صدرت حديثاً في بيروت اسطوانة بعنوان "أحاسيسي" للموسيقي اللبناني غي مانوكيان، تتضمن ثلاثة عشر عملاً موسيقياً توزعت ما بين المقطوعة الموسيقية والأغنية. تنوعت هذه الاعمال في عناوينها المنسجمة، وموسيقاها، وايقاعاتها الكلاسيكية الشائعة، لكنها بقيت حبيسة مناخ نغمي وإيقاعي يكاد يكون واحداً، تكرر في معظم الاغاني والمقطوعات. في مقطوعة "أليسا" ثمة اجواء موسيقية توحي الى المستمع انها موسيقى غربية مألوفة، شائعة على ايقاع الروك، الا ان النصف الثاني منها يصدم المتلقي بمشاركة العود، هذه الآلة الشرقيةالاصيلة، التي اضافت بُعداً جديداً يتوخى الابتكار، ويُظهر مدى اغناء مشاركتها الأعمال الغربية التأليف. "NAI" اغنية استهلها المؤلف بتقاسيم عود من مقام نهوند، محمّلة بلازمة موسيقية يعيد العود فيها اداء المقدمة كترجمة حرفية لها، نمطية، محاولة من الملحن إكسابها احساساً شرقياً، في حين لم يتنبّه الى اهمية إبراز جماليات هذه الآلة، التي بدت كأنها حُشرت حشراً مقارنة بالمقطوعة الاولى. في مقطوعة "الجمعة" يكرر مانوكيان استخدامه العود، ما يستحق الثناء، كنوع من محاولات التلاقح والتثاقف الحضاري عبر تطعيم الموسيقى الغربية بآلة شرقيةاصيلة، وإختراقاً لثنائية الذوق السمعي العالمي، لإيمانه بأن العالم صار متصلاً، ممتزجاً شرق - غرب. الا ان للعود حساسية، بل خصوصية شرقية يتفرد بها عن سواه من الآلات الوترية كالغيتار الخشبي، وغيره من عائلة الوتريات نفسها، الامر الذي غاب عن عمل الملحن قصداً او عن غير قصد. فقد يدرك المستمع حضور هذه الآلة، في حين تغيب عن احساسه تلك النشوة الموسيقية، المتميزة، التي تولّدها الاساليب والتقنيات الخاصة بتنفيذ المقامات الشرقية عبرها، وقد طرحها المجددون الموسيقيون، طبقاً لأسلوب "الاورغنوم" أو التتالي النغمي الذي يعتبر سلم الاضافة الحقيقية لمحاولات التطور والإبداع الموسيقيين. بدت مقطوعة "كرون" طامحة الى لمسة ابتكار لم تتحقق لها هي المعروفة عربياً "فطوم فطومة" التي اشتهرت كثيراً في الشارع الغنائي العربي عبر الممثل الشهير دريد لحام، وقد اضاف اليها ايقاع القبقاب الخشبي، فأضفى عليها ابتكاراً مرحاً، فضلاً عن جمال ادائه التمثيلي لها، الامر الذي افتقرت اليه عند مانوكيان. "اذكرني في البر" مقطوعة على ايقاع الجاز حاول عبرها الملحن استعراض اداء الآلات النحاسية مع البيانو الآلة التي لا تنسجم مع افراد عائلة النحاسيات. طغى صوت الموسيقى الخلفية لأغنية "داوِ الجرح" على الصوت المنفرد الذي اداها ولا ادري ما اذا كان سبب هذا الطغيان خطأ فنياً، او سوءاً في استخدام الآلات المرافقة لصوت المغنية، هذا الصوت الحساس، الذي يتمتع بمساحات صوتية متنوعة لم تُستغل، خصوصاً ان الاغنية ذات مناخ موجع، مؤثر، من الجميل التعبير عنه بأقصى درجات الحدة "سوبرانو" او اقصى درجات الغلظة "التو". اغنية "محيط" نكاد لا نتبين منها مخارج الفاظها وحروفها، وتزيد في تقليديتها بنية اللحن الاساسية، التي هي بنية كلاسيكية ما قد لا يخدم اي مغنٍ طامح للوصول الى قلوب الناس. لو أعار مانوكيان تجارب الموسيقيين الحديثين اهتماماً اكبر لكان حتماً اغنى عمله الجميل جمالاً اكثر، لا سيما مع الموسيقيين الذين ادخلوا آلة العود بإطارها الصحيح، امثال مارسيل خليفة، وعمار الشريعي، وعمر خيرت وسواهم، وقد اظهروا المخزون الرائع، الكامن في عمق هذه الآلة، ومدى قدرته على النفاذ الى شريحة واسعة من المستمعين. كذلك قدرة هؤلاء على مزج المقامات الغربية الاحساس "المودال" بالمقامات الشرقية المعقدة الاساليب والتقنيات كالبياتي وفروعه والراست وفروعه، والسيكا وفروعه وغيرها من المقامات، التي يؤديها عازفو العود المكتوب وكأنهم يرتجلونها.