهدي اخريف ان اقرأ شيئا من شعري، وبما انني لا احفظ اشعاري البتة، وانما على العكس احفظ لغيري، قرأت مقطعا من قصيدة "نهايات الشمال الافريقي" لسعدي يوسف، وهذه ستكون هي المرة الثانية التي اخيّب فيها امل الكاتب محمد برّادة الذي طلب مني الطلب اياه في "مطعم ماما"، ذي المسحة المغربية، في طابع الطعام و اللباس والبناء والتزويق الداخلي الذي يتقنه المغاربة، من تزجيج وتعشيق وتنميق لهندسة الاشياء والاماكن، لكن الذي لطف الموقف في مطعم "ماما" هو حضور الشاعرة اليمنية هدى ابلان، التي قرأت قصائد قصيرة دون الرجوع الى الاصول،. هذا التقليد سيتكرر في بيت الصحافي الفلسطيني محمود معروف، وهنا لا مناص من حبل الخلاص لأنني كنت عائداً للتو من قراءة شعرية، ولذلك كنت اتأبط شعراً. نهر وادي ابي رقراق يندفع جمع من الادباء والفنانين عند شاطىء "نهر وادي ابي رقراق" الى الزوارق في رحلة عذبة، تخترق هدأة هذا النهر، الذي تغفو على ضفتيه مدينتا سلاوالرباط. ما يثير في هذه الرحلة هو مرافقة فرقة تقليدية فنية مغربية، ادت ايقاعات متموجة غنائية من شعر الملحون مثل "فطيمة" و"الشمعة" وغيرهما. ترافق هذه الاغنيات طلائع ابواق طويلة ودفوف رقيقة وطبول مربوطة الى الاكتاف، يحملها مؤدون خبيرون بهذا الفن الشعبي، اضافة الى المزامير القصبية، التي يقال انها في مراكش ترقّص الافاعي، ويثمل بها المتصوفون وبائعو الاحلام، وهنا في سلا قضينا ليالي وصباحات تتكسر فيها الاطياف. صباحا كنا نأتي الى مقهاها العائمة، طلبا للقهوة، وفي الليل الى مشاربها ومآكلها الطافية في باخرة، القت بمراسيها في هذا اليم الصغير. ولمدينة سلا، تاريخ براق يرفل بحلته الزمنية. تأسست هذه المدينة عام 1006 م، على الضفة اليمنى لوادي ابي رقراق، وعلى صخرة بالضفة اليسرى مشرفة على المصب، اسس السلطان الموحدي عبدالله المؤمن حصنا سماه رباط سلا، وهو المكان القائم حاليا، من جهة العاصمة الرباط والمعروف بمنطقة "اللوداية". وكانت سلا، حسب المؤرخ البحار روجي كواندور، عاصمة للقراصنة، والف كتابا ممتعا سماه "قراصنة سلا"، كما كان لها دور اقتصادي باهر، لانها اصبحت مركزا مشعا للتجارة و الاعمال، فهنري تيراس يرى في كتابه "ابواب ترسانة سلا" انها: "الميناء الاكثر غنى ويسرا لمملكة فاس، فتجار مدن بيز وجنوه والبندقية،كانوا يشترون من مدينة سلا الاصواف والجلود والثياب والزرابي السجاد والعاج والشمع وعسل مكناس، وبالمقابل يبيعون القماش والاشياء المصنوعة". ان هذا الازدهار لن يمر دون اثارة الاطماع حولها. ففي سنة 1260 م،استولى عليها الاسبان وخربوها وسبوا نساءها. في سلا ترى الغابات والبيوت الفارهة، وفي الرباط تنحدر بك الاسواق الطويلة والازقة الملتوية. قرب فندقنا بالرباط نصبت خيام بيضاء رقيقة، حيث اقيم فيها سوق للكتاب، اشتري كتباً واحار بها. هنالك دائما مشكلة الوزن وشراء حقيبة اخرى. ان الرباط مدينة صغيرة، واذا كنت من المشائين الاوائل فهي صديقة لك. بالقرب من شارع محمد الخامس الضاج بالحركة، العاج بالغادين والرائحين، يقع اتحاد الكتاب، تحتويه شقة متواضعة، لا تناسب القيمة الكبيرة للكتاب المغاربة. صالة الندوات صغيرة، تطل على شارع غاص بأبواق السيارات وخطى المشاة المسموعة، ان اغلقت باب الشرفة هاجمك حر شديد لانعدام سبل التهوية والتكييف، وهذا ما حدث لي بالضبط، حين اقيمت لي امسية شعرية في مقر اتحاد الكتاب، على هامش المهرجان. غير ان المرء حين يغادر الاماكن المغلقة سوف تحتضنه الرباط، لتعانق مشاعره، ففيها ما يبتكر لتجديد الخلايا، وما يجترح لتفعيل الحواس. فأنت هنا امام الاصطفاء الجميل للحسيات و المرئيات وللصور الفريدة التي تتأطر بها الرباط. اخرج الساعة الثانية بعد منتصف الليل، صحبة الشاعرين حسن نجمي وامجد ناصر الى مقهى "الليل والنهار". نقطع شوارع نائمة، الا من بصيص حركة، لنصل للمقهى الممتلئ بعشاق الليل ورواد المتع المختلفة، لننخرط في حديث لا ينتهي عن الشعر، وهل ثمة نهاية للشعر في المدن الحية ؟ دائما في المدن هناك اجتراحات ومعجزات بسيطة، تشبه المدن الحية نفسها. ففي الرباط صرت اقرأ الصحف العربية والمغربية ليلاً، أي اني سأقرأ الاخبار طازجة قبل موعدها المحدد في اليوم التالي، وصرت اذهب للمقهى لأقرأ وضع العالم المدجج بالمآسي، ولكأنني متلهف للتراجيديا. مرة اذهب مع الشاعر محمود عبدالغني وتارة مع الشاعر غسان زقطان، وطوراً مع الشاعر سركون بولص، لنقرأ الصحف ليلاً، ونتصفح الجمال المغربي الطائر في الشوارع. بالقطار الى الدارالبيضاء ما ان افتح نافذة غرفتي حتى تهجم عليّ اصوات مثقلة بالرنين، تأتي من كل مكان، فغرفتي تطل على محطة القطارات الذاهبة على طول الجغرافيا المغربية، من هنا ذهبت الى الدار البيضاء، أو كازابلانكا، هذه المدينة التي تحمل وجهاً مختلفاً عن الرباط، كونها العاصمة الثقافية، بكل تجلياتها ونخبها واطيافها، مدينة تحاكي كل شيء. باختصار انها المدينة التي تستضيف الغرابة والاثارة والاساطير اليومية. ولي مع هذه المدينة شبه اسطورة غابرة، ففي مطلع السبعينات كان الشاعر عبداللطيف اللعبي معتقلاً في احد السجون المغربية، وانا كنت في بغداد في خطواتي الشعرية الاولى، فكتبت قصيدة اسمها "رياح كازابلانكا" اهديتها لعبداللطيف اللعبي، وكانت هذه القصيدة الثانية التي انشرها في حياتي، ولا اعرف لماذا تسلل اسم كازابلانكا اليّ دون غيرها، ولماذا تم اختيارها عنوانا لقصيدتي. هانذا اذن ذاهب إلى كازابلانكا المحلومة شعريا والمتخيل بها فيما مضى، حيث تتخلل الطريق مشاهد ريفية تذكرني دفعة واحدة بريف العراق وقراه البعيدة.. احب مشهد حمار محمل بالحطب، مشهد نساء ينقلن الماء بالأواني عبر طرق ريفية، مشهد احتطاب وحصاد، مشهد طفل ريفي، يلعب بين ارجل الابقار والخراف، مشهد استخراج الحليب من الضروع، مشهد بذار وسقي لأيد معفرة بالتراب، مشهد دخان منبعث من قدور نحاسية لطعام يعدّّ في البرية.. كل هذه المشاهد تمر بي فيتقاطع الجديد بالقديم. نصل الى كازابلانكا. في الزيارة الاولى كان الشاعر خالد المعالي رفقتي، نذهب الى مقهى فرنسا لملاقاة الصديق الناقد صدوق نورالدين، نحتسي القهوة ونمضي الى بيت الكاتب محمد زفزاف. بيت متواضع في منطقة اكثر تواضعاً. يحدثنا القاص محمد زفزاف عن محنته مع المرض الخطير اياه، غير انه يعيش الآن في خفة متأتية من انه ليس مصاباً بذات الداء . في المرة الثانية آتي مدفوعاً بشغف من يرى شخصاً يركب القطار للمرة الاولى. هذا حدثٌ بالنسبة الي، وينبغي ان اشهد احداثيته مع الشاعرة اليمنية هدى ابلان التي لم تركب قطارا في حياتها. هانذا اصورها بكاميرتها وتتابع القاصة ربيعة ريحان والشاعر سركون بولص والشاعر الجزائري علي الملاحي ردود افعالها وغبطتها التي راحت تنفذ عبر نوافذ القطار... المرة الثالثة كانت مكرسة من اجل استنطاق المكان والغوص في احشائه العميقة، ويا له من مكان هذا الذي اسسه الرومان واطلقوا عليه اسم "انفا" والمعروف حالياً بالدار البيضاء أو كازابلانكا كما سماها الاسبان. "... وكانت هذه المدينة في غاية الحضارة والازدهار، لأن أرضها خصبة تصلح لجميع انواع الحبوب، وتمثل في الواقع أجمل منظر في افريقيا كلها...وكان سكان انفا يتأنقون جداً في لباسهم بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطهم بالتجار البرتغاليين والانجليز".. هذا الكلام لحسن الوزان الفاسي و المعروف بليون الافريقي، المولود في غرناطة 1483ميلادية، أي قبل سقوط غرناطة بعشر سنوات، بعدها انتقل مع اسرته صغيراً الى فاس، وهناك الّف كتابه "وصف افريقيا"..ترى بأي وصف سأتزود وانا ارى عالما عائما على صور مرئية. لقد تحولت الى عين حين رحت انفذ الى خبايا واسرار وعوالم مدينة الدار البيضاء. إنها مدينة كبرى، غير متجانسة، تضم في الغالب الثنائيات، الهشاشة والاتزان، الفقر والغنى، الحب والكراهية، الخير والشر، السهل والممتنع، البحر والبر، الانحطاط والرقي، فهي تحيا بهذه الثنائيات، كما يراها ابناؤها الآن. غير اني حين تجولت فيها لم المس الاّ الدفء السيال والعذوبة التي يتقن اهل الدار البيضاء صناعتها. قررنا ونحن نتجول ان نلوذ بمطعم، ناشدين أكلة المغرب العربي الشهيرة. في المطعم عثرنا على المراد، لانه من غير المعقول ان نأتي الى المغرب لنأكل الستيك و ما شابه، ونترك الاطعمة التقليدية. ثم دار حديث عن الطعام المشرقي والمغربي، ففوجئت ان البامياء تسمى لدى اهل المغرب الملوخية، ولما سألنا عن اسم الملوخية ضحكوا وقالوا: ليست هناك ملوخية في المغرب.