يبدو أننا مع اعتيادنا افتقاد كثير من الحقوق والميزات الإنسانية، على وشك أن نفتقد ميزة البكاء والتباكي التي طالما زخم بها الشعر العربي، ونلاحظ أنه مع القرن الجديد يمر المجتمع العربي بانعطافات تاريخية، سوف تثقل كاهله سنوات طويلة، ومن هذه المنعطفات التي لم يحسن المثقف العربي حتى البكاء عليها، مجموعة الصدمات اللاديموقراطية واللاإنسانية التي لاقتها قضية المرأة العربية من البرلمانات العربية، تلك البرلمانات التي من المفترض أن تكون قوة الدفع نحو تحرر وانصاف المرأة. نبدأ من الكويت حيث أسقط البرلمان الكويتي المرسوم الأميري الذي كان يراد منه منح المرأة حق المشاركة في الانتخاب، وان كان الفارق في الأصوات بسيطاً، وهناك أمل في أن ينجح هذا القرار في المستقبل ما لم تحدث مستجدات مما تتحفنا به الساحة العربية دائماً. لكن كيف يمكن لبرلمان في نهاية القرن العشرين أن يمنع حقاً من المعيب البحث فيه؟ وننتقل الى الأردن وقد أسقط البرلمان مرتين مشروعاً حكومياً لتعديل أو الغاء المواد القانونية التي تعترف بجرائم الشرف، حتى ان رؤساء العشائر خرجوا بمسيرة تأييداً لتعديل هذا القانون الذي قدمته الحكومة الى البرلمان بتأييد ملكي، اضافة الى التظاهرات أمام البرلمان، لكن فيما يبدو أن البرلمانيين الأردنيين ما زالوا يستهجنون أن تقوم الدولة بأبسط مهامها القانونية، ويعتبرون أن عقلية القرون الوسطى يجب أن تسيطر ومن خلال القانون. لا أدري في أي عصر نعيش! البرلمان يحرّض على القتل! ويمنع الدولة من ممارسة حقها القانوني! ويبدو أن البرلمانيين العرب يتخذون قراراتهم ويدلون بأصواتهم بطريقة مزاجية تلعب رجعياً، وهذه ظاهرة في غاية الخطورة، ويجب أن توظف كل الطاقات لكبحها، - والأفضل تغييرها - وهنا يوجد دور واضح للمثقف العربي من خلال الهامش الضيق المسموح له، لأن الصراع هنا لا يأخذ منحى سياسياً محظوراً، فمن الملاحظ أن مؤسسات الدولة والحكومة تسعى للتغير نحو الأفضل، فيما البرلمان يتخذ الدور السلبي. أما في مصر فاتخذ البرلمان ذلك القرار التاريخي على مضض، لكنه يعتبر خطوة مهمة في طريق تحرر المرأة والمجتمع، إذ نجد أن البرلمان رفض سابقاً السماح للزوجة بالسفر من دون موافقة زوجها، لكنه في الوقت نفسه رفض تقييد حركة الرجل في السفر وان كان هذا السفر فيه مضر للمرأة وللأولاد، كل هذه الأمور تحوي منطقاً ومفاهيم غريبة على جميع المفاهيم الإنسانية والدينية على السواء. فالغريب أن المرجعية الدينية تسمح بأمور لم يتقبلها البرلمانيون، متخذين ذرائع لا تمت الى المنطق أو الحق بصلة، وكأن المرأة العربية، لولا هذه القوانين المجيرة، ستفلت من قمقمها كالجنّ الهائج، لتدمر الأسرة والمجتمع العربي، والرجل العربي سيتحول الى ظبي مسكين، وليس أمامه إلا هذه القوانين ليحدّ من جنون المرأة وجورها، فأبسط حقوقها ليست إلا بداية طريقها نحو الفجوة والفساد. أين التربية والأخلاق المتوارثة المتأصلة التي يتغنون بها، وكيف يرضى البرلمانيون ومن يقف في صفهم، أن تكون زوجتهم وأختهم على هذه الصورة، وهل نفوسهم ضعيفة ومهزوزة الى هذا الحد، يلاحقهم شبح المرأة الحرّة، الحاصلة على أبسط الحقوق التي سرقت منها ولم تعد حتى اليوم؟ عانت المرأة من التشنج الذي يصاحب أي جدال في قضيتها. تحررها دائماً بحاجة الى القيود والمحظورات، تحت شعار المزاج الجماهيري أو المرجعية الدينية، والعادات والتقاليد، وتلك طريقة تفكير الأغلبية العظمى من المفكرين المتنورين، فكيف سيكون حال المتزمتين؟ المشكلة الكبرى الملازمة لقضية تحرر المرأة هي العقلية الانتقائية والمزاجية السائدة في منهج التفكير عند العرب، والدليل على هذا أن المرجعية الدينية وهي تعتبر من أكثر المرجعيات التي تتخذ كذريعة لكبح حريات المرأة، هذه المرجعية تحمل مساحات لحرية المرأة أوسع من المسوح به والمقر في القوانين، مع التأكيد على حاجة هذه المرجعية الى اجتهادات لاستنباط قوانين لمصلحة المرأة، فقبل قرن ونصف كانت المرأة تعيش حالات ثتبت من خلالها ذاتها أكثر من اليوم. وهناك أمثلة كثيرة على العقلية الانتقائية التي يعاني منها العقل العربي، والتي ندفع ثمنها اليوم على جميع الأصعدة وليس على صعيد قضية المرأة فقط، وأعتقد أن للمثقف العربي فرصة متاحة للعمل في هذا المجال، لعدم تعارضه مع سياسات معظم الدول العربية، فإمكانية النضال متوفرة ضمن الحيز الضيق المسموح به، والحل يكون بداية في التخلص أو محاولة التخلص من العقلية الانتقائية التي سيقع فيها معظم الداعين الى تحرر المرأة، فأول المنطلقات يجب أن تكورن هي تحديد وجمح تدخل العام في الحياة الخصوصية للأفراد، ومن ثم ليحدد كل شخص الطريقة التي يريد أن يعيش فيها، من دون ملاحقة قانونية. والمنطق الثاني أن الحرية الفردية لا تتجزأ أو لا تنتقص إلا في حال مساسها بحرية الآخرين.